- الصالحيةُ جنةٌٌ ###### و الصالحونَ بها أقاموا
- فعلى الديارِ و أهلِها ###### مني التحيةُ و السلام
- (( فمن تبعني فإنه مني و من عصاني فإنك غفور رحيم ))
- اللهم آمين
صالحيةُ دمشق التي أحببتها في الله !
الصالحيةُ جنةٌٌ ###### و الصالحونَ بها أقاموا
فعلى الديارِ و أهلِها ###### مني التحيةُ و السلام
في بداية شهر أكتوبر و هو العاشر من عام 2004 ميلادي زرت محبوبتي دمشق العامرة حرسها الله تعالى و كانت زيارتي هذه قد خصصتها لدمشق فقط و بشكل أدق لدمشق القديمة فقط و فقط طفت بها و سوحت في مبانيها و آثارها و أوابدها التاريخية الخالدة في سجل المجد ...
و قد خصصتُ أحد الليالي المباركة هناك لزيارة حي الصالحية القديم و التمتع بمنظره الليلي و أسواقه الرائعة فمررت على المدرسة العمرية و جامع محي الدين بن عربي!! و الجوامع الموجودة هناك و المباني الجميلة المبثوثة في كل شارع و سكة و كأن التاريخ اختصر نفسه في هذا الحي العزيز على قلبي ...
و كنت في قراءتي عن تاريخ دمشق أبحث عن قصة انتقال آل قدامة الحنابلة إلى هذا الحي الذي أسسوه و اسمحوا لي أيها الأخوة و الأخوات بأن آخذكم في جولة قصيرة لقصة هذا الحي التي كلما قرأتها ذرفت الدمع من عيني و لهج لساني بالدعاء لهذا الحي من الصالحين ...
و الآن نبدأ باسم الله
حي الصالحية بدمشق أثر مبارك من آثار المهاجرين الذين تركوا ديارهم في فلسطين فرارا بدينهم من اعتداءات الصليبيين
تبدأ قصة هذا الحي في عام 550 هجري الموافق 1155 ميلادي فبعد احتلال الصليبيين لبيت المقدس عام 492 هجري .... وزعت الضياع و المدن الفلسطينية على الأمراء الصليبيين الأوربيين الغازين
و كان من نصيب إقطاعية جبل نابلس حاكما فرنسيا ظالما غشوما يدعى الطاغية ابن بارزان فسام أهل هذه الديار المباركة الخسف و التنكيل و الظلم.
و كان في قرية جماعيل القريبة من نابلس رجلا من رجالات الإسلام علما و فضلا و زهدا اسمه أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى.
و كان هذا العالم الجليل قد نذر نفسه لله تعالى في نصح الناس و إرشادهم و تعليمهم و جعل من بيته مدرسة تعج بالطلبة و المتعلمين و كان الناس يفدون إلى هذا العالم من القرى و الضياع القريبة و البعيدة ..
و هكذا كان للشيخ جهاد تعليمي أغاظ هذا الحاكم الغشوم ...
و ذات يوم جاء رجل من النصارى يدعى ابن تسير و هو كاتب عند هذا الحاكم الظالم و كان الرجل يحب المسلمين فجاء إلى الشيخ و أخبره بنية هذا الحاكم في قتل الشيخ و القضاء على دعوته المباركة
عند ذلك وجد الشيخ نفسه في موقف لا يمكن من خلاله من إظهار دينه فقرر الشيخ عندها الهجرة من بلده سرا كما فعل الصحابة الكرام رضي الله عنهم و أرضاهم في هجرتهم إلى الحبشة
و في عام 551 رحل الشيخ ابن قدامة سرا و معه ثلاثة من أهله قاصدين مدينة دمشق العامرة و بعد مشقة و اختباء وصل الثلاثة لدمشق و نزلوا في مسجد أبي صالح خارج الباب الشرقي و كانوا بضيافة بني الحنبلي
لم يهدأ بال الشيخ رحمه الله حتى أرسل إلى أهله و أولاده في جماعيل رسالة يدعوهم فيها إلى الهجرة و كان مما كتبه لهم :
(( فمن تبعني فإنه مني و من عصاني فإنك غفور رحيم ))
فاستجابوا له و هاجر أولاده أبو عمر محمد صاحب المدرسة العمرية و وولده الموفق عبدالله صاحب كتاب المغني و هي موسوعة فقهية حنبلية و ابنه عبيد الله و بناته رقية و فاطمة و آمنة و رابعة و أمهم و أصهاره و حفدته حتى بلغوا 35 نفسا
خرج القوم ليلا و قد مر عليهم في طريقهم شدائد و محن إذ علم بهم الصليبيون فبعثو ا الجند خلفهم يفتشون عنهم و نصبوا لهم كمينا على الطريق على نهر الشريعة فكانوا يمشون في الليل و يختبئون في النهار و لم يكن لديهم من المال إلا القليل و كانوا يسيرون على أقدامهم مع نسائهم و يحملون أطفالهم الصغار و متاعهم
و كان من وصف حالهم يدل على عناية الله تعالى بهم و رحمته فيهم فكان صغارهم يمشون بلا دليل كذهابهم إلى بيوتهم لا يبالون بتعب و لا جوع و خوف...
و في الطريق نزلوا بجماعة من الأعراب فأكرموهم لما علموا بحالهم ثم رأوا قافلة خارجة إلى الشام فأحبوا أن يصحبوها فمنعهم شيخ العرب و قال لا تمشون حتى نذبح لكم و نضيفكم عندنا ففاتتهم القافلة و حزنوا عليها كثيرا ...
و في الصباح مشى القوم إلى الشام و تاهوا في طريقهم فزاد ذلك ألمهم .... و لكنهم علموا بعد ذلك أن القافلة السابقة قد ضبطها الصليبيون و قتلوا من فيها و كان على طريق السفر لصوص و قطاع طرق فكان ضياعهم عن الطريق رحمة من الله لهم !!
الله أكبر ما أعظم لطف الله بالعالمين
و بعد وصول القوم إلى الشام نزلوا في مسجد أبي صالح المذكور و التحقوا بأبيهم الشيخ الجليل رحمه الله تعالى
و توافد الناس بعد ذلك من قرى و ضياع فلسطين مهاجرين و مقتدين بشيخهم و معلمهم و مكثوا في هذا المكان أربع سنوات و واجههتهم هناك مشكلتين كبيرتين :
الأولى و هي وخامة المكان الذي نزلوا إذ كانت بيوتهم قريبة من مستنقع آسن يكثر فيه البعوض مما سبب لهم و لأولادهم أمراضا كثيرة مات على إثرها 28 نفسا من المهاجرين ...
و الثانية تغير نفوس بني الحنبلي بعد أن كثر الوافدون و خشوا من انتقال الوصاية على أوقاف الحنابلة من أيديهم إلى آل قدامة المهاجرين
و بلغت هذه المشكلة إلى مسامع الملك الشهيد نور الدين محمود رحمه الله تعالى و كان عنده القاضي ابن أبي عصرون رحمه الله فأثنى على آل قدامة كثيرا عند السلطان و عظم شأنهم و قال له إن هؤلاء مهاجرون صالحون تجب مساعدتهم فأمر نور الدين بنزع الوقف من بني الحنبلي و تسليمه إلى بني قدامة
و لكن الشيخ أحمد تألم لهذا القرار و قال :لم أهاجر من بلادي لأنافس الناس على دنياهم و لا يمكنني أن أقيم في هذا المسجد أبدا، ما بقيت أسكن ههنا .
فذهب الشيخ يطلب مكانا آخر له و لأهله ينتقل إليه و كان ممن أحب الشيخ رجل صالح يدعى أحمد الكهفي يملك في سفح قاسيون ديرا فعرضه على الشيخ لما علم أن الشيخ يبحث على مكان يسكنه و أهله
فسار الشيخ مع الرجل ليشاهد المكان الجديد فأعجبه على بعدِهِ عن دمشق إضافةً إلى وحشتِهِ لخلوهِ من السكان و وجوده في منطقة مهجورة يألفها اللصوص و قطاع الطرق
فقرر الشيخ أن يتديرها و لا يكون سببا في إيذاء أحد!
و عند ذلك نزل الشيخ رحمه الله إلى نهر يزيد فتوضأ منه و جعل على ضفته حجرا وضعه جهة القبلة و صلى هناك و قال : ما هذا إلا موضع مبارك و كان ذلك سنة 555 هجري
و بنى القوم بأيديهم ثلاثة بيوت أولا سكنها الشيخ أحمد نفسه و ابنه أبو عمر و الفقيه محمد ثم بنوا بيتا رابعا للموفق
وكانوا يحرسون بيوتهم في الليل خشية الوحوش و تحسبا من اللصوص الذين كانوا يتربصون الأطفال فيخطفونهم و يبيعونهم للفرنج!
ثم أخذت الدور تتكاثر من حول هذه البيوت الأولى ثم ازداد نشاطهم في تشييد الدور و الحوانيت بعد توالي الهجرات من فلسطين فتتابع العمران و كثر السكان من العلماء و الزهاد و العامة و اتسعت معها شهرة بني قدامة و ذاع صيت الشيخ أحمد فأخذ الناس من أهل دمشق يفدون إليه و يزورونه و يهدونه الهدايا و كان السلطان نور الدين من بين زوار الشيخ المجاهد يقصده بين الفينة و الأخرى
و سميت هذه الضاحية الجديدة باسم الصالحية نسبة إلى صلاح القوم الذين أسسوها و تقواهم
و سئل الشيخ أبو عمر عن سبب هذه التسمية فقال إنما نسبونا إلى مسجد أبي صالح لا أننا صالحون و قال العارفون إنما كان ذلك منه تواضعا و تورية و دفعا للعجب عن نفسه و أهله
رحم الله آل قدامة رحمة واسعة و غفر الله لنا و لهم و رحمنا و إياهم رحمة واسعة
اللهم آمين
و من الآثار التي تركها القوم إضافة إلى علومهم التي ينهل منها المسلمون إلى يومنا هذا فقد تركوا لنا أثرين عظيمين أولهما المدرسة العمرية المنسوبة إلى أبو عمر المقدسي ابن الشيخ المهاجر أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي العمري و قد زرتها في سفح قاسيون و هي الآن مدرسة مهجورة تحتاج إلى عناية و التفات من أهل الخير و قد رغبت يوما في مخاطبة وزير الأوقاف السعودي على اعتبار أن الدولة السعودية أعزها الله بالإسلام هي وارثة المذهب الحنبلي و ناشرة لوائه و لكني تركت ذلك مع العلم أن كل ملة اليوم تسعى للاهتمام بآثارها و أوابدها التاريخية
و الثاني و هو الجامع المشهور بالمظفري نسبة للمظفر زوج أخت صلاح الدين و يسمى أيضا بجامع الحنابلة أو الجامع الصالحي ثلاث اسماء لجامع واحد وهو مسجد صغير شبيه في مخططه بالجامع الكبير، أبعاده 25×37م ويمتاز بمنبره القديم.
و سلامتكم و اعتذر عن الإطالة
استفدت مادة هذه القصة من كتاب رائع بعنوان :جامع الحنابلة (المظفري) بصالحية جبل قاسيون
منارة النهضة العلمية للمقادسة بدمشق
تأليف
د.محمد مطيع الحافظ
نشر
دار البشائر الإسلامية - بيروت
ليتك اطلت فلقد استمتعت ايما متعه
لعلنا نزوره ان شاء المولى عز وجل
ذكرتني بمسلسل الصالحيه فقد تابعته بشغف
هل هو هو
تحياتي