- السبت 07-08-2004
- فقلت: ألا تشعرين بالوحدة...؟!
- سألتني: كم سوف تجلس في هلسنكي...؟
- فقلت: بإذن الله أنا مسافر غدا إلى ستوكهولم " السويد"....
السبت 07-08-2004
اليوم قررت أن اخرج وابتعد عن الحضارة واقترب قدر المستطاع الى الطبيعة، فلطالما تمنيت أن أعيش في كوخ صغير على حافة نهر في غابة كثيفة بعيدا عن جميع انواع الحضارة.
مركز خدمات السواح اخبرني أن هناك منتزه وطني أو بالأحرى محمية طبيعية، للوصول اليها يجب أن اركب القطار الى محطة او مدينة اسبو( ) ومن ثم باص رقم 85 أ. ذهبت إلى مكتب التذاكر وقصصت التذاكر وكان مسجل بها الوقت حوالي 15:42 فتوقعت أنه موعد رحلة القطار. طبعا مدة الرحلة حوالي 20 دقيقة ذهبت وتجولت في المدينة وانا مستاء من فترة الانتظار وعدت في الوقت وسألت عن القطار الذاهب إلى ايسبو ( ) فقيل لي هناك ولكني لاحظت أن القطار لم يتحرك الا حوالي 15:54 ولما جاء مدقق التذاكر وقال تذكرتك منتهية فقلت كيف ذلك...؟ ويالي من فاغر اذ كانت نهاية صلاحية التذاكر الساعة 15:42 أي 90 دقيقة ثم اضطررت أن اشتري تذكرة أخرى ب 3,40 يورو، وفعلا في حوالي 16:10 وصلت الى ايسبو ( ) ثم بحثت عن الباص رقم 85أ وبعد جهد وجدت منصة الإنطلاق ولكن لسوء الحظ اضطررت أن انتظر الرحلة القادمة والتي هي بعد حوالي 45 دقيقة, ذهبت إلى السوبر ماركت ووجدت على المدخل بائعة خضار فأعجبتني الفراولة وقررت شراء نصف لتر الطريف هنا أن الخضار والفواكه تباع بوحدة الحجم وليس بالوزن فالمكيال الرسمي هو اللتر ونصف لتر بحوالي 1،75 يورو جلست اعزي نفسي بالفراولة حتى وصل الباص سألته أهذا هو الباص الذي يؤدي الى المنتزه الوطني فقال وصلت فقطعت تذكرة بقيمة 2.00 يورو لمدة 90 دقيقة, وأعطاني مع التذكرة منشور يتكلم عن المنتزه، امتدت بنا الرحلة حوالي نصف ساعة عبر طريق زراعي يخترق الغابات الكثيفة الغاية في الروعة والجمال على طول الطريق لا يوجد معالم للحياة , بدأت أشعر بالخوف من النزول في هذه المنطقة لوحدي, أنى لي ان ارجع، حتى موقف الباصات غير واضح المعالم، ولكنني قررت أن استمر إلى مرادي, لم يبق في الباص الا أنا....
وقف الباص وأشار إلي أن امشي مع خط ترابي فرعي على يسار الطريق العام وأخبرني أن المنتزه يبعد حوالي 2000 متر ثم أعطاني مطوية وقال إذا ما اردت الرجوع ففي هذه الورقة مواعيد الباصات ، فإذا بين كل رحلة وأخرى حوالي الساعتين....
مشيت على الطريق الترابي، ولا ادري إلى اين انا اسير فلم ار أي لوحة ، وبينما أنا اسير سمعت صوت خرير الماء على يمين الطريق، فتوجهت تلقاء الصوت فإذا به جدول صغير تتزحلق خلاله المياه الى اسفل التل، جلست اراقب المياه وهي تنساب برقة لتتحفني بمعزوفة رائعة، نظرت إلى اعلى التل فإذا بي ارى كوخ خشبي صغير كتلك التي كنت اشاهدها في افلام الكرتون، وكنا نحسبها رمزا من رموز الخيال...
رجعت إلى طريقي وتابعت السير بخطى حثيثة وأنا في سباق مع الزمن لعلي اصل المنتزه قبل ان يدركني الظلام، وبعد بضع مئات من الامتار رأيت طريق خشبي على يمين الطريق يخترق الغابة فقلت لعله هو، ومشيت، مع الطريق الذي يخترق ادغال الغابة وبعد ان مشيت حوالي 1200 متر اكتشفت أنني امشي في الاتجاه المعاكس، فرجعت ادراجي وتبعت الاسهم، وكلما تناقصت المسافة كانت ابتسامتي تتسع, الشيْ الوحيد الذي أساء معالمتي هو الباعوض: الاف الباعوض المتعطش للدم يطاردني خصوصا انه لم ير نوعية دمي العربي من قبل، تتوالى البواعيض وتلتصق ببشرتي وأنا امشي، أهشها فلا تنهش، إلى أن اضربها بيدي ولا تتحرك الا صريعة، ولما يئست من القتال جلست احاول تصويرها وهي تغرز خرطومها في بشرتي إلى ان يصل الى الوريد، أما الذين لم يجدوا طريقا للبشرة يصطفون انتظاراً للفرصة والبعض الاخر يخترق بخرطومه القميص ليرتوي من دمي الذي ربما لن ينال هذه الفرصة بعد اليوم.
أخيرا وصلت الى المنطقة التي لا يسمح بدخول السيارات ولا الدراجات إليها, الشخص يستطيع أن يدخل بخيمته فحسب, طبعا الناس تأتي هنا وتمكث حتى اليوم الثاني, نظرت إلى الساعة فإذا بها تشير الى 8:30 م، إذ يجب أن اعود بسرعة قبل أن يحل علي الظلام.... تجولت قليلا يوجد عند المدخل بحيرة كبيرة وهناك مركز معلومات ولكنه مغلق, كم تمنيت أن تكون خيمتي وكيس النوم بصحبتي، ولكن إن شاء الله في المستقبل الواعد، طبعا عدت بعد ذلك على طريقي مشيا على الاقدام حتى وصلت الطريق العام...
حينما وصلت موقف الباصات وجدت سيدة عجوز رثة الملابس جالسة وامامها سطلين بلاستيكيين، ما ان اابصرتني حتى سألتني كم اللساعة فأخبرتها... ثم تجاذبنا اطراف الحديث،وسألتها عن موقف الباص المتجه إلى ايسبو فقالت: هو كذلك، ثم قربت مني السطل الاول وقالت انظر هذا بعض التوت البري الذي جمعته بيدي هاتين، نظرت إلى يديها فوجدتها ملطخة بلون التوت الاحمر الداكن، وقالت هكذا احب الحياة، أحب الحياة القريبة من الطبيعة ففي الطبيعة أحس انني اقرب إلى نفسي وإلى ذاتي، فلم أعد أحب حياة المدينة فكل شيءبها مصطنع، ثم قربت إلى السطل وقالت خذ كل من التوت، فأكلت قليلا ، فنظرت الى ما اكلت وقالت ليس هكذا خذ اكثر وكل ما شئت...بعد ذلك فتحت السطل الثاني وأخرجت منه قطعة من الصوف مصنوعة يدويا، وقالت انظر هذه عملتها بيدي لأشغل بها نفسي بين اطراف الطبيعة ومن نفس السطل استخرجت علبة الدخان وأشعلت سيجارة ثم قالت: لقد عملت بما فيه الكفاية، فمنذ ثلاث سنوات عدت الى بلدي وتقاعدت وبدأت اذهب إلى الكنيسة واخلو ما بين لحظة وأخرى إلى الطبيعة، لقد طفت بلاد كثيره وتعلمت 8 لغات فقد كنت أعمل في مجال ترجمة الكتب والمقالات العلمية, ولكي أترجم بدقة يجب أن افهم جيدا الموضوع واستوعبه ولذلك كنت أقرأ وأفكر كثيرا وأتعلم كثيرا إلى درجة أن عقلي تأثر وتعب, وأرتني شعرها ولكني لم الحظ شيئا واضح. ثم أخذت نفسا عميقا واستطردت في الحديث: لقد عملت في ألمانيا 15 سنة وفي سويسرا 6 سنوات وزرت دولا كثيرة والتقيت أناسا كثيرون وقليلا منهم من وجدتهم صالحين أما الكثير الكثير فماديون, يتصيدون العثرات, قلوبهم يشوبها الحسد فهي سوداء داكنة....
قدم الباص وقطع علينا الحديث, ثم أعنتها على حمل متاعها إلى الباص, أشتكيت إليها من الباعوص وقرصاته فكشفت لي عن ساعدها فإذا به مئات القرصات وقالت : لقد أتيت البارحه ونمت هاهنا. منذ ثلاث سنوات وأنا آتي إلى هذا المنتزه واجلس في أحضان الطبيعة, ففي احضان الطبيعة أشعر بنفسي وأحس أنني موجودة, ففي كل جزء من أجزاء الطبيعة أشعر بأنها تمثل الإله( كما قالت)....
ثم استطردت في الحديث: فكل هذه المنظومة لم تكن لتكون لو لم يبدعها خالق, كثير من الناس الذين التقيتهم يثمنون الاشياء بكم تساوي من مال وليس كم تعني أو ماذا تحمل من معاني عميقة, إنني لا احب هذا العالم المليء بالماديات لذلك ألجأ الى الطبيعة...
فلدي شقتي الصغيرة في هلسنكي وراتب تقاعدي الذي الذي يسد حاجتي, لدي جزيرة ...نعم إنني امتلك جزيرة مسجلة رسميا بإسمي, فقليل جدا من يمتلك جزيرة خاصة مثلي, إذ تبلغ مساحتها 200 الف متر مربع ليست بالكبيرة ولكن يكفيني أنها ملكا لي وحدي وبها كوخي الخشبي الصغير, أذهب إليها كلما أحتجت أن اخلو بنفسي....
فقلت: ألا تشعرين بالوحدة...؟!
فقالت: إياك أن تشعر بالوحدة مادمت تملك قلب ينبض. عالمك يجب أن يكون بداخلك, وأنت تملكه وتتحكم فيه لوحدك, يجب أن تملك كل شيء بداخلك ولا يجب أن تنتظر أحدا ليشعرك بالطمأنينة أو الراحة فأنت تملك كل شيء بداخلك وإياك أن تقيم الأمور بكم تساوي من المال, بل قيمها بكم تعني من معاني عميقة...
سألتني: كم سوف تجلس في هلسنكي...؟
فقلت: بإذن الله أنا مسافر غدا إلى ستوكهولم " السويد"....
فقالت: أرأيت الباص الذي نقلنا إلى المنتزة سوف تكون آخر رحلة له غدا بعد أن ظل ينقل هواة الطبيعة إلى هذه الغابة ما يزيد عن 53 سنة, وسوف يستبدل بباص أقل كفاءة وتكلفة, فمعظم من يرتاد هذا المنتزة هم من الناس المرتبطين بالطبيعة ويقدرون الطبيعة لذلك الكل حزين ومستاء مما حصل, لذلك سوف يقام غدا حفل وداع وسوف يحضره كل أولئك البشر الذين تود أن تتعرف عليهم لأنهم يذكرونك بالطبيعة وبجمال الطبيعة, فأهل الطبيعة يتميزون بالحس العميق المرهف.
أخبرتها أنني إن لم أسافر فلسوف يسعدني الحضور, ثم تركنتي قبل محطة هلسنكي بمحطتين وقبل أن ترحل.
قالت: لن يفوتك في ستوكهولم شيء يستحق فهي مدينة ككل المدن..
وفي حوالي العاشرة مساء وصلت المدينة , تجولت قليلا في أنحائها, ثم أويت إلى فراشي في حوالي الساعة 12:00 ليلا
هلسنكي--- فنلندا
يوميات جميله جدا.... :x1:
وفكره رائعه.....
تابع اخي نحن ننتظرك....
تمنياتي لك بالتوفيق،،،
اخوك
~الوافي~