طائر الغربة
12-12-2022 - 09:17 am
وادي ليساشتال الجبلي.. عنوان الهدوء في النمسا
جار جبال الألب والطبيعة الآسرة
لندن: «الشرق الأوسط» http://www.aawsat.com/details.asp?section=41&article=618010&issueno=11831
لا تعد سمعة السكان المحليين في وادي ليساشتال النائي والمنعزل الواقع بمنطقة جبال الألب بالجنوب النمساوي في أفضل حال.
وأحد الأوصاف التي تقال لتحذير الأشخاص الذين قد يفكرون في زيارة المنطقة أن هؤلاء السكان يتسمون بالتشكك والتكتم بالنسبة للغرباء، ويشير وصف آخر إلى أنهم متحفظون ومن الصعب بالنسبة للغرباء والزوار أن يقتربوا منهم.
غير أن ما يمكن أن تجده أيضا عندما تتوجه إلى هناك ليس مجرد صمت من أشخاص معقودي الألسنة، ولكن أيضا عواطف تلقائية طبيعية. ومع ذلك، فإنه الأمر الحقيقي أن كثيرا من أبناء الوادي يتخذون موقفا متشككا إزاء التطورات العصرية الحديثة.
وتقوم السياحة في الوادي على فكرة ترك الطبيعة على حالها وجعلها منسجمة مع النواحي الاجتماعية في بيئة تسودها أساليب الزراعة الطبيعية التي تحافظ على المناظر الطبيعية.
وهذه خصائص يراها المرء مرارا وتكرارا عند زيارة وادي ليساشتال، وهو واد يبلغ طوله 110 كيلومترات ويمتد عبر إقليمين إداريين؛ وهما شرقي تيرول وكارينثيا.
وفي الحقيقة، فإن سكان الوادي الذين يبلغ عددهم 1500 نسمة حريصون للغاية على الحفاظ على الجمال الطبيعي لواديهم.
ويحظر في الوادي تشييد الفنادق الكبيرة، وتحكم لوائح صارمة المنازل السكنية، حيث يتم تحديدها بطابق أرضي وأول وسقيفة، كما يقول كريستيان أونترجوجينبيرجر من هيئة سياحة ليساشتال في بلدة ليسنج.
وتتسم المنحدرات الجبلية والمراعي بالوادي بالانحدار، ولا يزال يتم إلى يومنا هذا القيام بمعظم عمليات جز الحشائش يدويا، ويتم منح المزارعين دعما ماليا نظير جهودهم، ولكن مقابل ذلك، عليهم أن يجمعوا الحشائش لتجفيفها على عمدان خشبية تقليدية تعرف باسم «كوزين» حتى يتم تخزينها للاستخدام طوال الأعوام العشرين المقبلة.
ويتفق السكان في بلدات مثل ماريا لوجاو وسان لورينزن وليسينج وبيرنباوم على أنه يجب الحفاظ أيضا على منازل المزارع التقليدية القديمة.
وبالتالي، فإن الزوار أثناء ممارسة رياضة المشي عبر المساحات الرعوية سيشاهدون الضياع التي تم تجديدها بشكل لطيف والمباني الرائعة الملحقة بها، كما يشاهدون عند جدول تراتنباخ المائي خمس طواحين تعمل بقوة دفع الماء.
ويطلق على ليساشتال حتى اليوم «وادي المائة طاحونة»، وفي أيام مجد الوادي كان يوجد به 200 طاحونة تدور بجلبة وتعمل بقوة اندفاع الماء المتساقط من أعلى الجبل، وكان المزارعون يستخدمون القوى المائية في تشغيل الطواحين لطحن الحبوب إلى جانب استغلالها في تشغيل المصاعد والمحاريث وآلات درس المحاصيل ونشر الأخشاب.
ويرى هواة ممارسة رياضة المشي فوق المرتفعات أكثر من 300 كيلومتر من ممرات السير التي توجد بها علامات إرشادية في ليساشتال، وتتراوح صعوبة الممرات بين مساحات مسطحة في أرضية الوادي إلى ممرات حادة الانحدار وصخور صاعدة إلى مناطق المراعي أعلى الجبل ومنحدرات كارنيش ولاينز بسلسلة جبال الدولومايت، وعادة لا يوجد بهذه الممرات الأخيرة سوى عدد قليل للغاية من الأشخاص وذلك بالنظر إلى العدد الضئيل من إدخال البيانات في سجلات الزيارات التي تنتظر الزوار في أعلى قمم الجبل.
غير أن الزمن لا يتوقف في ليساشتال، وأحد الإنجازات العصرية هو الطريق السريع رقم «بي 111» الذي يمتد لمسافة سبعين كيلومترا ويصل بين مويتشاش ماوثن وسيليان ويمر عبر كثير من القرى الصغيرة. وهذا الطريق لا يضيف إلى حركة المرور ذات الضوضاء، غير أن الكثير من السكان لم يعتادوا حتى يومنا هذا على تدفق السيارات والدراجات النارية عبر شوارع بلداتهم.
ويقف رجل مسن داخل حقل ويشاهد مزارع وهو يعمل، وبعد تحية ودية محلية بمعنى «حياك الله» وثرثرة قصيرة مع سيدة من هواة المشي تمر بالطريق، يهز الرجل العجوز رأسه ويتنهد قائلا: «منذ أن تم رصف هذا الطريق، لم تعد الأمور إلى ما كانت عليه من قبل». وعندما سئل الرجل عن الزمن الذي كان يسود فيه الهدوء المكان رد قائلا: «قبل نحو خمسين عاما».
رحلتي الى النمسا
وما قصرت يا مبدعنا طائر الغربه
تحياتي لك