1. لكن طبيعة الأهرامات لا يمكن رؤيتها في أي مكان آخر.

عندما يردد المصريون عبارة "مصر أم الدنيا" تعتقد للوهلة الاولى ان هناك مبالغة وتعصبا غير مبرر، لكن تتبدد الصورة تدريجيا كلما انغمس المرء في الحياة المصرية بتفاصيلها ومستوياتها المختلفة فتجد نفسك تارة تعيش وتحصل على خدمات أوروبية المستوى وتارة أخرى تدخل دهاليز التاريخ لترى وتعيش الحياة في ابسط صورها.
أربعة أيام في القاهرة فترة غير كافية للاطلاع على مصر بما تختزنه من مكنوزات وقدرات سياحية وثقافية وحضارية. ورغم التلوث الناتج عن الكثافة السكانية وعوادم السيارات والحافلات إلا ان للقاهرة والنيل ومواقع الجذب السياحي المتنوعة سحرا خاصا لا ينسى.
غادرنا إلى مطار القاهرة الدولي في رحلة هادئة قصيرة بحدود الساعة على متن طائرة الخطوط الجوية العربية السعودية .
كانت إجراءات المغادرة كما هي إجراءات الوصول ميسرة طبعا دون وساطة أو تدخل أحد، فهناك تحسن ملموس في المطارات ونقاط العبور بين الدول العربية وهذه ضرورة أدركها المسؤولون في نهاية المطاف. كان الوصول ليلا والقاهرة التي زرتها عشرات المرات اجد نفسي في شوق الزائر لاول مرة.
ويستمتع الزائر بمعسول لقاء المصريين وخفة الظل التي تسجل لهذا الشعب الشقيق الذي يتمتع بقدرة عالية في التعامل مع كل شيء وتجاوز الظرف الصعب شخصيا كان أم عاما.
وتفسر المباني الشاهقة هذا العدد الضخم من السكان في القاهرة التي يزيد عدد سكانها ومرتاديها نهارا عن 18 مليون نسمة، فالأرض المتاحة للعمران تتناقص والسكان وطالبو الشقق والمكاتب في تنام مستمر لكن تبقى لكل منطقة خصوصيتها سواء أكانت قديمة قدم قلعة محمد علي والأهرامات أو مقهى الفيشاوي أو سلسلة المطاعم الحديثة العربية والإيطالية التي تزدحم بالرواد من سياح ومصريين.
فندق كونارد كان محطتنا للأيام الأربعة وهو من الفنادق الحديثة البناء، الفاخرة التجهيز والشمولي في الخدمة لكافة المستويات وقد صمم الفندق بصورة فريدة بحيث تطل كافة الغرف والأجنحة على نهر النيل وهي ميزة يحرص عليها مرتادو ونزلاء الفنادق في القاهرة ويفوز بهذه الميزة في معظم الفنادق المصرية من يحجر غرفته مسبقا وبوقت كاف قد لا يتسع المكان المخصص لهذا الموضوع لسرد ورسم الصور الجميلة والبائسة أيضا لما يمكن ان يشاهده الزائر في القاهرة لكن هناك محطات لا يمكن إغفالها منها زيارة القلعة وقصتها مع المماليك والثرثرة مع صديق على النيل ليلا، وليلا تعني الثانية بعد منتصف الليل حيث تهدأ الحركة قليلا.
في منطقة الأهرامات يرى الزائر اكثر من الثلاثة أهرامات التي قرأنا قصصها في بطون كتب التاريخ، فهناك ستة أهرامات صغيرة إلى جانب خوفو وخفرع ومنقرع، وقد نجح المصريون في المحافظة على الأهرامات دون تدخل قد يراه المرء ضروريا لاول مرة ثم يقتنع بأن ترك الأمور على ما هي عليه أجدى وافضل، فالراغبون بزيارة الأماكن المنظمة والأنيقة متاحة ومتوفرة.

لكن طبيعة الأهرامات لا يمكن رؤيتها في أي مكان آخر.

أما المتحف في ميدان التحرير فقد يمر الزائر من أمامه دون إدراك لما يختزنه من تاريخ وصراع الجغرافيا والحضارات عبر آلاف السنين ولا يمكن لمن يدخل المتحف ان يغادره في اقل من ثلاث ساعات يرى ويسمع تاريخ الحضارة الفرعونية .
وازعم ان من زار مصر ولم يدخل المتحف كمن لم يزرها. وللطعام والشراب وأماكن التنزه مفردات وحكايات لا يمكن تجاوزها والأقل أهمية سلسلة المطاعم التي تقدم الوجبات السريعة التي غزت عواصم العالم، إلا ان الأسماك والطيور وخاصة الحمام وطرق طهيه فريدة، فإذا أردت الاستمتاع بوجبة سمك لا تنسى لا بد ان تتناولها لدى مطعم فريستو قرب الأهرامات والحمام المحشي أو المشوي لدى أبو شقرة في المهندسين.
أما اللحم المشوي بأشكاله عند أبو رامي في السيدة، وهذه عناوين يعرفها سائقو السيارات والعامة في مصر، مع ان العامة التي لا تستطيعون ارتياد هذه المطاعم لارتفاع أسعارها بالمقارنة مع متوسط حصة الفرد بالنسبة للمصريين، لكنها منخفضة أو على الأقل معتدلة السعر بالنسبة للسياح.
ومثلما ترى البسمة على محيا المصريين ترى حياة قاسية على الكثيرين، ففي منطقة المقابر يعيش بضعة ملايين وترى أعدادا من البسطاء يفترشون أية بقعة خضراء وبحوزتهم القليل من الشاي وأحيانا الفاكهة يروحون عن أنفسهم واجمل ما لدى المصريين من عادات القناعة والشكر المقرون بالعمل.
وللصورة ألوان زاهية أخرى حيث الرفاهية والترف والسهر في سلسلة الفنادق الفاخرة وعلى ظهر مراكب روعة في التصميم والتجهيز والخدمات.
وما يراه ويعيشه زائر مصر اكثر مما يكتب في مقالة لكل يوم حكاية وحكاية كلها تشير إلى قوة مخزونة في الأرض والإنسان المصري.