- "مقهى الفرح"... ذاكرة "حمص"
"مقهى الفرح"... ذاكرة "حمص"
عند مرورك ب"ساحة السرايا" باتجاه السوق، يسترعي انتباهك وجود مقهى مزدحم برواده من مختلف الأعمار، منهم من جاء ليقتل الملل من خلال لعب الورق أو طاولة الزهر، ومنهم من اعتاد الجلوس وقراءة الصحف، كما قد تصادف أحياناً وجود بعض وجوه "حمص" الفكرية والأدبية المعروفة، إنه مقهى "الفرح" الذي يمتد على الرصيف بأسلوب مقاهي الرصيف الأوروبية المدعوة "تيراس". عند دخولك إليه تجد أنه مازال محافظاً على طابع القهوة الشعبية القديمة دون إدخال أي تعديلات تمس الطابع التراثي القديم فهو لا يزال يحتفظ بالأدوات والصور القديمة التي تدل على قدمه وشهرة الشخصيات التي جلست فيه.
وللتعرف أكثر على حكاية وتاريخ هذا المقهى يقول أحد رواد هذه المقهى وهو الأديب والناقد الحمصي المعروف "محمد التدمري" الذي حدثنا عن تاريخ المقهى بالقول: «يعد "مقهى الفرح" من أهم المقاهي الشعبية والتراثية في مدينة "حمص" وهو يمتاز ببناء معماري يعود تاريخه لأكثر من /150/عاماً، أي إن تاريخ بنائه يعود لفترة الحكم العثماني وازداد أهمية خلال فترة الاحتلال الفرنسي لسورية حيث كان الثوار الذين حاربوا الاحتلال يأتون إليه من مختلف المناطق للقاء والتباحث في أوضاع الثورة والبلاد».
وعن أهمية المقهى أضاف "التدمري": «تأتي أهميته من عدة نواحي، الأولى: الأهمية التاريخية، حيث إن المقهى عاصر معظم الأحداث التي جرت في "حمص" منذ تأسيس المقهى في العهد العثماني وخلال حقبة الاحتلال الفرنسي وفترة الاستقلال وخير دليل على معاصرة هذه المقهى للأحداث التي جرت في تلك الأوقات الصور المعلقة على جدران وأعمدة المقهى، حيث نجد على العمود الأوسط في المقهى صورة للمناضل والثائر الشهيد "نظير النشيواتي" الذي كان يجتمع في هذه المقهى مع إخوانه الثوار ويخططون لمقاومة المحتل الفرنسي.
و تجد في صدر المقهى صورة كبيرة للرئيس "شكري القوتلي" وهو يخطب في المقهى في مرحلة ما بعد الاستقلال وصورة أخرى للجنرال "ديغول" يستعرض من خلالها الحرس الفرنسي بالقرب من المقهى، كما توجد الأدوات القديمة والتراثية التي كانت تستخدم سابقا والمحفوظة في المقهى.
والأهمية الثانية: هي الأهمية الثقافية حيث كان المقهى منذ مطلع القرن العشرين وحتى الآن منبراً يلتقي فيه رجال الشعر والأدب والفكر والصحافة يتداولون فيه حالة الأدب والفكر ويستلهمون من خلال اختلاطهم بعامة الناس أفكارهم وإبداعاتهم.كما كان يلتقي فيه رجال الدين الإسلامي والمسيحي وعدد كبير من السياسيين ومن أبرز رواده نذكر "محي الدين الدرويش"، "رفيق فاخوري" وعدداً كبيراً من شعراء "حمص"».المقهى كان يضم سابقا وقبل أن يقتطع منه جزء لتجهيز صالة "سينما الشرق" مسرحاً أديت على خشبته مسرحيات تعود حتى عام /1922/، كما زارت المقهى فرق موسيقية وفنية من مختلف الأقطار العربية وأقامت على مسرحه عروضا فنية، وكل ذلك جعل من هذه المقهى معلم ثقافي وحضاري ساهم ومازال يساهم في تأطير الحراك الثقافي منذ بداية القرن العشرين وحتى الوقت الراهن وهذا يقودنا للقول إن المقهى لم يكن يوما فقط للعب الورق والنرد بقدر ما كان محطة من محطات التاريخ الثقافي ل"حمص".وعن هذا أضاف "التدمري": «وللمقهى أهمية تراثية وسياحية ومعمارية فهو يعتبر من أهم معالم "حمص" الأثرية والتراثية فهو يحافظ في شكل بنائه على أسلوب بناء البيوت الحمصية القديمة ونلاحظ استخدام الحجر الأسود في بنائه الذي يعد من أهم الدلالات على المدينة. كما أن موقعه المتوسط والاستراتيجي في قلب المدينة إضافة إلى الرصيف الذي من النادر أن نجد له مثيل في مقاهي سورية جعل السياح يرتادونه بكثرة». وعن التعديلات التي أصابت المقهى يقول: «المقهى محافظ على طابعه المعماري ولم يصبه أي تعديل سوى كما ذكرت سابقا عن اقتطاع قسم من المقهى لصالح دار "سينما الشرق" في عام/1933/ ونظرا لأهمية المقهى منعت مديريتي الثقافة والآثار هدمه أو تشويه المعلم التاريخي له لأنه يعبر عن تاريخ وتراث مدينة "حمص".
منقول للفائدة ... مع تحيات العمدة
بالفعل واضح من الصور انه مقهى قديم
يعطيك العافية