1. قرطبة مرآة الماضي ونافذة تطل على المستقبل


2. دليلك إليها رائحة الزيتون

قرطبة مرآة الماضي ونافذة تطل على المستقبل

دليلك إليها رائحة الزيتون

تعتبر زيارة مدينة قرطبة إلزامية للسائح الذي يصل إلى إسبانيا، فإذا حططت رحالك في مدريد أمامك ثلاثة خيارات للوصول إليها، بواسطة السيارة بالطبع، حيث تبعد عن العاصمة مسافة 400 كلم، أو بالطائرة، ولكن ربما أفضل وسيلة هي القطار السريع (AVE) الذي ينطلق من محطة أتوتشا (Atocha) في وسط مدريد بسرعة تفوق 300 كلم بالساعة. ولا تنس أن تترك النافذة مفتوحة كي تنبهك رائحة زيت الزيتون الى أنك على مشارف الأندلس، لتشتد وتنبهك من جديد الى أنك اصبحت على مشارف المدينة، ثم الق نظرة عبر النافذة، يمينا أو يسارا، لكي ترى حقولا واسعة من الزيتون، ففي مقاطعة قرطبة وحدها تجد أكثر من 60 مليون شجرة زيتون. هناك الكثير من المعالم الأثرية الإسلامية وغير الإسلامية التي يمكن زيارتها، فالمدينة مليئة بالقصور والاسوار والجدران العتيقة، وما عليك إلا التنزّه في شوارعها الضيقة والصغيرة كي تتذوّق طعم التاريخ. لا يحتاج السائح إلى سيارة خاصة للتنقل أثناء الزيارة، فالمدينة ليست كبيرة جدا، فيها شبكة مواصلات تقله بسهولة وبسرعة إلى كل المعالم السياحية والاثرية.
أول زيارة يجب أن تقوم بها هي إلى المسجد الأموي، تحفة العمارة الإسلامية، أمر ببنائه عبد الرحمن الأول في نهاية القرن الثامن، في عام 785 بالتحديد، ثم حوّله فرناندو الثالث إلى كاتدرائية بعد سقوط المدينة بأيدي النصارى في 29 يوليو (تموز) من عام 1236. ولكنه حتى الآن ما زال يعرف باسم المسجد الكاتدرائية، ثم تمتع بجلسة تحت شجرة من اشجار ساحة البرتقال واطلق العنان لمخيلتك ودعها تأخذك إلى الوراء مئات السنين، على خرير المياه التي تنساب بين قدميك في الأقنية الصغيرة التي ما زالت حتى الآن تروي اشجار الساحة.
إذهب بعدها لزيارة «ناعورة الكليب» القريبة من الجسر الروماني التي أمر بتشييدها عبد الرحمن الثاني في الطاحونة، التي تحمل نفس الاسم، لرفع مياه النهر وإيصالها عبر قنوات معقدة الى قصر الأمراء، ثم أتت الملكة إيزابيل واتخذت القصر مقرا لها، وأمرت بتدمير الناعورة الأصلية لأن خرير المياه كان يزعجها، ثم انتقل بعدها إلى قصر الملوك المسيحيين الذي أعاد تشييده الملك ألفونسو الحادي عشر في عام 1327، وتحول في عام 1485 إلى المقر الرئيسي لجيوش الملوك الكاثوليكيين، وتم فيه التخطيط للإستراتيجية في عام 1492 التي أدت إلى هزيمة مملكة غرناطة الشهيرة.
ويأتي الآن دور مدينة الزهراء القريبة من قرطبة، التي أمر ببنائها عبد الرحمن الثالث في عام 936 واستمر البناء لمدة 25 سنة. استعمل في بنائها الذهب والرخام، وعجت بالمباني الجميلة والحدائق الخلابة، ولكنها دامت 74 عاما فقط، إلى ان دخلتها جيوش البربر في عام 1010 أثناء ثورتهم، فسرقتها ودمرتها نهائيا واضطر سكانها إلى الهرب واللجوء إلى أماكن أخرى. وفي عام 1236 نقل فرناندو الثالث حجارتها ورخامها وكل ما بقي فيها واستعمله في بناء القصور والكنائس والهياكل. وقد طمرها الزمان ليعود ويكتشفها من جديد بيدرو دي مادراثو في عام 1853. وكشفت الحفريات الأثرية حوالي 10% منها فقط، ولكنها ما تزال قائمة حتى الآن.
وإذا كنت من محبي الحيوانات أو مسافرا برفقة الاولاد، فلا بد من زيارة حديقة الحيوانات التي فتحت أبوابها من جديد في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. ولكن من الأفضل الاتصال مسبقا للتأكد من إمكانية الزيارة لأن الإدارة حددت عددا من الزوار يوميا لا يمكن تخطيه. للحصول على مزيد من المعلومات بإمكانك الاتصال مباشرة على الرقم 200807 957 34 00.
في قرطبة عدد كبير من الأعياد والمهرجانات الفولكلورية التي تحيي تاريخ المدينة وتضفي عليها رونقا رائعا يسمح للمقيم والسائح التمتع بها. أحدها الكرنفال الذي يحتفل به عادة في أواخر شهر فبراير (شباط) ويتخلله الكثير من الأنشطة والحفلات المسلية لجميع الأعمار. وأجملها في شهر مايو (أيار) الذي تحتفل فيه المدينة بمهرجاني البهو الأندلسي والشرفة الأندلسية، تلبس فيه المدينة حلة جميلة وترى أزهار الفل والقرنفل تملأ الشوارع، وتشتد المنافسة لاختيار أجمل بهو وأجمل شرفة.
وإذا كنت من عشاق فن الفلامينكو الأندلسي الذي ما زال متأثرا بفن الغناء العربي القديم، فأمامك خيارات كثيرة، ولكن من المستحسن ان تحجز وتستعلم مسبقا، في مكتب استقبال الفندق، لمعرفة الأماكن والأوقات المحددة قبل الذهاب، لأنها تغص عادة بالسياح والزوار في جميع أيام السنة. أما إذا كنت من الذين يترددون إلى المسارح، يوجد في المدينة أيضا مسرح رائع يعرض أنشطته على مدار السنة، فما عليك الا الاتصال والاستعلام مسبقا للحجز وشراء البطاقات، إما عن طريق الفندق أو مباشرة من المسرح http://www.nh-hoteles.com .
بالنسبة للمطاعم فهي كثيرة ومتنوعة، وإذا أردت أن تتمتع بالأطباق الأندلسية وبأسعار معقولة، فما عليك إلا زيارة مطعم Las Comedias حيث بإمكانك أن تتذوق اشهى الأطباق المحلية، أو مطعم El Extremeo الذي يقدم ألذ عجة إسبانية Tortilla في المدينة في بهو جميل على الهواء الطلق، لا تتعدى أسعار هذين المطعمين 15 يورو للشخص الواحد. أما إذا كنت من الذين يسخون قليلا على طعامهم، فما عليك إلا زيارة مطعم Bodegas Campo، فهو مكان جميل وفريد، ننصحك بسلطة سمك الباكالاو مع البرتقال أو بالطبق الأندلسي الشهير Salmorejo الذي لا تتذوّق مثله في مكان آخر. كثيرة هي المطاعم التي تجدها أثناء نزهتك في المدينة، وأشهرها تلك المطاعم التي تقدم الأطباق الأندلسية التقليدية الصغيرة والمتنوعة التي تعرف باللغة الإسبانية باسم Las Tapas، فأثناء نزهتك في شوارع المدينة العتيقة والضيقة ظهرا أو مساء، ما عليك إلا أن تختار المطعم الذي يعج بالناس، وغالبا ما تراهم خارج المطعم على الرصيف، وهذا هو الدليل القاطع للأسعار المعقولة والأطباق الشهية.
أما إذا أردت أن تذهب إلى أشهر مطعم في قرطبة، الذي يتلقى أكبر عدد من الزوار فما عليك إلا أن تذهب إلى مطعم El Caballo Rojo، أي الحصان الأحمر، القريب جدا من المسجد الأموي. يقدم هذا المطعم أطباقا إسبانية وعربية قديمة من عهد الأندلس، بحث صاحبه عن وصفاتها في الكتب والمخطوطات التاريخية. دع بيبي Pepe، صاحب المطعم، أو ابنته ماريا، يحدثاك عن الأطباق الموجودة أو عن الطبق اليومي، وسيجعلان من زيارتك تجربة لا تنسى، وأتوقع أن تقرر العودة إلى المطعم نفسه في المساء أو في اليوم التالي. لا تتعدى أسعاره 35 يورو للشخص الواحد.
الطقس في قرطبة كثير التقلب ومن المستحسن استشارة مراكز الأحوال الجوية المحلية والعالمية قبل الزيارة. صيفها شديد الحرارة حيث تصل أحيانا إلى 45 درجة مئوية، مع أن أحياءها وشوارعها الأندلسية العتيقة والضيقة تحمي السائح من الشمس الحارقة وتضفي مناخا معقولا، ناهيك من بعض الأمطار عند غروب الشمس. شتاؤها بارد قارس وقليل المطر، خريفها وربيعها باردان يتخللهما مطر قليل ولكنه غزير.
للمزيد من المعلومات عن قرطبة والأماكن التي يمكن زيارتها أو الأنشطة التي يمكن رؤيتها أو المشاركة فيها، بإمكانك زيارة موقع بلدية المدينة على الإنترنت http://www.ayuncordoba.es، أو أي وكالة سفر محلية فور وصولك إلى المدينة، أو حتى في مكتب استقبال الفندق الذي سيعطيك جميع المعلومات المتوفرة لديه أو يرسلك إلى أحد مكاتب الاستعلامات السياحية المحلية الموجودة في أماكن استراتيجية.

• لم يخطر في بال طارق بن زياد، ولم يكن في حسبان قائده مغيث الرومي، حين أرسله في عام 711 ميلادية على رأس سبعمائة من أشد فرسانه، أن فتح مدينة سيكون بهذه السهولة. ففي ليلة حالكة السواد تمكن الفرسان من مفاجأة حراسها وتخطي أسوارها المنيعة، ثم دخولها وكتابة أولى صفحات تاريخ أبدع وارتقى إلى أرفع وأسمى الدرجات وفي شتى الحقول، ثم ضاع. وقد اكتسبت أهمية بالغة على عهد عبد الرحمن الداخل، صقر قريش، مع تأسيس الدولة الأموية في الأندلس بعد سقوطها في الشرق على أيادي جيوش العباسيين، ثم حوّلها عبد الرحمن الناصر، أول خليفة أندلسي، إلى عاصمة الدولة الأموية، ومركزا ثقافيا يتخذه العلماء والفقهاء مقرا لهم. أطلق عليها الأوروبيون أحيانا اسم «جوهرة العالم» وأحيانا أخرى «حورية الغرب»، وتحولت مع السنين الى أهم مدينة إسلامية تاركة وراءها كبريات المدن الإسلامية والشرقية والغربية. وهكذا اصبحت قرطبة مدينة إسلامية دامت قرابة خمسة قرون إلى حين دخلتها جيوش فرناندو الثالث في عام 1236 وبدأت معالمها تتغيّر شيئا فشيئا، ولكنها حافظت على رونق وطعم إسلاميين استحال على السنين محوهما أو نسيانهما. فيها ولد ابن زيدون وفيها عشق ولادة، ومن جامعتها استقى العلم والمعرفة. وفيها ولد ابن رشد والإدريسي والقرطبي والعباس بن فرناس وغيرهم من أهم علماء وفقهاء الأندلس. وفيها أيضا ولد وعاش الشاعر الأندلسي فيديريكو غارثيا لوركا وفيها كتب مسرحيته الشهيرة «عرس الدم»، وفيها قتل رميا بالرصاص إبان الحرب الأهلية الإسبانية التي دامت من عام 1936 إلى عام 1939.

جريدة الشرق الاوسط