بوينج
11-09-2022 - 10:11 am
كم يبدو جميلاً أن تنهمك في معركة قتل الجوع الذي استبد بك وسط النهار أو في المساء فيما نظرات سعاد حسني تتابعك أو حزن عبد الحليم حافظ يتعقبك أو حوار دافئ بين أم كلثوم وتوفيق الحكيم يؤثث خيالك.
في البداية ستحاول أن تقتل جوعاً عادياً يرتبط بالبطن. لكنك ما بين النظرة والابتسامة وكلمات الحوار الصامتة التي تنادي نظراتك وفضولك عبر الصور المعلقة سينفجر في رأسك جوع آخر. جوع إلى الفن الجميل والأيام الحلوة.
ربما تبدو هذه هي حكاية مطعم «استوديو مصر» في مراكش مع رواده المغاربة. و«استوديو مصر»، قبل أن يكون مطعماً للأكلات السريعة هو في الأصل نقطة تحول مهمة في صناعة السينما المصرية. «استوديو مصر»، المطعم المراكشي، افتتح أبوابه في مارس (اذار) 2006، أما «استوديو مصر»، الأصل السينمائي فقد شيد عام 1934.
ويقول عزيز، وهو المكلف تسيير المطعم إن فكرة «استوديو مصر» انطلقت من مراكش لتصل في ما بعد إلى مدن أغادير وفاس والدار البيضاء والرباط، مشيراً إلى أن صاحب المشروع والمطعم هو المنتج السينمائي المصري، كامل حسن أبو علي.
ولاحظ عزيز أن الرواد المغاربة ينقلون انبهارهم بالفكرة المبتكرة للمطعم كفكرة غير مألوفة، فهم يجدون أنفسهم وسط مطعم هو أشبه بالمتحف الفني، ولذلك فهم بترددهم على المطعم يحققون هدفين؛ إشباع البطن وإشباع الذاكرة. ويصعب على زوار «استوديو مصر» أن يحافظوا على انفعالاتهم وذكرياتهم مع أصحاب الصور المعلقة على جدران المطعم باردة داخل رؤوسهم، فهم يعطون الانطباع بأنهم هنا لسد جوع بطني، لكنهم في الحقيقة يعيدون الترتيب لجوع فكري يستحضر أياماً طوعوا خلالها نظراتهم على أفلام أنتجت بالأبيض والأسود، تتخللها حوارات ما زالت ترن في آذان مشاهديها وأغان خلدت لرواد الطرب والغناء العربي.
فصور نجوم وعمالقة السينما المصرية موزعة عبر أرجاء المطعم. وهي صور من مختلف مراحل حياتهم أو مأخوذة من أفلام رائعة. صورٌ خلدت للجميل من الوجود والإبداع فيما تصر على أن تعيد علينا نفس العبارة التي تقول إن الإبداع إما أن يذهب إلى قبره أو يذهب إلى التاريخ. في حالة أصحاب هذه الصور المعلقة بسخاء على جدران المطعم، يبدو أن عبد الحليم حافظ وفاتن حمامة وأم كلثوم ويوسف وهبي وتوفيق الحكيم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وليلى مراد وكل الآخرين... قد ذهبوا فعلاً إلى التاريخ.
يقول رشيد، أحد مرتادي المطعم: «أسعدني أن أرى الأبيض والأسود ينتصر على هذا الزحام من الألوان، وتلك الوجوه إذ أنظر إليها أشعر أيضاً أنها تطلع من ذاكرتي، ويبدو أن حزن سعاد حسني هنا يدين كل بهجة مفتعلة». وتنسجم «الموسيقى المنبعثة في المطعم مع الصور المعلقة وفكرة وتصميم الكراسي من آلتي العود والكمان حفاظاً على جلوس الزبون منسجماً في وسط تؤثثه صور الفنانين وموسيقى الرواد».
وتبقى الدهشة هي أول ما يغلف أحاسيس مرتادي المطعم في الوهلة الاولى، اذ يجدون أنفسهم أمام هامات كبيرة في الفن مستحضرة في إطارات على جدران المكان. ربما الوقت يتوقف في هذا المكان ليفسح الفرصة للذاكرة لتسافر بعيداً في بدايات ومنتصف القرن الماضي. عبد الحليم وفريد وشادية والسندريللا، باقي وجوه الزمن الجميل».
وليست صور الرواد وحدها ما يؤثث لجدران المطعم، فهناك ملصقات تنقل لحاضر السينما المصرية، عبر أفلام «ظرف طارق» و«ويجا» وعايز حقي» و«زكي شان» و«درس خصوصي» و«أبو العربي»، لكن هذه الملصقات لا تزيد المستمتع بصور الأيام الحلوة إلا اقتناعاً بأن الماضي الجميل سيتواصل فينا، ذكريات ووجوها خالدة لن ينسيها أي «ظرف طارق».
منقول
معلومة جديده عن معلم من مراكش