الأندلسي الصغير
01-02-2022 - 11:08 am
صباحات ميخاس - تلك القرية الوادعة بين الجبال الساكنة سكون راهب أقعده الدهر - تبدو في ساعات الصيف الباكره دافئة كصدر عاشقة لوعها الحنين تحتضنك بكل شوق ولهفة وتعانق روحك لترحل بها إلى الشرق العربي بكل أحزانه وآلامه وانكساراته ومفرداته و بكل حرارته وصدى أشعاره بكل ما يحمله من مشاعر غربة الذات وعشق خالد للصحراء.
كل ما في تلك القرية من أماكن وطرق وممرات ونباتات وهضاب ورمال تعصف بذاكرتك القروية وكأنك تعيش تجربة جديدة قديمة.
في صباح ذلك اليوم كانت ميخاس تستيقظ كسلى تنفض عن ثيابها أوراق الزيتون الناعسة التي باتت تسافر في ليلها الحالم المثقل بالأزهار والرمال الذهبية. في ركن بعيد تكتب المطاعم بوجباتها الشهية و كراسيها الهادئة وألوانها الساحرة أغنية صباحية شجيه.
كانت الخطا ترحل بي إلى سماءات واسعة من الصور والأخيلة تنداح من ذاكرة قروية تسكنني فالأمكنة والطرق و الأبواب و الأزقة كلها تبدو مألوفة لي حتى وجوه الناس تسكن أعماقي بعفوية تعاملهم و انكسارات وجوههم التي كتب فيها الدهر صنوفا من الألم والمعاناة.
شعور غريب يتلبسني وددت للحظة أن أحضن هذه القرية بكل مفرداتها وحزن أيامها وإشراق صباحاتها وسفر أحلامها . شجرات النخيل التي تطاول الهضاب بكبرياء وشموخ تبدو هذا الصباح راقصات فلامنجو بكل زينتهن و فتنتهن ... في ركن مقرور من إحدى الأزقة يبدو عازف جيتار يردد صدى أحزان مضت يجترها من جراحات قلبه المفعم بحب مؤود... جماعة من السواح يتحلقون حول مرشدهم في حديث شائق عن هذه القرية وجمال طبيعتها... شرفة أندلسية تطل عليك بثغر باسم تزينها الورود والرياحين ... طفلة تمسح عن عينيها نعاس الأمس وتهم في اللعب مع أترابها ... شيخ يسير على عكاز يمضي متجهما إلى إحدى المحلات حاملا معه أحزانه وحيرة صباحة.
كل تلك الصور وغيرها لاشك أنها تلامس فيك مشاعرا تسكن أعماقك وتعيد فيك ذكريات خلت ... وجدتني وأنا المسكون بسحر الشرق أتناغم مع هذه القرية أعيش ساعات صباحها بكل متعة وشوق ... حل المساء سريعا على غير العادة وران السكون على تلك القرية ... وأخذت في سبات عميق تحلم بصباح مشرق جديد و وجدتني أرحل عنها في صمت وخشوع ...أحرق في أزقتها وعراصاتها بخورا حملته بين ظلوعي ليكتمل المشهد الأخير بسحر آخر لذلك الشرق المدفون في أعماقي.
اخي نمرو ..... انت كبير ايضا بتواصلك وردودك
دمت اخا غاليا