- عدنا إلى فندقنا بعد أن تناولنا العشاء في مطعم " فرحات" بميدان لبنان .
- عدنا إلى فندقنا و خلدنا للنوم ...
لظروف عملية و علمية يدفعها فضول صحفي , قررت السفر إلى مصر بعد أن آتت ثورة الخامس و العشرين من يناير أُكلها , و أدت إلى ما أدت إليه من محاكمات و اعتصامات و سجون و خسائر بشرية و اقتصادية وسياحية كبيرة .
امتطيت طائرة خطوط مصر للطيران صباح يوم الثلاثاء 12 أبريل , و ما أن أقلعت و أخذت تمخر عباب السماء إلا و قد بدأت يزدحم في مخيلتي العديد من التساؤلات :
- هل ثمة فرق بين مصر ما قبل الثورة و مصر ما بعدها ؟
- هل لا يزال الوضع الأمني متدهوراً ؟
- هل ستتأثر السياحة وهي العصب الرئيس للاقتصاد المصري ؟
- ماذا عن الأسعار ؟
- ما الأماكن الأقل أمناً ؟
- ماذا عن الصحافة المصرية , و تعاطيها للأحداث بعد الثورة ؟
و أثناء ذلك التفكير العميق و العصف الذهني وإذ بأحد المضيفات الشقراوات تستأذنني باختيار ما يناسبني من طعام الإفطار .
و بعد ما يقارب الساعة تم توزيع الصحف اليومية .
تم الهبوط بشيء من الصعوبة تليها تكبيرات كبار السن ممن منّ اللع عليهم بأداء فريضة العمرة .
استلمت الحقيبة بعد طول انتظار و التقيت بالأخوين العزيزين / عبده حجازي و محمود عامر و الذين كانا في انتظاري .
كانا شابين في غاية اللطف و البشاشة و حسن التعامل , لم ألتق بأي ٍمنهما قبل .
أخذنا نسير في زحام قاهرة المعز, غلبت ثورة الخامس و العشرين من يناير على أحاديثنا , و كثيراً ما ردد الشابان " تتصلح الأمور إن شاء الله ".
رأيت أثار الحرائق على بعض البنايات كالمحاكم و أقسام الشرطة و مقار الحزب الحاكم و و و إلخ.
تم الحجز مسبقاً عن طريق الأخ / محمود في فندق سميراميس لخمس ليالٍ بمبلغ 800 دولار, لغرفة مطلة على نهر النيل العظيم , على أن تشمل الإفطار .
استلمت " الكارت " و دلفت إلى غرفتي ذات الرقم 726 و رتبت ملابسي و أخذت قسطاً من الراحة .
بعد صلاة العصر كان أخي عبده حجازي " أبو فرح " في انتظاري في بهو الفندق .
طلبت منه أن يأخذنا في جولة حرة للميدان الشهير " ميدان التحرير " و الشوارع المحيطة به , وقد كانت خلف الفندق الذي أسكن فيه .
لم ألحظ أي تجمع للشباب , بل وجدت أعداداً كبيرة من رجال القوات المسلحة , و رجال المرور و رجال الشرطة بالزي الأبيض .
كانت هناك كاميرات لقنوات غربية – على ما يبدو - تجري لقاءات مع بعض الشباب المتواجدين بالشوارع الجانبية للميدان .
لفت نظري وجود أشخاص يقومون بتنظيم السير رغم وجود رجال المرور . كما أن باعة الأعلام و عبارات الثورة متواجدون بكثرة .
في المساء ذهابنا إلى كوبري قصر النيل للسير عليه ولرصد حركة المواطنين , و لم أجد أي تغير يطرأ, فبائع " الفشار " و صاحب " الحنطور " و معد الشاي لا يزالون في الأمكنة نفسها .
عدنا إلى فندقنا بعد أن تناولنا العشاء في مطعم " فرحات" بميدان لبنان .
في صباح اليوم التالي " الأربعاء " ذهبت إلى جامعة القاهرة لغرض علمي و لم أعد إلى الفندق إلا بعد صلاة العصر . أثناء مكوثي في " اللوبي " و في "حديقة الشاي" تحديداً لم أجد سوى نزر بسيط من النزلاء و بعض الساسة الذين يتداولون الأراء و يخططون لما بعد الثورة .
وجدت في بعض الأيام إعلاميين غربيين من مالطا و السويد و إيطاليا , يسكنون في الجزء المطل من فندقنا على ميدان التحرير .
طلبت من أخي " أبو فرح " أن يذهب بي لبعض الأحياء الشعبية و الشوارع المحيطة بها , لتقييم الوضع الأمني فرفض و بعد أن ألحيت عليه استجاب لطلبي .
ذهبنا إلى بولاق أبو العلاء , و جلسنا في أحد المقاهي الشعبية و طلبنا ( شاي كشري ) . و رغم عدم معرفتهم بنا إلا إننا لم نجد منهم ما يثير الانتباه .
توغلنا داخل الحي , و رأينا مجموعة من العاطلين – على ما يبدو – على جنبات الشوارع و داخل الأزقة , لم نجد منهم سوءاً .
عدنا إلى فندقنا و خلدنا للنوم ...
في صباح اليوم الثالث – الخميس – و بعد تناول الإفطار في الفندق ( بوفيه مفتوح ) و احتساء كوب القهوة , انطلقنا إلى هيئة الكتاب بكورنيش النيل , و مكثت به حتى صلاة العصر , ذهبنا إلى مطعم العمودي بشارع جامعة الدول العربية و تناولنا غداءنا فيه , وهو مطعم جيد و كله لا بأس به .
توجهنا قبل المغرب إلى الفجالة و إلى مكتبة دار غريب تحديداً و بعض المكتبات المجاورة لشراء ما نحتاجه من الكتب .
مررنا بفندق الماريوت و جلسنا في حدائقه فألفيته أكثر زواراً و حركة ونشاطاً , كما أن وجود بعض الجاليات الغربية و الأسيوية يبعث الأمل على أن تستعيد السياحة المصرية عافيتها في القريب العاجل .
اتجهنا إلى منطقة الحسين و بقينا إلى وقت متأخر , وكان تواجد الناس أقل بكثير مما كنت أتوقعه , كما أن السياج الفاصل بين الشارعين تم تحطيم أجزاء كبيرة منه .
عدنا للفندق للنوم كالمعتاد وللاستعداد ليوم جديد , ولكن إلى محافظة أخرى غير محافظتي القاهرة و الجيزة .
صباح يوم الجمعة و بعد الإفطار و القهوة و قراءة الصحف المصرية اليومية و التي بدأت تسير مع تيار الثورة بعد أن كانت تظلل الرأي العام , لفت انتباهي أن كل الصحف التي قرأتها خلال مكثي في مصر بكل أطيافها و مشاربها , بدأت تتشفى و تسخر من رموز النظام السابق , و لم أجد كاتباً واحداً يسير عكس التيار مما عزز لديّ القول المشهور " و شعبها لمن غلب " .
أدينا صلاة الجمعة بمسجد عمر مكرم الواقع بين فندقنا و ميدان التحرير و ألقى الدكتور مظهر شاهين ، إمام وخطيب مسجد عمر مكرم خطبة ً بدأها بقوله : الحمد لله المعز المذل ......
تطرق فيها إلى نماذج من الظلم و الجور الذي كانوا يعيشونه , و أقر بوجود البلطجة و السرقة و الاغتصاب , و قال إنها لا تمثل ظاهرة و هي في طور الانتهاء , و طالب باختيار القوي الأمين لرئاسة مصر , كما طلب من شباب الثورة على المساس برجال القوات المسلحة .
و بعد الخروج من الجامعة لم أجد سوى مظاهرة لا يتجاوز عدد أفرادها 300 , يطالبون بسرعة محاكمة رموز النظام .
انطلقنا إلى جنوب القاهرة و تحديداً إلى محافظة الفيوم , و بعد أن قطعنا ما يقارب 70 كيلاً , لفت نظرنا وجود عدد من السيارات تقف على ربوة عالية و قد كُتب على المدخل المؤدي إليهم " منتجع أريبين نايتس" .
و بعد أن دلفنا إلى داخل المنتجع , رحبت بنا فرقة المزمار الصعيدي و قد وجدته يعج بالعوائل و الشباب وبه مسبحان و مطعم و جلسات مكيفة و مكشوفة و الموسيقى الغربية تصدح بكل ما أوتيت من قوة .
لم نطل البقاء , واتجهنا إلى بحيرة قارون , وهي بحيرة كبيرة , تقع على شواطئها منتجعات متواضعة و يقوم بعض الأهالي بتنظيم رحلات صيد للأسماك و البط .
قضينا ما سمح به الوقت متنقلين بين المزارع و أندية الخيل و الرماية , وعدنا من حيث أتينا .
أردنا قضاء بعض الوقت في سفينة " بلو نايل " و تناول طعام العشاء و من ثم الخلود للنوم .
في صباح السبت ذهبنا لفرع مصر للطيران بالتحرير لتعديل الحجز, وجدت ثلاثة شبان يقفون على بابه يحاولون جذب العملاء إلى مكاتب طيران خاصة لأخذ عمولة – على ما يبدو- و لم أقم لهم وزناً بل دخلت إلى المكتب من بينهم وهم يحاولون إقناعي بالاستماع إليهم , و قد سمعتهم يقولون أن هذا المكتب للرحلات الداخلية , أما الدولية فهي في المكان المجاور . لذا فإنه يجب الحذر منهم .
ذهبت للجامعة - مع أنه يوم إجازة – لوجود موعد مسبق مع أحد الأصدقاء و بقينا هناك إلى ما قبل العصر , تناولنا الغداء في مطعم سي جل للاكلات البحرية .
بعد مغرب هذا اليوم طلبت من أخي " أبو فرح " الذهاب بنا إلى حي شعبي أخر و فضلت أن نذهب لباب الخلق وما يحيط به .
تجولنا و كان كسابقه , إذ لم نلحظ وجود العصابات التي كنت قد قرأت عنها , و أنها تقوم بتفتيش المارة و تقوم بأعمال السطو المسلح .
لفت نظري أن أحد قائدي المركبات أجبر ضابط شرطة على السير في الاتجاه الايسر ليتمكن من العبور و قام بصدم سيارة الضابط دون أن يحدث تلفيات واضحة , و هو يردد " خل العادلي ينفعك ".
عدنا للفندق و استعداداً للسفر ظهر الغد .
صباح يوم الأحد و بعد تناول الأفطار في الفندق , أنهينا إجراءات الخروج " شيك أوت " و انطلقنا إلى سور الأزبكية لنبتاع بعد الكتب ومنها إلى مطار القاهرة الدولي و العودة إلى أرض الوطن .
وصلنا مطار الملك عبد العزيز بجدة الساعة 6 مساءً .
من مشاهداتي :· أحداث الثورة على ألسنة كل أطياف المجتمع المصري .
· ألقت أحداث الثورة بظلالها على كافة مناحي الحياة .
· ستختلف مصر عن ما قبل الثورة حتماً .
· أصبح التظاهر و الاعتصام لأدنى الأسباب , فقد تجد من يتظاهر لضم محافظة حلوان إلى القاهرة و قد تجد اعتصامات في النقابات المختلفة للمطالبة بأشياء غير وجيهة و مظاهرات أخرى لمجرد التظاهر.
· الوضع الأمني جيد , وفي طريقه للأفضل .
· السياحة هي الخاسر الأكبر .
· مع أن بعض الفنادق قدمت عروضاً خاصة إلا أنني أكاد أجزم على أن أسعار الخدمات السياحية ( الفنادق – المطاعم – المقاهي – وسائل النقل ) كما هي .
· الحذر واجب .
· أتوقع أن تستعيد السياحة المصرية عافيتها تدريجياً خلال 7 إلى 9 أشهر.
و للجميع تحياتي
الحمد لله على السلامة