- رائد الخطيب
رائد الخطيب
زاد نزول المعتصمين الى الشارع من منسوب الخسائر اللاحقة بالقطاع التجاري، وهو الذي ابتدأت خساراته منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط (فبراير) 2005، وصولاً الى الشلل العام لجميع القطاعات الإنتاجية، الذي حدث إبان العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان.
وتعتبر سوق جونية ومنطقة كسروان الفتوح، من الأسواق التجارية الواعدة والناجحة في آن، إلا أنها لا تختلف عن مثيلاتها، إذ تخيم الأزمة السياسية على حركتها، فيما الوقت يقول عكس ذلك، إذ أن كانون الأول (ديسمبر)، هو شهر أهم المواسم بالنسبة لهذه السوق، بفعل عيدي الميلاد ورأس السنة، وعليه فإن مستوى الحركة التجارية يجب أن يشكل ما نسبته 35% من مجمل الحركة خلال السنة، إلا أن الرياح السياسية تجري بما لا تشتهيه السفن التجارية، فالجمود والركود يسيطران على هذه السوق، على الرغم من تحركها خلال اليومين الماضيين بفعل الحوافز والتسهيلات، التي يقدمها التجار للمستهلك، إلا أن غياب السياح العرب والأجانب في مثل هذا الوقت عن جونية وأسواقها، يعد ضربة قوية، ففي العام 2005 دخل لبنان نحو 1.2 مليون سائح، وكان متوقعاً أن يصل عددهم الى نحو 1.6 مليون سائح العام الجاري، إلا أن العدد لن يقفز فوق المليون.
وتواجه الأسواق التجارية عموماً بما فيها أسواق جونية وكسروان الفتوح، التي تضم نحو 2250 مؤسسة تجارية، يستفيد منها نحو 35 ألف عامل وموظف، أزمة قابلة للانفجار إجتماعياً وإقتصادياً، لو بقي الحوار في الشارع دون العودة الى طاولة التشاور، وهو ما يخشاه تجار هذه المنطقة، إذ أن فترة الأعياد هي المحطة ما قبل الأخيرة، بالنسبة لإقفال جزء كبير من هذه المؤسسات، ومعها صرف مئات العمال والموظفين، وإمكان هروب الرساميل وهجرة الخبرات الى الخارج، وهو ما يؤشر الى أنه إذا كان للإعتصام في وسط بيروت وللخلافات السياسية القائمة من مردود، فحكماً هو على حساب لقمة المؤسسات التجارية والعائلات المستفيدة منها.
وإذا كان تحذير الهيئات الإقتصادية من مخاطر النزول الى الشارع ومن قبلها جمعية تجار جونية وكسروان الفتوح، فإنهم يأملون مع إنسداد الأفق السياسي حتى اللحظة وغياب الفرقاء السياسيين "عن السمع"، أن يأتي "بابا نويل" هذه السنة بطاولة تعيدهم الى الحوار وإنقاذ الوضع الإقتصادي من محنته، مع ارتفاع الانكماش الإقتصادي الى نحو 5%، وتراجع الإنفاق الإستهلاكي بنسبة 7% حتى آب (أغسطس) الماضي بالمقارنة مع الفترة ذاتها من العام 2005، ويتوقع إزدياده مع استمرار الأزمة.
وعملياً سعى تجار جونية وكسروان، الى "لملمة أنفاسهم" مع تسارع الأزمة، فانتهزوا فرصة موسم الأعياد، وقد شرعوا منذ أسبوعين بإقامة مهرجان تسويقي بالإتفاق مع بلدية جونية، يمتد حتى عيد الميلاد عند الطائفة الأرمنية في 7 كانون الثاني (يناير) المقبل، ويتضمن برامج فنية وموسيقية لتشجيع المتسوقين وترغيب المستهلكين من خلال حسومات وحوافز تصل الى 50%، فضلاً عن تزيين الأسواق بشجر الزينة والميلاد، وإنارات متنوعة ومختلفة لجذب المتسوقين العرب، كما يقول هؤلاء التجار.
وفي سياق التأثيرات السياسية المتلاحقة على حركة الأسواق والإقتصاد عموماً، يعتبر رئيس جمعية تجار جونية وكسروان الفتوح جاك حكيّم، أن الوضع الإقتصادي مرتبط كلياً بالوضع السياسي، ويقول "لقد أثر هذا الوضع السيئ في القطاعات الإنتاجية كافة في البلد، فضلاً عن الأضرار المباشرة وغير المباشرة التي لحقت بالأسواق، ومنها سوق هذه المنطقة والتي تشكل نحو 30% من حركة الأسواق في لبنان، فالوضع الإقتصادي مصاب بجمود كلي".
ويوضح أن هبوط حركة الأسواق بدأ مع استشهاد الرئيس الحريري، ويسأل "لماذا عند بداية كل موسم تكون هناك أزمة، فهل المطلوب ضرب هذا القطاع التجاري؟"، ويعتبر أن استشهاد وزير الصناعة بيار الجميّل وما أعقب عملية اغتياله من تشنج سياسي، قد أثر كثيراً في النشاط الإقتصادي والتجاري في البلد.
ويشير الى وعد السياسيين على طاولة الحوار الى تهدئة الخطاب السياسي، إلا أن الذي حدث تحول هذه التهدئة الى خطاب بالمدفع، ومعه نزف الإقتصاد الوطني نحو ملياري دولار.
ويلفت الى أن تجار جونية وكسروان، تضرروا مباشرة بفعل ضرب الجسور ولم يعوضوا، وهم بصدد المطالبة بحقهم في التعويض، وكذلك تضرروا أضراراً غير مباشرة بفعل الوضع السياسي القائم اليوم.
ويؤكد حكيّم أنه "في حال استمرار الأزمة السياسية، فإن الوضع الإقتصادي مهدد بالإنهيار، مع إمكان إلغاء مؤتمر باريس 3 وفي ظل الاستحقاقات المالية المتوجبة على الدولة في 2007، بما لا يقل عن 7 مليارات دولار، وعليه فإن وضعنا كتجار سيؤدي عملياً الى إفلاسات بالجملة وصرف عمال وموظفين"، محمّلاً السياسيين من الأطياف كافة، مسؤولية تدهور الأوضاع الإقتصادية.
وإذ أسف حكيّم لعدم الإستجابة للمساعدات والمبادرات العربية والأجنبية تجاه الدولة والشعب اللبناني، طالب السياسيين "بتأمين الوصول الى شاطئ الأمان، وعدم إغراق هذه السفينة كاملة بمن فيها".
أما الرئيس السابق للجمعية وصاحب مؤسسة أحذية عيراني سامي عيراني، فأكد أن الركود الذي تشهده أسواق المنطقة لم تشهد مثيلاً له من قبل، وقال "إن المستهلكين لا يقبلون على الشراء بفعل الخوف من تفاقم الأزمة"، مضيفاً "أن الحسومات الكبيرة هدفها الحد من الخسارات من خلال تصريف مخزون البضائع".
وأشار الى أن الخسارة من جراء الأزمة هي بملايين الدولارات يومياً، وقد بدأت ملامح الأزمة على صغار ومتوسطي التجار، بسبب تعثرهم في سداد ديونهم الى المصارف، وأوضح أن عدم العودة الى الحوار سيؤدي الى إفلاسات بالجملة
منقول من جريدة المستقبل اللبنانية
بالتوفيق الدائم للجميع ......