- افتتح بعد الانتهاء من ترميمه ضمن مشروع القاهرة التاريخية
- القاهرة :
افتتح بعد الانتهاء من ترميمه ضمن مشروع القاهرة التاريخية
القاهرة :
لم يتصور محمد علي باشا والي مصر أن يتحول قصره الذي بناه في حي شبرا الخيمة بالقرب من القاهرة إلى مكان مهجور تحيط به العشوائيات بعد عشرات السنين من بنائه. إلا أن هذا هو ما حدث لذلك القصر الملكي وغيره من القصور الملكية عقب قيام ثورة يوليو في عام 1952 .
القصور الأثرية العلوية التي كانت محدودة في القاهرة التاريخية، كانت في الوقت نفسه تكشف عن براعة فناني الأسرة العلوية في الفن المعماري، حتى ولو كانت مقتبسة عن غيرهم، لتظل لها خصوصيتها المنفردة.
ومع الانتهاء من ترميم قصر محمد علي باشا الكبير في منطقة شبرا الخيمة، وافتتاح الرئيس المصري له يوم الاثنين، تكون جميع القصور التاريخية التي تنسب إلى عهد الأسرة العلوية قد تم الانتهاء من ترميمها، ضمن مشروع القاهرة التاريخية الذي بدأ منتصف عقد التسعينات.
ترميم القصر يعيد للذاكرة الحديث عن القصور القديمة التي اتسمت بها فترة حكم محمد علي وأولاده وهي القصور التي يصل عددها حسب القصور المسجلة أثرياً إلى أربعة قصور، هي قصر شبرا، وقصر محمد علي الصغير، وقصر الجوهرة، وقصر الحرم، خلال القصور الأخرى التي بناها أولاده، وبعضها يخضع لمؤسسة الرئاسة المصرية، والبعض الآخر لا يزال يعاني من التعديات والإهمال، لعدم ترميمه، نتيجة عدم تسجيله أثرياً ! ومن هذه الأخيرة، ذلك القصر الذي بناه ابنه إبراهيم باشا، المعروف بقصر القبة، وآخر له في جزيرة الروضة، عرف بقصر المغارة، وبنى عباس قصرا بالخرنفش، آل فيما بعد إلى أسر البكري، ولم يبق منه الآن سوى مدخله، وقد أقيمت على أرضه مدرستان.
وهو من بين القصور التي أصبحت تستقبل زائريها من المصريين والأجانب، بعد ترميمها وإعدادها للزيارات السياحية، ويقع قبالة مسجد محمد علي في القلعة، ويذكر الجبرتي علي أنه هدم ديوان الغوري الكبير، وما اشتمل عليه من مجالس، وأقام مكانهما هذا القصر على الطراز الرومي، مستعملا الأخشاب بدل الأحجار، والصخور والعقود على طريقة بناء الإفرنج، وطلبت جدرانها بالبياض الرقيق والدهان والنقوش.
أكبر حجرات ذلك القصر صالة العرش، أو حجرة الفرمانات، وهي ذات سقف بيضاوي الشكل، بنقوش مذهبة، تمثل آلات حربية وآلات موسيقية تتوسطها أسرة خشبية مذهبة، وتشرف على ميدان صلاح الدين.
هذه الحجرات حليت جميعها بالمناظر الطبيعية المختلفة، كما صورت على أعتاب إحدى الحجرات سفن حربية، لعلها قطع من الأسطول المصري، وكان محمد علي يستقبل في هذا القصر كبار الزائرين الأجانب، كما استقبل فيه الخديوي إسماعيل السلطان عبد العزيز في 4 شوال سنة 1279 هجرية، الذي قام به سبعة أيام.
أما قصر الحرم، فيقع أيضاً داخل القلعة، ويشرف على جبل المقطم، وأمر محمد علي بإنشائه سنة 1243 هجرية، ويتكون من ثلاثة أجنحة متصلة، بعضها ببعض، ولكل جناح حوش وحديقة، وجميع أسقفه وجدرانه مزخرفة بمناظر طبيعية تمثل الفروع النباتية والأزهار والأشجار.
وبالطابق الأرضي للقصر حجرة الفسقية، وهي عبارة عن قاعة فيها أربعة أواوين، يتصدرها سلسبيل رخامي، نقشت فيه طيور وزخارف بارزة، وتتدفق المياه من أفواه هذه الطيور إلى أحواض متدرجة تحت بعضها البعض في مشهد بديع، حيث تصب هذه المياه في قناة تحتها، نقشت بها الأسماك السابحة، وتصب في الفسقية.
أما قصر محمد علي الصغير، أو ما يطلق عليه قصر المنيل، فهو يعد من أجمل وأهم المتاحف التاريخية، فهو يعبر عن فترة مهمة من تاريخ مصر الحديث، ويعكس صورة حية لما كانت عليه حياة أمراء الأسرة الملكية السابقة، ويصورها بعناية فائقة.
وهذا المتحف ينفرد عن باقي متاحف القصور التاريخية بتصميمه المعماري الرائع، فقد بني على طراز إسلامي حديث مقتبس من المدارس الإسلامية الفاطمية والمملوكية، والزائر له يلمس فيه الروح الفارسية والسورية والمغربية، التي تتجسد كلها في زخرفة مبانيه والتي تحاكي في الأساس الطراز العثماني.
ويعد المتحف مدرسة فنية جامعة لعناصر الفنون الإسلامية المختلفة، وهو ما تؤكده العبارة التاريخية، التي تطلع الزائر على اللوحة التأسيسية التي تعلو المدخل الرئيسي للقصر مدوناً عليها هذا النص «انشأ هذا القصر الأمير محمد علي باشا نجل المغفور له محمد توفيق، إحياء للفنون الإسلامية وأجلالا لها».
تنعكس على هذا القصر صفات وجوانب شخصية الأمير محمد علي لذلك خرج فريداً في طرازه، متميزاً عن قصور أقرانه من الحكام وأمراء الأسرة العلوية، ولذلك تقيم فيه وزارة الثقافة المصرية حفلات الاستقبال والمناسبات الاحتفالية الكبرى، فضلاً عن أنه يظل من وقت لآخر موضعاً لاستقبال العديد من الشخصيات والزوار من ضيوف القاهرة.
والقصر أو المتحف يقع على مساحة كلية تصل إلى 61 ألفا و711 مترا مربعا، منها 5 آلاف متر مربع، وتصل مساحة حديقته إلى 34 ألف متر مربع، ما يعكس المساحة الهائلة للقصر، في الوقت الذي تبلغ فيه المنشآت الداخلية للقصر 22 ألفا و711 متراً مربعاً.
ويتكون المتحف من السور المحيط للقصر، ومدخله، وسراي الاستقبال وبرج الساعة، والسبيل، والمسجد، ومتحف الصيد، وسراي الإقامة، وسراي العرش، والمتحف الخاص، والقاعة الذهبية، والحديقة الفريدة في نوعها في مصر، التي تضم نباتات وأشجارا نادرة لا مثيل لها في البلاد.
الطريف أن واجهة القصر تشبه واجهات مداخل المساجد والمدارس الإيرانية في القرن الرابع عشر، ويلاحظ من أهم حجرات القصر، تلك السراي التي تقع أعلى المدخل وهي مخصصة لاستقبال ضيوف القصر، كما كانت من قبل، عندما كانت تستقبل ضيوف الدولة، حيث كان يأخذهم الأمير في جولة بقصره، والزائر لها، يلاحظ عبق الطراز المعماري العثماني الممتزج مع غيره من الطرز الأخرى، حيث الزخارف التي تدل علي مهارة وإتقان الصانع المصري.
المتاحف أو القصور جميعها تم ترميمها على فترات زمنية متعاقبة، لذلك لم يكن باقياً من القصور العلوية التي لم يتم ترميمها سوى قصر محمد علي الكبير في منطقة شبرا الخيمة، وهو القصر الذي تم ترميمه بتكلفة بلغت 50 مليون جنيه تقريباً، وفي مدة وصلت إلى أربع سنوات ليصبح جاهزاً لاستقبال الضيوف من كبار الشخصيات والزائرين للقاهرة، كما تم الإعداد له عند ترميمه وتطويره.
والقصر يقع في منطقة شبرا الخيمة التي أنشأها نفسه محمد علي، وهي من القرى المصرية القديمة التي حظيت باهتمام شديد من قبل عاهل مصر محمد علي باشا، فقد حرص على تشييد قصر منيف، وفتح فيها شارعاً يعرف الآن باسم شارع شبرا وبعد إنشائه القصر توالت على القرية البساتين والقصور المحدودة التي سرعان ما اندثرت في العصور التالية.