- مراكش بلدة يلقى الغريب بها *** ما شاء من بهجة تسلي ومن كرم
- ساحاتها الفيح جنات منعمة *** وناسها الناس في خلق وفي شيم
- إنَّ الآتيهَ لنعمةٌ ما فوقها *** من نِعمةٍ إلاَّ نعيمُ الجنّةِ
قال أبو المكارم نواف بن محمد الرشيد ، قضى اللهُ بقربِ رجعته ، وآنسهُ بعد غُربته :
بعدَ أن قضيتُ يوم عيد الفطر بفاس ، حماها ربي من كلِّ باس ، رحلتُ إلى مدينةِ مراكش المعروفةِ بمجدها الطارفِ والتليد ، عن طريق ( السكة الحديد ) ، ولا تسل عن حالنا في هذا القطار ، وما جرى فيهِ من الأخطار ، فقد قضينا غالب المدة ونحن وقوف ، مستمسكين بالسقوف ،ناهيك عما لقيناه من العطش والجوع ، حتى هممنا بالعودة والرجوع ، فتلفت ملابس العيد ، من الزحامِ والحرِّ الشديد ، ثُمَّ وصلنا بحمدِ اللهِ مراكش الحمراء ، ومتعنا أنظارنا بمعالمها الساحرةِ بلا مراء ، فرددتُ أبيات محمد بن عبدالملك المراكشي ت 703 هجري :
لله مراكش الحمراء من بلد *** وحبذّ أهلها السادات من سكن
إنْ حلها نازح الأوطان مغترب *** أسلوهُ بالأنس عن أهل وعن وطن
وأبيات أحمد أبا حنيني :مراكش بلدة يلقى الغريب بها *** ما شاء من بهجة تسلي ومن كرم
ساحاتها الفيح جنات منعمة *** وناسها الناس في خلق وفي شيم
وعندَ جامعِ الكُتْبِية وضعتُ عصا الترحال ، ثمَّ سرحتُ النظرَ حولهُ فأيقنتُ أنَّ دوامَ الحالِ من المُحال ، فلمَ أرَ من آثارِ المكتباتِ سوى البنيان ، ولم يُطابق الخبر منهُ العيان ، ثُمَّ توجهتُ نحو ساحةِ جامعِ الفناء ، واسترحتُ بعد هذا العناء ، فقتلتُ جوعي بسيخينِ من اللحمِ والكباب ، أعادت لي بعد التعبِ هِمة الشباب ،و بعدَ أن شربتُ الشاهي المغربيّ ، وناهيكَ بشرابٍ يلتذُّ باحتسائهِ الأعجميّ والعربيّ أنشدني البائع وهو يقدمهُ لي :
خُذهُ فَدتكَ النفسُ من قبلِ الطعام ** أوْ بَعْدهُ فما عليكَ من مَلام
وشُربهُ على الشّواءِ والكباب ** يَفتحُ لي الصحة منهُ ألف باب
ثُمّ أنشدني بعدَ أنْ شربتُهُ :نلتَ الهنا زالَ العنا ولكَ المُنى *** ياشارباً كأسَ الآتيهِ بِدُلجتِ
إنَّ الآتيهَ لنعمةٌ ما فوقها *** من نِعمةٍ إلاَّ نعيمُ الجنّةِ
طفقتُ أبحثُ عن منازل الشيوخ ، من أهلِ العلمِ والرسوخ ، فالتقيتُ بأحدِ عُلمائها الأعلام ، وكانَ ممَّا جرى من كلام ، حديثٌ عن رجلٍ قِصتهُ عجيبة ، فريدةٌ غريبة ، فممّا قال :
كانَ يحضرُ معنا في أيّامِ الطلبِ مجنونٌ يُقالُ لهُ ( بهلول ) ، يمتهنُ النجارة والنشارة ، وكانَ رثَّ الهيئة ، قبيحَ المنظرِ ، إلاَّ أنَّهُ يُحبُّ مُجالسةَ العلماء ، كثيرَ الأسئلة لهم ، فإذا ما انتهى الدرس بدأ بهلول بطرحِ أسئلتهِ المعقدةِ ، فيقول : ما معنى كذا وكذا ؟ وكان يتتبعُ المعضلات من المسائل ، فيطرحها على الأساتذة ، ومنهم من لا يجيب عليها لندرتها ، إلاَّ أستاذنا المختار السوسي ( صاحب المعسول ) فإنه يُجيب على كُل أسئلتهِ المعضلة ، ومرةً سأل العلاَّمة الورزازي – رحمهُ اللهُ تعالى – فقال : ما معنى قولهُ تعالى : ( الكفرة الفجرة ) ؟ فقال الشيخُ : هُما النجارُ والنشّارُ !!
ومرةً كانَ العلاَّمةُ محمَّد بن عبدالقادر العلوي يشرحُ فوقَ المنبر ، وكانَ لا أحد يتجرأُ عليهِ ، فقطعَ ( بهلولٌ ) الدرس وسأل الشيخَ فقال : إذا ضربتُ كفي بالأخرى ، أيّ كفٍ تَكلّم؟؟ فقطع الشيخ الدرس ، ونزلَ من فوق المنبرِ فضربه كفاً ثمّ سألهُ : من أينَ خرجَ الصوتُ من خدكَ أم من يديّ ؟ ثُمَّ قال الشيخُ : جاءَ في الأثرِ ( إذا التقى حديدٌ بحديدٍ يوجدُ هُناكَ أمرٌ إلهيٌ ثالثٌ ) .
وذاعَ صِيتُ ( بهلولٍ ) هذا حتى سألني مرة أستاذي المدني الحسني ( ت 1378 هجري ) . ما رأيتَ بهلولاً ؟؟؟
قال أبو المكارم نوَّاف : ليتني رأيتُ بهلولاً !!!
حررها بمراكش أبو المكارم نوَّاف بن محمَّد العبدالله الرشيد .
5 / شوال / 1430 ه
لكن تعال نتجاذب اطراف الحوار فقد شممت بانفي ريحة عبق اجدادي منبعثة من منخر قلمك والذي طالما لتها ولاكها وحاكها ولي معه صولات طويلات اهتبل لها نفسا من الوقت وفسحة في العمر ان اذن الله