بحث متأخر عن أطلال مدينة:
ثعبات..مدينةالسوروالقصور والأبواب الثمانية
ياسين التميمي
مدينة ثعبات، موقع متميز يطل على مدينة تعز من جهتها الجنوبية الشرقية على السفح الشمالي لجبل العروس ذروة جبل صبر،
كانت ولا تزال بموقعها متنزه تعز الأجمل، والدرة المعمارية للدولة الرسولية، أكثر الدول اليمنية الإسلامية نضجاً وتحضراً وتنظيماً.
لم يعد يذكرنا بثعبات اليوم سوى محطة البث الإذاعية والتلفزيونية التابعة للمؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون، ومبنى متواضع للغاية تصدح من الاستوديو الوحيد فيه والأشد تواضعاً إذاعةُ تعز المحلية.
مدينة قصور ملكية عندما اتخذ الرسوليون مدينة تعز قاعدة ملكهم،في القرن الثالث عشر الميلادي،
قُدّر لهذه المدينة أن تشهد ازدهاراً شاملاً انعكس على الجانب العمراني وعلى عدد السكان، تولدت معه الحاجة إلى أن تتوسع المدينة لتقيم أحياء في محيطها فكانت عدينة، والجحملية، وثعبات.
وهذه الأخيرة تميزت عن غيرها من الأحياء الرسولية بوظيفتها كمتنزه وكمدينة قصور ملكية فاخرة استهوت الشعراء وأدهشت الرحالة واحتلت موقعاً أثيراً في قلوب ملوك الدولة الرسولية.
تهيأ هذا الحي الفريد في موقعه ومناخه كمدينة قصور ملكية على يد الملك علي بن داود بن يوسف المعروف بالمجاهد الرسولي في النصف الأول من القرن الرابع عشر الميلادي.
شيد فيها هذا الملك “ المساكن العجيبة والقصور الغريبة” ، و” المخترعات الفائقة والبساتين الرائعة”، كما يقول المؤرخ الخزرجي في كتابه العسجد، وضمت المدينة أيضاً مدارس ومساجد.
ووفقاً للمؤرخ نفسه فقد أقيم حول القصور الملكية والبساتين الملحقة بها سور من ثمانية أبوابة، منها: باب ثعبات وباب تعز وباب الجند، وجميعها محروسة وتعد معاقل حصينة لأمن الملوك دائماً”.
وأكثر ما أثار اهتمام الرحالة وأبهر الشعراء قصر المعقلي الذي بناه السلطان المؤيد الرسولي، بأوصاف قيل إنها تتطابق مع أوصاف قصر الحمراء في غرناطة بالأندلس.
وبحسب المؤرخين فقد كان للقصر بركة تطل من على حافتها تماثيلٌ تقذف بالماء من أفواهها، وكان فيه شاذروان،
وكان في القصر مجلس بسقفين مذهبين بغير أعمدة وأربعة مناظر وأربعة رواشين ومبان وملاحق أخرى.
نيبور.. الشاهد الأخير كانت ثعبات محط اهتمام الرحالة الغربيين في العصر الحديث، فقد ذكرها الرحالة الألماني كريستيان نيبور الذي قاد بعثة دنماركية استكشافية لجزيرة العرب في القرن الثامن عشر الميلادي أثناء مروره بتعز عام 1763م. وخصها برسم توضيحي ضمن مدينة تعز،
وقال: إنها “ تقع على بعد نصف ميل تقريباً جنوبي شرق تعز على جبل صبر ولا تزال تشاهد”، وتحدث عن سورها وعن “ مسجد كبير فيها لم تبق منه سوى قبة صغيرة” .
ومن المؤسف أن بقايا ثعبات التي حظي الرحالة نيبور بمشاهدتها قبل نحو قرنين ونصف، كشاهد أخير، لم تعد موجودة اليوم، فقد تحولت إلى أطلال غير مرئية ومساكن تتماهى مع غيرها من المساكن القروية المحيطة بها والمنبثة على سفح صبر الموادم.
ثعبات كانت محطة تأمل جميلة لكاتب هذه السطور والزميل العزيز عبد الملك الجرموزي محرر ملحق »يمن سياحي« بصحيفة الجمهورية الصادرة بمدينة تعز، أوائل الشهر الحالي، كنا نتساءل عما تبقى من مجد هذا المكان، وكيف يصبح بعد أن تسودت بذكرى أمجاده صفحات كتب التاريخ مهملاً بل ومنسياً؟!!.
ثعبات والسلطة المحلية ومع تقديري أن المدينة المتنزه ثعبات، جديرة بأن تُدرس وبأن تجري معاينتها من قبل خبراء الآثار والمختصين بالعمارة اليمنية، لتتبع ملامحها التي ورد ذكرها في المصادر التاريخية والمراجع الحديثة، فإن تلك مهمة ستظل تتزاحم مع مهام تنتظر المعنيين بالآثار والمدن التاريخية اليمنية وهي كثيرة تفوق بكثير إمكانيات المعنيين في ظل بقاء الكنز التاريخي لليمن على هامش الاهتمام الرسمي.
ولكن يبقى الأمل معلقاً على السلطة المحلية، في أن تلفت إلى هذه المدينة المدفونة، قبل أن يفرض منطق التوسع الطبيعي لمدينة تعز اليوم قانونه على ثعبات،
يصعبه معه إجراء أي أعمل حفر وتنقيب عن بقايا المدينة التي إن وجدت فإنها ستشكل قيمة إضافية لمدينة تعز
إلى جانب قلعة القاهرة التي حظيت باهتمام السلطة المحلية وتتحول إلى مزار سياحي وإن بمقاربة ليست دقيقة لملامح القلعة القديمة.