- نقلاً عن صحيفة المدينة
مقال صحفي - د.عبد العزيز محمد قاسم
نقلاً عن صحيفة المدينة
أكرمني الله خلال الأسبوعين الفارطين بزيارة سياحية إلى دولة ماليزيا، اصطحبت فيها زوجي فقط، لقناعة راسخة بأن الأبناء هم من يفسد أية رحلة، لانشغال الأب وحده بهم، فتذهب متعة وصفاء الرحلة في حمل الصغير ومتابعة المراهق ورعاية البنت..
وبالرغم من كل الخضرة والجمال الطبيعي ومشاهد المياه الآسرة التي تأخذ بلبّ السائح في تلك الديار المالاوية، إلا أنني لم أستطب ذلك بسبب المناخ الاستوائي المتقلّب طيلة الأربع وعشرين ساعة، والذي أفسد بالتالي عليّ الرحلة، لتنافر طبعي الجبلي مع أجواء مناخية رطبة كتلك. وألفيت نشأتي في مدينة الطائف حاضرة معي، فلا مقارنة أبداً لمناخ تلك الجزر بمناخ العروس المسترخية بدلال على قمم جبال السروات، حيث تلذعك نسيمات الهدا و الشفا وغدير البنات ببرودة لذيذة ينشرح لها صدرك، وتنفث كل آهاتك وقلقك وتعبك في شغف لا ينتهي..
ثمة مشاهد يلحظها الزائر في تلك الديار ولربما كانت نسبة السياح السعوديين هناك هي الملاحظة الأكبر، فلم نشعر بأية غربة أبداً، ولا أتذكر أنّ أي موقع سياحي ذهبنا إليه، إلا ووجدنا من يسبقنا من العائلات السعودية ويخلفنا في تلك الأماكن، وما يزيد غبطة مثلي أنّ كلّ من رأيناهم هناك من تلك العائلات الكريمة المحافظة ممن يلتزم الحجاب الشرعي وكثير من أخواتنا منقّبات والحمد لله، غير أنه من المؤسف جداً، تحاشي الرجال بعضهم لبعض، وهذه ظاهرة للأسف لا تجدها في باقي الجنسيات الأخرى- وخصوصا عند أشقائنا المصريين- والتي تتواصل مع بعضها وتتواصى، فبمجرد أن يلحظك الرجل السعودي هناك إلا ويشيح بوجهه عنك ويعبس، بالرغم أن معظمهم ممن يحمل علامات الاستقامة، وهم من يقتدي بالهدي النبوي ويبادئ في التحية والسلام والابتسام في مجتمعنا، بينما هناك ليشعر الإنسان مع ذلك النفور أن صاحبه مرتكب ذنباً أو متلبس بخطيئة.
من المشاهد التي سرّتني في تلك البلاد، انتشار الحجاب بين أخواتنا الماليزيات، وهن ينشّأن من صغرهن على ذلك، فقد رأيت فتيات المدارس الصغيرات وهنّ يرتدين الحجاب، فضلا عن فشوّ المظاهر الإسلامية وخصوصاً في المدن الداخلية والأرياف، فأنت تسمع الأذان والصلوات والمواعظ التي تعقبها، والحمد لله، دليلاً بيّنا وردّا قاطعاً لكل أولئك العلمانيين المتطرفين الذين يرون بأن التمسك بالدين والتزام شعائره هو عقبة كؤود نحو تطور المجتمعات ونمائها، فها هي ماليزيا التي تضرب الأنموذج الأروع لدولة إسلامية متقدمة، لم يمنعها تمسكها بالإسلام ورفع شعائره من أن تخطو نحو التنمية والحضارة وبناء الإنسان خطوات كبيرة، تخرس أصوات هذه الجوقة التي تنكّرت لأصولها، وهامت بهوى الغربي.
يبقى أننا استمتعنا جداً بمتابعة برنامج ( قرآن أكاديمي) وهو عبارة عن نسخة بديلة لبرنامج (ستار أكاديمي)، حيث تنتظم مئات الفتية والفتيات مسابقة قرآنية تقدم بطريقة شبابية، ويحكّمها بعض العلماء والقرّاء الذين يعلّقون على التلاوات ويصحّحونها، فيُطلب من المتسابق أو المتسابقة القراءة على طريقة ورش أو قالون أو حفص، في قاعة كبيرة تكتظ بما يزيد عن عشرة آلاف مشاهد، وترى الآباء والأمهات يبكون فرحا وهم يشاهدون فلذات أكبادهم الذين بذلوا في تعليمهم الكثير.
تذكّرت حينها سجالي مع الشيخ الحبيب سعيد بن ناصر الغامدي حول موضوع السينما، وطرحت وقتها بأنه من الضروري- بدلاً من لطم الخدود والنعي والمنع- تقديم البدائل بروحنا المحافظة وبصورة عصرية تتماشى مع ذائقة العصر، وها أنا أدعو مجدداً أقنيتنا الإسلامية ك(المجد) و(اقرأ) و(الرسالة) بتبني أمثال هذه المسابقات سواء أكانت في القرآن أو تفسيره أو حفظ الأحاديث، وغيرها مما يحفز اليافعين على الاستزادة والتمكن، فهم في هذه السن محتاجون إلى إشباع جوانبهم النفسية والعمرية، والإعلام خير من يفعل ذلك، فضلاً على أن الحماسة ستتقد في نفوسهم وتتجاوزهم إلى لداتهم، وليتكم رأيتم مثلي بكاء تلك الأم والأب وفخرهما بفلذة كبدهما، والكاميرا تصوِّر ساعاته اليومية في البيت والمدرسة، وتجرى حواراً مع أساتذة الفتى في مدرسته التي يدرس بها، ومع معلمه الذي قام بتحفيظه القرآن..
الأثر الذي ستتركه أمثال هذه البرنامج كبير جداً، إنْ على مستوى الفتية أو الآباء أو حتى المجتمع عموماً. والله أعلم.
http://www.almadinapress.com/index.aspx?Issueid=2315&pubid=5&CatID=267&sCatID=401&articleid=1009275