1. ذلك الحي الذي ينتزع من التاريخ صورا لم تبل مع تعاقب الجديدين .


2. كن رفيقا وارفع يديك لرب الحسين وادع لهم بالهداية .


3. لو كنت معك لدفعت عنك 125 قرشا قيمة العصير …


4. لعل طعم المانجو قد أعجبك ؟؟!!


5. انسوا ما قلت وعودوا معي .


6. عد عن ذا .


7. شاي سادة ، شاي بالنعناع ، شاي باللبن ، سحلب ، قرفة ، معسل !!


8. اوعى تنسى .

في رحاب الحسين
كتب المقال في الحرم الحسيني بالقاهرة ، قهوة الشيخ شعبان . الزمان : الثانية وعشر دقائق ليلا .
حديثي ليس عن شخص ذلك الصحابي الجليل رضي الله عنه ، ولكنه حديث عن حي الحسين في القاهرة المحروسة بأرض الكنانة .

ذلك الحي الذي ينتزع من التاريخ صورا لم تبل مع تعاقب الجديدين .

بخمسة جنيهات ينقلك التاكسي من النيل إلى الحسين ، في مدة لا تتجاوز العشر دقائق حسب الزحام لكنك تشعر بأنك ترجع مئة سنة إلى الوراء . فألق كل همومك من نافذة التاكسي ثم ادخل معي خالي الوفاض من كل هم إلى رحاب الحسين .
في هذا المكان مزيج عجيب من كل تناقض يخطر ببالك ، تختفي كل الفروقات وتذوب كل المعايير لتكون لك في النهاية حي الحسين .
هناك تجد الماضي والحاضر ، وتجد القديم والجديد ، وتجد الإيمان والكفر ، وتجد التوحيد والشرك ،وتجد الأخلاق والفسق ، وتجد السعادة والتعاسة وتجد الغنى والفقر ، وحتى تستشعر جمال هذا الحي أعط جميع مبادئك ومنطلقاتك ووجهات نظرك إجازة قصيرة ثم أدخل معي إلى رحاب الحسين .
سيقف بك التاكسي أمام الجامع الأزهر الشريف ، يقف شامخا رغم الحقد الأعمى الذي حظي به على مر السنين ، قف لحظات وابتهل إلى الله بدعاء حار لأولئك العلماء الذين كانوا مشعل العزة في قلوب الأمة وشوكة في حلق كل معتد وظالم يقولون له (إخسأ) فلن تعدو قدرك . ثم التفت يمينا وشمالا وترحم على الجميع فلن تر إلا أمواتا .
لاأريد أن أزيد في همك فقد نصحتك بأن تلقيه من نافذة التاكسي .
اتجه يمينا وانزل إلى النفق الذي يصل بين الأزهر وحي الحسين ويمر من تحت الشارع الرئيس .
ربما تصادف قارئا كفيفا ندى الصوت يخفق قلبك لتلاوته أعطه خمسين قرشا واحزن كثيرا فلم يعد القران يجاوز هذا الحد .
إذا صعدت من الجهة الأخرى من النفق سترى ساحة مليئة بالناس رجالا ونساءا كبارا وصغارا عربا وعجما هذه هي ساحة الحسين .خذ ذات اليمين وامش باتجاه المسجد الذي تراه أمامك الآن لتجد الباب المخصص للرجال ، اخلع حذاءك وأعطه البواب وخذ رقم الدرج المخصص لك ، ثم ادخل المسجد .
ها أنت في في مسجد الحسين الذي ملأ بذكره الدنيا ، وخفقت إليه قلوب الناس ، شوقا وحبا ، لهذا المسجد تاريخ طويل وزاد طوله تلك الأساطير التي نسجت حول الصحابي الجليل الذي سمي باسه زاعمين أنه في هذه التربة يرقد رأس الحسين بن علي ابن أبي طالب رضي الله عنهما ، وربما يكون اعتقادهم صحيحا لو كان الحسين يملك رأسين مثل بقية الناس !!!!!!
على كل حال لا تحاول أن تجادل أحدا فلن تجد آذانا صاغية بل ربما تجد شيئا صلبا يؤذي رأسك .
في زاوية المسجد بوابة يدخل منها الناس متلهفين ، إنها بوابة الحضرة الشريفة التي يرقد فيها ذلك الرأس الطاهر !!!
إذا دخلت الغرفة سيبهرك منظر الضريح بما فيه من زخارف وزينة وذهب وبلور ،ارجع إلى الوراء قليلا واتكأ على الجدار ثم تأمل ما يفعله الناس .

• أنا في عرضك ياسيدي .
• باحبيب الحبيب .
• عيانة ياسيدي عاوزة الشفا .
• عازبة ياسيدي عاوزة الراجل .
• مأطوعة ( مقطوعة ) ياسيدي عاوزة الخلف .
• مدد ياحسين .
• قبلات تنهال على القبر .
• دمعات تراق على الضريح .
• عقد تربط على الحلق .
• بكاء نشيج توسل تضرع أنين شكوى آهات صرخات .

إن كنت رقيق القلب فسوف تفلت منك دمعات حرى لما ترى من هؤلاء المساكين الذين يتعلقون بالأوهام ، لا تعجب إذا سمعت أن أحدهم باع (الجاموسة) التي يعيش منها هو وأولاده لكي يصل إلى التربة الطاهرة ؟؟ أو امرأة باعت (شبكتها) لترميها في القبر لا تستغرب أكثر من ذلك فليس لانحطاط عقل الإنسان حد إذا لم يحالفه التوفيق .
سمعت من أحد الخطباء كلمة أحسست أنها حفرت في قلبي ، في أحد الآثار الإلهية يقول المولى جل جلاله (أنا والجن والأنس في نبأ عظيم ؛ أخلق ويعبد سواي ، وأرزق ويشكر غيري ، خيري إلى العباد نازل وشرهم إلى صاعد ، أتودد إليهم بالنعم ويتبغضون إلي بالمعاصي ) .
كلمات إلهية ترسم لك هذا الواقع الذي تشاهده الآن في الحضرة الشريفة .
مساكين هؤلاء الناس حقا ، إياك أن تلعنهم ، ففي نفوسهم ظمأ لكنهم ضلوا المورد العذب ، فما وجدوا في صحراء التيه إلا موردا كدراغربا فوردوه ، وقد عز الدليل .
هيه أيها الرفيق ، ما بيننا وبينهم إلا قلبة من أصابع الرحمن .
أترانا ننافس الغرب في حضارته وبيننا من يؤمن بهذه الأفكار ، أم تراها من مكايده التي كاد بها الإسلام وأهله فأقنعهم أن النصر بيد الأولياء ، والحضارة والرقي بين جدران الترب .
كأن النبي صلى الله عليه وسلم ما شجت رباعيته وأدمي وجهه وجاع في الشعب ثلاث سنين .

كن رفيقا وارفع يديك لرب الحسين وادع لهم بالهداية .

يبدو أني أتبعتك !!؟؟، أنا آسف ، ولذلك أدعوك لتطفئ هذا اللهيب بالعصير الطازج ، أذا خرجت من الباب الذي دخلت منه ستجد لوحة أمامك مكتوب عليها (أشرب عصير زين واقرأ الفاتحة للحسين) نصيحتي أن تفعل الآولى وتذر الثانية لأني سمعت أنها بدعة .
قائمة العصائر أمامك عامرة لكني أنصحك بعصير المانجو فلم أذق في حياتي مثل هذا العصير الذي تجده في محال عصيرات الفواكه في القاهرة ولعل هذا ببركات الحسين ؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!

لو كنت معك لدفعت عنك 125 قرشا قيمة العصير …

لعل طعم المانجو قد أعجبك ؟؟!!

بإمكانك أن تأخذ جولة قصيرة في المحلات التي تراها الآن ماثلة أمامك : مصنوعات نحاسية ، تحف وهدايا من العاج ، قطع السجاد من الحرير الأصلي ، ونصيحتي أن تشاهد فقط دون أن تشتري لأن السعر هنا يضاعف عدة مرات لوجود كثير من السياح
عد مرة أخرى إلى الساحة التي دخلت منها للمسجد ثم انظر يمينا سترى مبنى كبيرا يتربع عرش الساحة ، هذا هو فندق الحسين وتحته مجموعة من المحلات كانت ولا تزال مهوى أفئدة الأدباء والفنانين ومحبيهم ، هذه مقاهي الحسين التي ملأت بذكرها الأفواه الشادية وبحبها القلوب العاشقة ، هذه المقاهي التي تطوف بها قلوب المحبين ، فيها يجد المتيم سلوته ، والحزين أنسه وبهجته .
وإذا كان هذا يقال في كل وقت ، ففي منتصف الليل لها مذاق خاص يختلف تماما عما تشاهد وتسمع في النهار، حين تهدأ جلبة الناس وتخف وطأة الزحام ويركن كل حبيب إلى حبيبه ،تنقلب هذه العوالم إلى دنيا مليئة بالحب والفن والمشاعر الفياضة بكل ما هو جميل ..
ما أجمل ليالي الحسين واقصرها ، وكذلك تكو ن ليالي الأنس فاتنات قصيرات ، لا تمحي ذكراها من نفسك ولا تسطيع نسيانها ، ليال تسكر فيها بلا كأس ولا قدح .
تشعر بأنك في عالم آخر غير عالم الناس الذي يعيشون فيه ، عالم ملئ بالعواطف والأشجان وذكريات الأحباب ، تختلط فيه الأصوات وتتمازج تمازجا عجيبا ، وتحلق روحك في عالم الأشجان حينما تلقي لك النسمات الحسينية صوت (الست) ينبعث من جهاز التسجيل فسبحان من يخرج الحي من الميت !!!! هذا الصوت الذي سافرت على متنه قصائد أشهر الشعراء إلى أنحاء الوطن العربي ، ما كان لها أن تشهر لولاه ، رائعة ناجي وشبابيات رامي وغراميات كامل الشناوي ، ولئن امتلأ قلبك غيضا من عفن الفن في هذا الزمن فربما يكون لك رأي آخر لو عاد بك العمر قليلا إلى تلك الأيام .
ياللي مارحمتش عينية لما كان ألبي ف إيديك
دارت الأيام عليك !!
امسك قلبك جيدا فربما تسمعها وهي تنفث شجنها برائعة ناجي
آآآآآآآآآآآه من قيدك أدمى معصمي ** لم أبقيه وما أبقى علي ..
صدقوني يا جماعة أن هذه خواطر لا إرادية تتقلب في الخيال حين تدخل عالم الحسين ، وسوف تجدون لي العذر لو زرتموه، رب أعوذ بك من زلة اللسان .

انسوا ما قلت وعودوا معي .

في وسط المبنى بجانب قهوة الشيخ شعبان مدخل صغير ربما لاتنتبه له دون تركيز يدخل بك إلى ممر يشق المقاهي والمطاعم ليدخل في عمق السوق الداخلي .
من أول خطوة تخطوها في هذا الممر سوف تملأ أنفك رائحة غريبة تختلط فيها روائح الماضي بالحاضر ، هذه الروائح المتخمرة من أكثر من ألف سنة هي في الحقيقة سمة بارزة لكل شوارع القاهرة التي صاحبت التاريخ ، واستعصت على أدواته التي يبلي بها المدن وساكنيها ، لم تجد الأيام أشد مراسا وتعلقا بالحياة من القاهرة فها هي في ريعان شبابها رغم مرور مئات السنين .
روائح الطعمية والشيبس والبدنقان-الباذنجان- والفول والفراخ المشوية والحمام المحشي والكفتة والكباب والشاي والقهوة والسحلب .
ومن أنفك إلى أذنك ، لولم أخبرك لتعرضت لصدمة نفسية لا تفيق منها حتى يشمموك حتة طعمية لكنك ستسمع الآتي :
يأأيها الذين أمنوا… ياواد يااسماعيل القهوة فين… أنساك دا كلام… اتنين طعمية لو سمحت… ودارت الأيام … وقال الذين الذين كفروا…إزيك ياجميل…عم حسن تلفون علشانك آآآآآآآآه من قيدك أدمى معصمي
والله العظيم ما أولتلوش حاجة والنبي ما انا طالعة واعمل اللي انت عاوزه... يافتاح ياعليم .. أيوة جاي...سامحتك سامحتك...فأما من أوتي كتابه …ياواد ياوسخ اختشي على دمك...اتفضل ياسعادة البيه...تشكر ياأمير...عندك واحد سحلب وصلحه...انت عمري.. غمر الكون بأنوار النبوة …ابعت يامعلم...حاسيبك للزمن....من أجل عينيك عشقت الهوى .
مزيج عجيب من الأصوات ما كان ليجد هذا الانسجام لو لم يكن في الحرم الحسيني .
على يسارك ستجد محل أبو النور للأشرطة السمعية ، تقدم قليلا وانظر إلى العرض الذي فوق مسجل المحل : شريط المنشاوي ، ثم نجوى فؤاد ، ثم عديلة الرقاصة ثم عبدالباسط عبدالصمد …؟؟؟!!!، ألم أقل لك إنه مزيج عجيب .

عد عن ذا .

تقدم مع هذا الممر ، في نهايته ستوقفك القهوة التي هادنت الزمن فغفل عنها (قهوة الفيشاوى) ، مر عليها قرنان من الزمن فاختبأت عنهما في هذا الممر الضيق فنجت من عواديهما التي تذر الديار بلاقع ينعق فوقها البوم .
في هذه القهوة اجتمع أشهر الأدباء الذين جاد بهم التاريخ الحديث وبجولة داخلية فيها ستجد صورهم معلقة في كل مكان .
فيها لا تشعر أنك في مقهى بل كأنك في ضيافة رجل كريم ، بمجرد أن تتوق نفسك لشراب تجد النادل أمامك :
أوامر يا سعادة البيه
وش عندكم ؟
عندنا كل حاجة يابيه
طيب وش اللي كل حاجة!!

شاي سادة ، شاي بالنعناع ، شاي باللبن ، سحلب ، قرفة ، معسل !!

لو طلبت نصيحتي لقلت لك اطلب سحلب (3 جنيه) ولكنك لم تطلبها ولذلك لن أنصحك
ربما يكون اسم السحلب غريبا بعض الشئ ، فلا توجد أي علاقة بينه وبين مكوناته ، هاهو أمامي الآن ( حليب ، جوز هند ، زبيب ، مكسرات ) فقط ، فما معنى سحلب ، ثم لماذا تسحلب ، في الحقيقة لا أدري ، لكني أثق أنه سيعجبك كما أعجبني .
أهلا يا سعادة البيه
هلا بك .
لا مؤاخذه حضرتك بتكتب شعر ؟؟
لا !!
بتذاكر
لا !!
طيب بتكتب إيه ؟؟
عفوا أنا أزعجتك !!
لا أبدا والله ولا إزعاج ولا حاجة بس بصارحة شكلك عاجبني بتكتب كلمتين وتسرح كلمتين وتسرح ، ياما نفسي أكون شاعر .
ليه ؟
حاقولك أنا لما كنت صغير كنت أحب....
عفوا ، ياأستاذ ......؟
سعيد اسمي سعيد .
استاذ سعيد ، بصراحة أحس أني بحاجة أكون لوحدي شوية ، إذا ممكن تعطيني فرصة أكون شاكر ومقدر .
والله العظيم- شاعر ، زي ماافتكرت ، هاهاهاهاهاهاها ، كفشتك ياحلو ، بتخبي عني ، دا أنا حبيبك .
اللي تبغى شاعر مشعور مشروع كلها سوى .
حاسيبك ، بس أوعى تكون زعلان مني أحسن أزعل منك هاهاهاهاهاهاي حلوة.
خفيف دم .
كلك ذوق عارف ياسعادة البيه .........
سعيد !!!!!؟؟؟؟؟؟؟
خلاص خلاص أنا آسف هي الناس ماعادتش بتضحك ليه ، تشرب حاجة يابيه .
لا شكرا .
على حسابي .
.
خلاص فهمتك بس أما تخلص أريني –قريني- الشعر اللي أنت كتبته .
طيب .

اوعى تنسى .

.
هذا الحديث اللي يورث اختلالا في المخيخ دار بيني وبين جرسون قهوة الشيخ شعبان وأنا أكتب هذه الحلقة حتى كدت أدع الكتابة وأذهب للشقة ، وهم في الحقيقة ماكرون ماهرون في اقتناص جيوب الزبائن ، بالكلمة الحلوة والنكتة الخفيفة يحصل على ما يريد ، وعلى كثرة ما ترددت على تلك المقاهي لم ألحظ ثقيلا منهم ، لا تتوقع أنهم منتقون بعناية بل هي طبيعة ذلك الشعب الذي يطلق النكتة كما يتنفس الهواء .
أعود للفيشاوي : إسأل عن إسماعيل ، سيقف امامك شاب طويل عريض المنكبين لا تفارق البسمة شفتيه ، تلمح الطيبة في قسمات وجهه ، إن وجدته أبلغه سلامي
انتهى