في هذا اليوم العاشر من ذي الحجة اجتاحتني مشاعر فياضة وأنا أرى جموع الحجيج ينهمرون على جمرة العقبة نازعين احرامهم وتاركي معها ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم ... وعاودني الشوق والحنين كما هو كل عام حين أرى أفواج الحجيج يتقاطرون على بيت الله الحرام بعد إفاضتهم من عرفات وتجتاحني مشاعر الشوق لبيت الله الحرام وقد حرمت نفسي منها من سنين لارتباطي بهذا البلد الذي يبعد عنها مسار اربع ساعات للشمس بعدما تغرب عنها لتغرب على صعيد عرفات مؤذنة للحاج بالأنصراف مغفورا لهم ... وعزائي في ذلك أن النفع هنا متعدي وفي كل خير.. ويزيل عني مشاعر الغربة – وقد اعتدت الذهاب لها لوحدي – مشاعر المسلمين هنا ... لكن قشة قسمت ظهر غربتي كانت شرارة احداث انفرط عقدها علي في هذا اليوم الذي يكاد فيه الناس أن يطيرون بهجة وسرورا ، فهي أيام أكل وشرب وذكر لله وفرحة وسرور ... وان كان لي منها من نصيب فأحسب أني ذكرت الله فيها ... وشرارة هذه الأحداث أنني حينما عمدت الى أول بقرة لذبحها معلنا بنحرها قص وريد الإفتتاح لأكثر من ثلاث مئة بقرة نتقرب بها الى الله ، وكانت ضخمة جدا بل قد لفت برأسها نحوي تنظر إلي وكأنها ستقول شيئا ، فلما اقتربت منها أمطرتني بوابل من بولها أضحكت علي من حولي ... وقد ضننتها هذا سخرية منها بي حينما رأت أكثر من سبعة رجال أشداء يمسكون بها لي ثلاثة منهم لرقبتها فقط ؟؟ ناهيك عن الحبال التي أوثقوها بها ، وهذا من كرمهم لي فلا يريدون أن تلحقني بأذى خصوصا والكميرات من حولي فالفضيحة هنا متعدية ... !!ولسعتها لي بهذا السوط من البول جعلني أفكر بالتراجع واعلان الهزيمة ، لكني تشجعت وعززت لنفسي بأن فعلها هذا ماهو الا خوفا وجبنا مني ، والا لما جعلت خاتمتها هذه الفعلة المشينة وهذا العمل القبيح ... !! فأقدمت شاهرا سلاحي لنحرها معلنا بذلك قص وريد افتتاح نحر أكثر من ثلات مئة من زميلاتها .. متشفيل بذلك من عداء بيني وبينها منذ ثلاثين عاما او تنقص ، وذلك حينما رأيت جدي يذبح بقرة تعسرت ولادتها ورأيته يسلخها .. فعافت نفسي لحمها ولبنها منذ ذلك اليوم ، ولولا ذلك لاقتصيت منها بفري شيئ من لحمها وكبدها ...!! ومنذ أن صفعتني ببولها انهالت علي اللكمات من حينها ، فبعد أن رجعت لمقر اقامتي قابلني حارس المبنى - الذي لم يبقى فيه الا هو ، فالجميع ذهبوا لمعايدة أهلهم – قابلني بابتسامة غير التي كنت أعهده عليها فهي هذه المرة عريضة لدرجة انه ظهر منها أضراسه التي نخر السوس فيها وعشش ، وكأنه يريد شيئا ، فإذا به يعانقني وقد خرجت من عنده صباح اليوم ، ففطنت أنها عناق العيد ، ولكني رحمته فقد كرهت نفسي فكيف بمن يعانقني ، فثيابي ملطخة ببول ودم البقرة ، ونعلاي أثقلهما روث الحضيرة ، فرحمت حاله لأنه لم يدقق بملابسي وإلا لولى هاربا ، ولكني اكتشفت بعد ان خلع كتفي بأنه ليس أحسن حالا مني ، ولولا الحياء لكان الهروب من نصيبي ، ولكني عذرته وجاملته ، لأنه في هذا الوقت أثناء غياب العاملين في المقر يصبح إضافة على عمله الرئيس كحارس يكنس وينضف ويطبخ ، وبهذه المناسبه اضفت له مهنة رابعة فأعطيته ثيابي ليغسلها لتنظم هذه المهنة الى مثيلاتها محطما بذلك الرقم القياسي لبرت بلس 3 في 1 ... ولعلمه بأني قد ذهبت لصلاة العيد مستعجلا ولم آكل شيئا ، وقد رجعت بعد الظهر ، رق لحالي واستعمل لغة الإشارة - التي هي لغة التواصل بيني وبينه فهو لايتكلم العربية ولا الإنجليزية – فجمع أصابع يده وأشار بها الى فمه ففهمت مراده وأخبرته أنني أرغب بأكل البيض فقط ، وقد أخبرته بذلك بطريقة بارعة أحسد عليها وأتحفظ على ذكرها مراعاة للذوق العام للقراء ... ألأمر الذي جعلني الوم مدرس الصف الأول الأبتدائي الذي علما حروفا ولم يتمكن من أن يجعلني له عبدا ، ذلك انه جعلني أعيد سنة كاملة بسبب رسوبي بمادة الرياضيات ، ولا زلت احتفظ بورقة الإجابة ذات الخطوط الخضراء وان كانت لا تستحق الحفظ لأنه ليس فيها شيئ يذكر سوى أسمي وكلمة " صفر" بخط أحمر عريض ... حرمني بسببها من راتب سنة كاملة كنت سأكسبه من خلال سنوات تدريسي وأفقدني سنة كاملة من الراحة سأغنمها من تقاعدي ... سامحه الله فقد تقاعد وأفضى الى محل ذهب يقتات منه متأرجحا على كرسي دوار يطل منه على بريق ذهبه ويلوح لها بغترته البيضاء يمنة ويسرة .. ولا الومه في ذلك انما الوم هذا النظام الغريب الذي يعطي طفلا بالصف الأول الأبتدائي ورقة فارغة يسطر فيا جوابا لأسئلة يعتمد إجابتك فيها على دقة نظرك وجودة خط استاذك ... لكني الومه كيف انه لم ينتبه لهذه المهارة التي جعلتني أفهم هذا الأعجمي علها تشفع لي بالنجاح ... فقد أفهمته أني أرغب بالبيض وليس أي بيض إنما بيض دجاج فقد أسعفني لذلك اجادتي لصوت الديك منذ أن كنت بالأول ابتدائي ، فافهامه بذلك اصعب مما لو كنت أريد افهامه بأني اريد بيض غنم مثلا ... فالأولى يلزمها الانكماش والقطقطة والثانية يكفيني منها التمدد وهو بالطبع أسهل بكثير من الأولى لمن هم في مثلي ..!!
وطلبي منه البيض ليس حبا فيها بقدر ماهو حرص على نظافة الأكل وجودة الطبخ .. فهو الأكلة الوحيدة التي لايمكن أن يختلف في طبخها اثنان ، فبعد أن طلبت منه ذلك أزكمت منخري رائحة بصل بنكهة غريبة فذهبت اليه مسرعا فوجدته يقلي بصلا !! فأشرت اليه مستغربا فقال لي بلهجة مكسرة "جكشوكه " فأخذت البيض وغمرته بالماء ثم أوقدت عليه النار في إشارة مني اليه بلغة " الغز " و " الكز " أنك طال عمرك كان ماعليك كلافه تجيبه لي بعد ما يستوي ... فما لبث هنيئة الا وقد أحضره لي بطبق ، فلما اهوى ليضعه على الأرض ، وقرعت صنادحه نافوخي ، واقترب فمه من أنفي تغر تغرة أظنها والعلم عند الله ضرطة ضلت طريقها ، فقد كانت مصحوبة برائحة بيض وبصل وثوم .. حتى استدار من رائحتها رأسي ، وزغللت من غمامتها عيناي , وأشرت اليه بالانصراف ، واثناء ذلك وقعت عيني على يديه فإذا هي لاتسر العدو فضلا عن الصديق ، وترآئى بمخيلتي منظره وقد رأيته ساعة مجيئي وهو يعبث بأنفه بكلتا يديه ، فلا مجال لإحسان الظن بأنه استخدم الاخرى .. حتى كرهت كل أكل امامي .. ثم استدركت لنفسي بدافع الجوع طبعا وقلت : وما ذنب البيض وقد طبخ بالنار ... فاستعذت بالله من الشيطان وأهويت يدي لأنزع البيض من مقامه فرأيته قد قام بتقشيره إكراما لي ...مما جعلني أعاف كل شي لمسته يداه , حتى الغسيل أكملته بدلا عنه ... ثم طفقت أبحث عن تنكة سمسم ماركة الأرياف أهداها لي أحد الزائرين لسيرلانكا أثناء مقابلتي له صباح اليوم بعد صلاة العيد ، وقد قبلتها منه مسرورا لعلمي بما ستأول له حالي اليوم .. وفتشت عنها فلم اجدها فتذكرت اني قد نسيتها مع السائق فقلت هذه الثالثه .. فخطرت ببالي فكرة وهي ان أذهب لأحد المطاعم القريبة لأجد ضالتي هناك مع أنها ليست بأسوأ حالا من صاحبنا ، ولكنهم على القل يراعون مشاعرنا فلا يطبخون أمامنا ، فلما تجهزت للخروج وقصدت الباب فإذا هو موصد بقفل كبير ، وصحت بالحارس فلم يجب ، فاتصلت بالمسئول عن المقر مستفسرا عن سبب وضعي تحت الإقامة الجبرية ، فأخبرني أن الحارس واسمه " نانا " قد ذهب لمعايد أهله وسيأتي غدا ، واستغرب كيف يغلق الباب علي وأنا بالداخل !! ثم أردف قائلا بلهجة الواثق بلغة عربية فصيحة : تريد أن آتي لأفتح لك الباب ؟ فقلت له مستبشرا آآآآي ... وقد صدم بهذه الإجابه فلم يعهد مني الخروج وما علم أن الجوع قد بلغ مني مبلغا ثم قال : ولكني ذهبت إلى أمي وأنا بعيد الآن ..!! فأصابني بلحسة مخ لم أفق منها إلى الآن .. فرجعت لمربضي قصدي مسدحي ومردحي عفوا غرفتي ، أسعفني ذهني بأن هناك كيس لب " فصفص " اشتريتها من محطة السديري قبيل قدومي وقد وضعتها في شنطتي للأمور الطارئة كهذه .. فأخذتها واستففتها ، لهما ، وقضما ، ومضغا ، وتخيلتها لحما ، وهبرا ، وشحما ، حتى تخيلتها كل انواع الطعام ... الا البيض طبعا ..!! يسعفني على سياحة خيالي رشفة ماء بين الفينة والأخرى أزل بها ما علق بفمي من ملوحة اللب ، حتى مللته بل كرهته ، ثم أطرقت ببصري مفكرا في حالي فوقع بصري على البيض فأغرتني بشكلها خصوصا وقد نزع قشرها , فستغفرت الله مما قد قلته عن طباخه لأني قد وجدته بيضا نثريا ، ليس مريسا فيبلع ، ولا حبا فيجرع ، فأهويت يدي لأنزعها من صحنها فوجدتها من البرودة بمكان مما قد يؤدي بي الى التهاب اللوزتين فأمرض دون أن يدري عني أحد فأموت وحيدا جائعا ، لا كما مات أبي مخنف الذي سمع أحدهم آخر يدعوا ويقول اللهم أمتني كميتة أبا مخنف ، فقال له وكيف مات : قال مات شبعان ريان دفيان ، وهذه الشروط لا تنطبق علي ففضلت الجوع عليها ... ثم تذكرت مقولة " إذا ..... فلم تستطع المقاومة فاستمتع " فأردت أن أطبقها ، ففتحت محمولي وأنيسي وجليسي ، وطفقت أبحث عن أخبار البلاد والعباد لعلي أسلي نفسي عن بعدهم ... فوجدت أخبار الأمطار وأن هذا العيد سمي عيد الأمطار ، فتذكرتها وهي تنهال من شغايا الطرق وتخيلت نفسي وقد أوقفت سيارتي على ناصيتها مستمتعا بخريرها ... وقرأت أحوال الأجواء الغائمة والهواء العليل فتخيلت نفسي وقد اقتدت اضحيتي ناصية نفود قد امطر للتو وعلقت أضحيتي على سفحه ... وقسمت لحمه مابين شي " شوي " وحمس " حميسه " ونثر " نثرية" ... فسالت لعابي وتذكرت اني في احلام يقضة وأنها ما زادت طيني الا بلة ، فرفعت يدي لأغلق الشاشة ، فقلت ولم لا أشرك احبابي الذين على عتبة هذه البوابة ليرثوا لحالي ويرحموا جنابي ...
أما بعد
فهذه من القصص التي تطوى ولا تروى أحببت أن أكتب لكم فيها عن حالي وأسمعكم صرير أقلامي ، يكفيني منها ابتسامتكم وان كنت لا أرى أسنانكم ، قصدت فيها ادخال السرور عليكم بما يناسب حال العيد .
ارشيف الصور
البقرة وهي بكامل زينتها يوم العيد ولم تدر ماينتظرها
حال انقضاضي عليها ( لاحظ الذين حول الرقبة )
بعدما لقيت حتفها
وقصة جميلة مضحكة آمتعتنا فيها ونحن في طريقنا للإمارات
ضطرة ظلت طريقها
ههه
أتسائل كيف أستطعت ذبح بقرة وآنا آعرف آنك لاتستطيع ذبح دجاجة
مآجور بأدن الله