اشبيليه المسافرون العرب

أكتشف العالم بين يديك المسافرون العرب أكبر موقع سياحي في الخليج و الوطن العربي ، يحتوى على أكبر محتوى سياحي 350 ألف استفسار و نصائح عن السفر و السياحة, 50 ألف تقرير سياحي للمسافرون العرب حول العالم و أكثر من 50 ألف من الاماكن السياحية و انشطة وفعاليات سياحية ومراكز تسوق وفنادق، المسافرون العرب هو دليل المسافر العربي قبل السفر و اثناء الرحلة. artravelers.com ..
اعتماد
15-02-2022 - 09:15 am
  1. "المعتمد بن عباد" و "أبو بكر بن عمار"

  2. لم لا تجعل ابن عمار من شعرائك يا أبتي؟!

  3. " قبّحك الله يا ابن عمّار، هل يضرب الأمير بزعانف السمك؟!"

  4. ثم يضحكان للموقف الذي وقع لهما، وتحدثت به كل مدينة شلب!!

  5. * *


بسم الله الرحمن الرحيم ....
بما انى احب هذي الساحه جدا واحترم القائمين عليها ...حبيت اشارك وأتمنى مشاركتى تنال اعجابك ....
وهيا ....من كتبات د.نجم عبد الكريم ...شاعران عظيمان : المعتمد ابن عباد وابوبكر بن عمار ....

"المعتمد بن عباد" و "أبو بكر بن عمار"

رغم الصداقة التي خلّداها في أشعارهما، ورغم الود الذي تحدثت به الأندلس كلها في تلك الفترة العاصفة من تاريخ العرب في الجزيرة الجميلة. شاعران.. كان فساد ما بينهما ثم مقتل أحدهما، بداية الضياع للمجد المؤثل في أرض السمن والعسل (الأندلس)!!.. والعجيب أن أولهما كان ملكاً.. بينما كان الثاني صعلوكاً..
  • ولنبدأ حكايتنا بالصعلوك.. حيث نراه يدخل مدينته (الواقعة) في أقصى الجنوب الغربي من الأندلس فوق ربوة متدرجة حتى المحيط الأطلسي. نراه يدخلها على حمار هزيل، وفي ثياب رثة مهلهلة، وليس معه من متاع الدنيا سوى لسان ذرب، وقريحة رائعة، وخيال بديع.. صاحبنا شاعر، ولكنه شاعرٌ فقير، جائع، ومتعب.... كان في السابعة والعشرين من عمره، عندما عُقد في تلك المدينة اجتماع الأمراء.. فمحمد (المعتمد) ولي عهد المعتضد، أمير إشبيلية، شاب في العشرين من عمره، جعله أبوه أميراً على مدينة شلب ليتدرب على الملك، حتى إذا ورثه يكون مستعداً متمرساً بسياسة الحكم، والمعتضد يزور الآن ولده، حيث وصل إليه من إشبيلية محفوفاً بعددٍ من الأمراء.

والمعروف أن محمد شاعر رقيق، وأبوه المعتضد يحسن النظم أيضاً، وقد انتهز ابن عمار فرصة هذا الاجتماع ليلقي شعره على المجتمعين في بلدته.. فتمكن من الوصول إلى القصر حيث ألقى قصيدته عليهم، فبدأها بالقول:
أدر الزجاجة فالنسيم قد انبرى
والنجم قد صرف العنان عن السرى
والصبح قد أهدى لنا كافوره
لما استرد الليل منا العنبرا
والروض كالحسنا كساه زهره
وشياً وقلّده نداه جواهرا
.. فلما سمع المعتضد تلك الأبيات، قال لولده:
أهذا شاعرك يا محمد؟!
ما رأيته قبل اليوم يا أبتي!!
أهكذا يقتحمون حديقة قصرك، وأنا والأمراء ضيوف عندك دون إذنٍ منك؟!!
ولكن ألا ترى أن شعره جميل يا أبتي؟!
وهنا يلتفت المعتضد نحو ابن عمّار ليتوجّه إليه بالسؤال:
من أنت؟.. ومن أين جئت أيها الشاعر؟!
خادمك يا مولاي.. أبو بكر بن عمّار من أهل شلب..
أتمم أبياتك أيها الشاعر..
روضٌ كأن النهر فيه معصم
صاف أطل على رداء أخضر
وتهزّه ريح الصبا فتخاله
سيف بن عباد يبدد عسكرا
أندى على الأكباد من قطر الندى
وألذ في الأجفان من سنة الكرى
فاح الثرى متعطراً بثنائه
حتى حسبنا كل تربٍ عنبرا
وتتوجت بالزهر صلع هضابه
حتى ظننا كل هدبٍ قيصرا
فتصدر كلمات الإعجاب من المعتضد الذي يقول لولده:
لكأن هذا الشاعر قد تفوق عليك يا محمد؟!!
لكأنه كذلك يا مولاي..
لكن ابن عمار يبادر الأمير محمد المعتمد بالقول:
وأين كلماتي الهزيلة من بارع كلماتك يا مولاي الأمير؟!
فيقول المعتمد لأبيه:

لم لا تجعل ابن عمار من شعرائك يا أبتي؟!

ولم لا تجعله من شعرائك أنت؟!.. أتخشى المنافسة؟.. اجزه بألف دينار، وكسوة تليق بمجلسك.
  • * *
  • منذ ذلك اليوم لزم كل واحد منهما الآخر.. وصار الناس لا يرون أميرهم محمد بن المعتضد الشاب ابن العشرين، إلا وفي رفقته الشاعر المرح الظريف أبو بكر بن عمّار بن السابعة والعشرين..
  • ولا أدري كيف استطاع ابن عمار التسلل إلى قلب الفتى المترف الطيب، حتى جعل الناس يرددون إنه أفسد عليهم أميرهم، فترك الاهتمام بإدارة الحكم، ليلتفت إلى اللهو وقرض الشعر ومتابعة الحسان خفية، كأنه واحد من فتيان شلب.. وهذا مخالف للهدف الذي أرسله أبوه إلى تلك المدينة من أجله، وصار الناس يرددون حادثة ليلةٍ تنكر الأمير فيها بثياب تاجر، وخرج إلى شاطئ البحر حيث كانت الفتيات الحسناوات تتجمعن في ذلك الشاطئ.. وراقت إحداهنّ للأمير، فتابعها حتى كوخها، بعد أن أطعمته بضحكاتها، وغمزاتها، ثم دخلت هي الكوخ وأشارت إليه أن يقفز من النافذة.. وما أن قفز حتى انهال عليه أخوتها ضرباً، وما نفعه صياح ابن عمّار: ويحكم!!.. ويحكم!!.. إنه الأمير!!..

ولكن الأمير يصيح فيه خجلاً:

" قبّحك الله يا ابن عمّار، هل يضرب الأمير بزعانف السمك؟!"

ثم يضحكان للموقف الذي وقع لهما، وتحدثت به كل مدينة شلب!!

  • ويسمع المعتضد بسيرة ولده، وما يقوم به من أفعال في تلك المدينة، ويعزو ما طرأ على سلوكه إلى رفقة شاعره الجديد أبي بكر بن عمار، فيطلبهما إلى إشبيلية، ويذهبان معاً، فيرغم الأب ولده على أن يلزم مجلسه ويباعد بينه وبين ابن عمار.. ولكن ما بينهما من صداقة وود.. يدفعهما إلى التسلل والتجوال معاً في مغاني إشبيلية، حتى عادت سيرتهما مع حسناوات المدينة الساحرة ثانية.. وتصل الأخبار إلى أسماع المعتضد، فيأمر بترحيل ابن عمار إلى شلب منفياً، على ألا يغادرها مطلقاً..!! فيكتب أبياتاً يودع بها صديقة:

سكّن فؤادك لا تذهب بك الفكر
ماذا يعيد عليك البث والحذر
وازجر جفونك لا ترضى البكاء لها
واصبر فقد كنت عند الخطب تصطبر
وإن يكن قدرٌ قد عاق عن وطرٍ
فلا مرد لما يأتي به القدر
كم زفرة من شغاف القلب صاعدة
وعبرة عن شؤون العين تنحدر
رضاك راحة نفسي لا فجعت به
فهو العتاد الذي للدهر أدّخر* * *
  • وبينما كان ابن عمار في مدينة شلب تصله قصيدة المعتمد التي يرد بها عليه:

ألا حييّ أوطاني بشلب أبا بكر
وسلهن هل عهد الوصال كما أدري؟
وسلّم على قصر الشراجيب من فتىً
له أبداً شوق إلى ذلك القصر
وليل بسدّ النهر لهواً قطعته
بذات سوار مثل منعطف البدر
وظلّ المعتضد مصرّاً على ألا يعود ابنه إلى مدينة شلب إذ استقر به المقام في القصر مع أبيه ليتعلم منه مباشرة فن الحكم..

* *

ويضرب القدر ضربة ظنها الصديقان عودة إلى الماضي القريب السعيد، أيام اللهو والمرح والشباب العابث.. ولكنها كانت بداية لا تنبئ بتلك النهاية التي انتهت إليها.. فقد مات المعتضد.. وقام بالملك من بعده محمد المعتصم..
مات عباد ولكن بقي الفرع الكريم
فكأن الميت حيّ غير أن "الضاد" "ميم"
وكان أول عمل قام به صاحب (الميم) أي المعتمد أن أرسل إلى صديقه ابن عمار الذي لبّى الدعوة بهذه الأبيات:
لبّيك لبّيك من منادٍ له الندى والرحب والندى
هأنا بالباب عبد قنٍّ قبلته وجهك السني
شرفه والده باسم شرفته أنت والنبيّفيسرّ المعتمد بن عباد لما سمع من صديقه ويستقبله قائلاً:
بالغت، والله كعهدك يابن عمّار.. لشد ما طال شوقي إليك يا أخي..
والله يا مولاي ما كان للحياة طعم وأنت عني بعيد!!.. وأقسم بحبي لك أن أبياتي الثلاثة هذه، هي أول ما كتبت منذ أن غادرت إشبيلية حتى عدت إليها..
عودٌ حميد يا صديقي..
ما أحسب ما ذهب يعود يا سيدي وابن سيدي..
ويحك يا ابن عمار..!!.. أمللتنا ولم تبق معي غير ساعة من زمان؟!.. أم تركت لك قلباً في شلب تود لو تعود إليه؟!..
لا هذا ولا ذاك يا مولاي!!
فما معنى: أصلح الله ما فسد من طبعك!!.. قد كان طبعك المرح والمزاح، لكنك اليوم كئيب الوجه، كثير السهوم، ما الذي حلّ بك يا صديقي..؟!
يا مولاي.. إنك اليوم سلطان هذا الملك الواسع كله، وتلك أعباءٌ لا يتسق حملها مع مثل ما كنا فيه أيام النزق واللهو والدعة..
تعلم والله يا بن عمار إني أحب الجلسة الصافية.. أسمع فيها شعرك.. وتسمع فيها شعري.. أقول شطراً.. وتقول أنت الشطر الآخر..
لا بد مما ليس منه بد يا مولاي.. وما كان لسليل ابن عباد أن ينام عن أمور الحكم ومشاغل السياسة في هذا الظرف العصيب الذي تترصدنا فيه عيون الإسبان، تريد أن ترى منا غفلة، فتنقضّ علينا.
(يتبع)


التعليقات (9)
اعتماد
اعتماد
  1. ومن أين أنت أيها السيد؟!

  2. أنا المعتمد بن عبّاد..

  3. " أفق يا بن عمّار، إن النعم ستزول، وستفقد الكثير إذا لم تفق.."


(2-4)
لعلني لم أرث قدرة أبي!!.. أتحسبني لم أفكر في هذا يا صديقي؟!.. لقد فكرت وقلت أن أبي كان يصطنع الوزراء حتى يستطيع أن يفرغ بعض الوقت، فينال من الحياة ما ينال الناس من الأنس والمرح..
نعم يا مولاي، وقد أكد ما تقوله في هذه الأبيات:
قسمت زماني بين كدٍ وراحةٍ
فللرأي أسمار وللطيب آصال
فأمسي على اللذات واللهو عاكفاً
وأضحى بساحات الرياسة أختال
ولست على الإدمان أغفل بغيتي
من المجد إني في المعالي لمحتال
إذا نام أقوام عن المجد ضلة
أسهّر عيني أن تنام بي الحال
ما دمت يا بن عمار قد جئت على هذه الأبيات لوالدي المعتضد، فلا بدّ لي أن أصطفي لي وزيراً يقوم مقامي في إدارة الأمور والحكم.. وزيراً أثق بقدرته، وأعلم أنه لا يطمع في أن يستبد بالأمر دوني..
كان أبوك رحمه الله يجد أمثال هؤلاء حوله كثيرين.. فأين من حولك مما تحب؟!
وجدت من أثق في قدرته، وأعلم أمانته، وأعرف أنه لن يفارقني حينما، وحيثما أريد!!
ومن ذاك يا مولاي؟!
أبو بكر ابن عمار..!!
أنا؟!.. أنا.. وزير سلطان الأندلس؟!..
(ضاحكاً) نعم.. وزيره، وصاحبه، وإلف شبابه.. أهلاً بك يا وزيري..
مولاي!!
من الآن تمارس العمل..
كشاعر.. أم وزير..؟!
هذه اللحظة كشاعر: أكمل هذا البيت يا ابن عمار..
" هذا المؤذن قد بدا بأذانه"..
" يرجو بذاك العفو من رحمانه"
طوبى له من شاهد بحقيقة"
إن كان عقد ضميره كلسانه."
عجباً لك.. ماذا جرى لمزاجك يا ابن عمار؟!.. أحس في صوتك التوجس والتشكك.. أولا تحس مزاجي من شعري؟!.. الوثوق، والاطمئنان؟!..
أوأفتح قلبي يا مولاي؟!
كل ساعة لك عجيبة!!.. ومنذ متى كان قلبك لي مغلقاً؟!
أما التوجس والتشكك، فبسبب قلة حيلتي، وضعف موقفي من الناس جميعاً.. أما الوثوق والاطمئنان، فبسبب ما أنت فيه يا مولاي من مجدٍ وعزةٍ وقوةٍ أمام الناس جميعاً.
لم أرك فيلسوفاً من قبل يا ابن عمار!!.. لشدّ ما غيّرتك الإقامة في شلب.. هيا إلى الصلاة!!.
  • * *
  • وسكن ابن عمار في قصره الجديد الملحق بقصر الإمارة، وكان حريصاً على مشاعر سيده، وكانت تصيبه الغيرة القاتلة والحسد من الآخرين الذين يتوددون للسلطان.. فعمل على استحكام شدة قبضته، لدرجة أن البعض كان يراه يتصرف وكأنه هو الحاكم في مصير الأندلس.. وصار مثل هذا الشعور ينتاب المعتمد بن عبّاد حيال صديقه.. والملوك لا تغفر لمن يتحلب ريقه إلى سلطانهم!!.

لكن ابن عباد أراد أن يتجاوز عن تلك الأفكار التي تراوده حيال صديقه ابن عمار.. فأراد أن يسترجع معه أيام اللهو التي قيدتها تبعات الإمارة، والوزارة.. فدعاه إلى رحلةٍ يتنزهان فيها، وتنكرا بهيئة تاجرين، وذهبا إلى منتزه بإشبيلية، يطلق عليه الناس ( مرج الفضة) لجمال منظره، وطيب هوائه، وجلسا في أمسيةٍ رقّ فيها النسيم، وطاب فيها الهواء.. فعبّر المعتمد عن ذلك المنظر، وهو يحدث صديقه ابن عمّار:
منظرٌ بديع!!.. انظر إلى حركة مياه النهر مع مداعبة النسيم..
والأبدع من كل هذا وذاك يا مولاي الأمير!!
على رسلك يابن عمار.. لا تنسى أننا مجرد تاجرين، فدع الأمارة والوزارة حتى لا تنفر منا تلك الحسناوات اللائي يغسلن الثياب على حافة الغدير..
صدقت.. صدقت.. أنظر إلى تلك الفتاة الطويلة.. إنها أروعهن جميعاً..
دعنا من النساء الآن، لنبقى مع منظر هذا النهر، وما يفعله النسيم في مائه.. واسمع هذا البيت.. ثم ردّ عليه:
ترقرق الماء بهفهاف النسيم واطّرد
يا لوحة أبدعها بفنه الفرد الصمد
فلم يجب ابن عمار وظل ملتزماً الصمت..!!
فقال له المعتمد:
ماذا جرى؟!.. أين قريحتك؟!.. قد كنت تسبقني في القريض!!
أمهلني لحظة.. أولا يفكر الشاعر؟!
فكرر المعتمد عليه بيت الشعر، وكانت الشابة الطويلة القامة التي تقوم بغسل الثياب في النهر قريبةً منهما، وكأنها قد استرقت السمع لبيت الشعر، ولمحت عجز ابن عمار عن مجاراة صديقه.. وإذا بها تقول:
أجمل بها يوم الوغى لو أن ذا الماء جمد
تخالها منسوجةً من جلّق ومن زرد
فيُدهش المعتمد بن عباد ويقول في دهشة وإعجاب:
بالله لقد غلبتك والله يا صديقي.. من علّمك الشعر يا جارية؟!..
فتجيبه:
" علّمنه شعر مولانا المعتمد سلطان إشبيليا، وشعر وزيره أبا بكر بن عمّار!!"
اقتربي يا جارية.. من أنتِ؟!..
يدعونني يا سيدي " رمكية"
اسم عجيب!!.. وكيف يطلق عليك هذا الاسم وأنت بهذا الجمال الخلاّق..
حكم السيد على عبدته..
وما اسم سيّدك؟!
رميك بن حجاج!!
وأين يقيم يا رمكية؟!..
على غير بعيد من هنا..
وهل اتخذك زوجة؟!
وكان لي منه طفل اخترمه الموت..
من الرق إلى الرق؟!..
أعتقك، وأتزوجك إن طلقك الرجل بغير مَنٍّ ولا أذى.. إذا عدتِ إلى البيت يا رمكية، فقولي لزوجك يأتيني في القصر، ولا تذكري له السبب..

ومن أين أنت أيها السيد؟!

أنا المعتمد بن عبّاد..

  • * *
  • ولم يكن رميك بن حجاج في حاجة إلى معرفة السبب.. يكفي أن المعتمد بن عبّاد سلطان إشبيلية شرّفه بشراء جارية أخذ منها مبتغاه ومات عنها طفلها..
  • دخلت رمكية قصر المعتمد، لتصير سيدة القصر، وسيدة قلب صاحب القصر.. وبدأت الغيرة والوساوس تنهش قلب ابن عمّار.. أجاءت هذه الجارية لتسلبه حب صاحبه له؟!.. ومن يدري لعلها تغيّره عليه فيفقد الوزارة، ويعود إلى حياة الصعلكة والفقر، والتسول بالبيت أو البيتين من الشعر..

لكنه كان يخفي ما بصدره ويظهر للعاشق وللمعشوقة البشر والبشاشة.. بل حين عزم المعتمد على تغيير اسم زوجته الحبيبة، اقترح عليه ابن عمّار اسم " اعتماد" بدلاً من " رمكية"، باعتبار أن الحاكم المعتمد وزوجته اعتماد.. وحين غاضبت اعتماد زوجها يوماً، أرسل إلى صديقه ابن عمّار أن يتدخل ليعود الصفاء إلى قصره بعد أن تكدّر عندما غضبت الحبيبة. ووافاه بأبياتٍ من الشعر، فحملها الوزير، وقرأها أمام زوجة أميره كي يعود السلام بينهما، قال فيها:
أغائبة الشخص عن ناظري
وحاضرة في صميم الفؤاد
عليك سلام بقدر الشجون
ودمع الشؤون وقدر السهاد
تملّكتِ مني صعب المرام
وصادفتِ ودّي سهل القياد
مرادي لقياك في كل حين
فيا ليت أني أعطى مرادي
أقيمي على العهد ما بيننا
ولا تستحلي لطول البعاد
دسست اسمك الحلو في طيّه وألّفت فيه حروف "اعتماد"
وكان ابن عمار يخفي مشاعره الحقيقية في صدره، ولكنه كلما دخل دهاليز النعاس، كان يتراءى له شبحٌ ينبثق إليه من عيني رأسه، فيردد له:

" أفق يا بن عمّار، إن النعم ستزول، وستفقد الكثير إذا لم تفق.."

وظلّ المسكين قلقاً في النهار ويعاني من الأرق في الليل، ومضطرب، كثير السهر والسهوم، وكان يتساءل: هل تغيّر قلب المعتمد بن عباد عليّ، وصار يضيق ببقائه بالقرب منه؟!، غير أن الواقع يقول بعكس ذلك، فكلما لقيه المعتمد كانت البسمة الحلوة التي اعتادها منه على شفتيه، والكلمة الرقيقة التي تنعش الأمل، وتمحو القلق، وتبذر زهور الثقة الرطبة الندية في نفسه.
ما باله يفرغ طويلاً في نفسه، وتزدحم في رأسه التساؤلات: ما باله يفرغ طويلاً إلى الرمكية، وقد مرّ على زواجهما أكثر من عام؟!.. ألا يملكها؟!.. ألا يشبع من التطلع إلى وجهها؟!.. هل سلبته المرأة قلبه وعقله؟!..
هل أطرح الوزارة وأفرّ من إشبيلية قبل أن تفسد الرمكية ما بيني وبين صديقي؟!.. إلى متى يا ربّ هذه الحيرة..؟!.. مَن يريني طريقي ومذهبي في الحياة غير الله..؟!
(يتبع)

الأندلسي
الأندلسي
اعتماد
وكفى
نعم الأسم بطل الزلاقه ومقدامها أفضل ملوك الطوائف على الإطلاق
سنذكر لك دائما يامعتمد ذلك الثبات العظيم يوم الزلاقه سنذكر لك شجاعتك في مواجهة
ألفونسو سنذكر لك نصرة المسلمين وسنذكر لك تأخير سقوط الأندلس بإرسالك للمرابطين ؛ برغم نكبتك
وعائلتك إلا إننا ندين لك بالكثير فعلى قبرك السلام في أغمات ؛ نحن نحبك لأنك رغم كل ماذكرت أنك
المعتم د
شكرا لكي يالروميكيه وواصلي فهناك متابعون.

اعتماد
اعتماد
....
" " ... .... ... ... ... ...

ايه هين
ايه هين
روعه وابداع وسرد شيق

ايه هين
ايه هين
روعه وابداع وسرد شيق

اعتماد
اعتماد
  1. المعتمد بن عباد وأبو بكر بن عمار

  2. د نجم عبد الكريمشاعران عظيمان: (3-4)

  3. " أولا تهب شاعرنا ولاية يكون أميراً عليها؟!.."

  4. كأن مولاتي السلطانة تريد الخلاص مني؟!..

  5. " يا ابن عمّار.. يا ابن عمّار.. أيها الحراس أين ذهب الوزير..؟!"

  6. إذا مت عنها قام بعدي وارث؟!


المعتمد بن عباد وأبو بكر بن عمار

د نجم عبد الكريمشاعران عظيمان: (3-4)

وتكسر هذه التساؤلات رغبة المعتمد بن عبّاد في طلبه إليه أن يصطحبه اليوم كله.. فيناقشه في أمور كثيرة في شؤون إدارة الدولة، وعندما جاء الليل، تفرغا لبعضهما البعض كما كان العهد بهما قبل دخول اعتماد الرمكية قصر السلطان، حتى إذا أذن الليل بالنوم، وتحرك الوزير ابن عمّار ليقوم إلى بيته، يقول له المعتمد برجاء:
أقسمت عليك يا أخي أن تقضي الليلة معي!
ذهب أكثر الليل يا مولاي.. وباقيه أدعه لمولاتي اعتماد.. فما أحب أن أغضبها، بإبقائك كل الوقت.
تغضب السلطانة؟!.. ألا إنها عنك راضية يا أبا بكر.. ولقد أريتها شعرك الأخير في مدحها، فقالت:

" أولا تهب شاعرنا ولاية يكون أميراً عليها؟!.."

كأن مولاتي السلطانة تريد الخلاص مني؟!..

ما أرادت إلا تكريمك.. لأنها تعلم مقدار حبي لك، وقدر ودّك ووفائك لي.. ولكني والله يا أخي ابن عمّار، لا أريد فراقك أبداً.. ومادام أوان النوم قد لاح، فقد أُعدت لنا في هذا المكان غرفة.. فوالله لتضعن رأسك يا أخي معي على وسادٍ واحد..
يا مولاي، هذا كان يحدث عندما كنا في شلب، أما الآن، فهناك من يشاركك السلطان، فهي أحب عندك من أقرب الناس إليك..
هيا.. هيا يا أخي إلى النوم.. ودعني بربك أغمض عيني على أنغام كلماتك، ما آخر ما قلت يا أبا بكر..؟
لو تقارضنا الشعر يا مولاي لطالعنا ديك الصباح..!!
صدقت يا ابن عمّار، ولكنني أريد بك العودة إلى أيام شلب ولهو الشباب.
فخذ إذن هذين البيتين:
تذكرني عهد الصبا كأنما
قدحت بنار الشوق بين الحيازم
ليلي لا ألوى على رشد لائم
عناني ولا أثنيه عن غىّ هائم
أجيبك يا ابن عمّار ببيتين أيضاً:
أنال سهادي من جفون نواعس
وأجني عذابي من غضون نواعم
هو العيش لا ما أشتهيه من السرى
إلى كل ثغرٍ آهل مثل طاسم
وظلا يتسامران شعراً إلى أن غلب عليهما النوم.. لكن نوم ابن عمّار لم يكن تلك الليلة هانئاً، فما أن بدأ غطيط النوم يغالبه، حتى راوده ذلك الشبح:
"لا تغتر يا ابن عمّار، فإن شاركك اليوم في وسادة واحدة.. فسوف يفتك بك ولو بعد حين، فانجو يا ابن عمّار بنفسك واهرب التماساً لنجاتك.."
ويقوم مفزع النفس، وتلتقي نظراته في وجه صديقه الطيب النائم قربه.. ويستغفر الله من أضغاث أحلام صارت تداهمه كثيراً منذ أن دخلت الرمكية قصر صديقه... ويحاول النوم ثانية، فلا يكاد يسلّم له جفونه، حتى يلوح له الشبح:
" ويحك يا ابن عمّار، لا ينفعك الوعيد حتى ترى نفسك مجندلاً في هذا القصر بيد صديقك الذي ينام وإياك على سريرٍ واحد.. اهرب يا أبن عمّار، وانج بنفسك!!"
هذه المرة يقوم ابن عمّار خائفاً متوجساً موقناً أن هذا الشبح أو هذا الهاتف يعلم ما لا يعلمه هو.. فسوّلت له نفسه أن يخرج مستخفياً حتى يصل البحر، ليتخذ طريقه نحو شمال أفريقية فيبقى هناك بعيداً عن كيد اعتماد، وغدر المعتمد..
وعندما يستيقظ السلطان فلا يجد صاحبه، فيصيح:

" يا ابن عمّار.. يا ابن عمّار.. أيها الحراس أين ذهب الوزير..؟!"

فينتشرون وبأيديهم الشموع باحثين في كل زوايا القصر من الداخل والخارج.. فيظن المعتمد أن صديقه قد تعرض لمكروه، ويصيح بالحرس:
" أين اختفى..؟!.. إني والله لأخشى أن يكون قد اختطف، فرجال عدونا ألفونسو يتربصون به بسبب هزيمتهم أمام الجيوش التي قادها ابن عمّار قرب قرطبة!!.. أقسم لو ناله مكروه على أيديهم لأقتلنّ به ألف أسير من رجالهم.."
وبينما كان المعتمد بن عبّاد يتحرق أسىً ولوعةً على صديقه.. الذي أمضى ليلة معه ثم اختفى عند تباشير الصباح.. جاءه الحراس يحملون حصيراً مطوياً، وجدوا فيه حركة، مما أكد لهم أن مصدر هذه الحركة إنما هو جسم لإنسان.. ونفضوا الحصير أمام المعتمد الذي أصابته الدهشة حينما رأى ابن عمّار يتوسل إليه، طالباً منه الرحمة:
كيف دخلت في هذا الحصير يا ابن عمّار؟!
الرحمة يا مولاي.. بحق السماء لا تقتلني!!
أقتلك!!.. أنا أقتلك يا صديقي؟!!
إذن.. لم السيف في يدك؟!
إنما خرجت به لأقتل من مسّك بشرّ.. تعالى يا ابن عمّار.. ما حملّك على هذا الاعتقاد؟!.. تعالى يا صديقي إلى الغرفة.. تعالى..
وبعد أن دخلا إلى إحدى صالات القصر، وكانا بمفرديهما.. أراد المعتمد أن يخفف عمّا ألمّ بصديقه:
إنك ترتعد.. اجلس.. والآن وقد هدأت نفسك.. بالله حدثني، ما الذي حمّلك على هذا؟!..
أخفيت نفسي في الحصير كي لا يراني أحد وأنا أسعى إلى البحر كي أغادر إلى شمال أفريقيا!!
ولمَ يا صديقي؟!
حلم رأيته.. كلما سربلني النوم، رأيت شبحاً يقترب مني، وينصحني بالهروب، ويحذرني منك.. فرأيت أن أهرب قبل أن يلحق بي غضبك، وتقتلني!!
أنا أقتلك يا أبا بكر؟!.. كيف أقتلك؟!.. أرأيت أحداً يقتل نفسه؟!.. وهل أنت عندي إلا نفسي..؟!.. عُد إلى وسادتك يا رفيق الصبا، ودع عنك أضغاث الأحلام!!
ولما علمت اعتماد الرمكية بما حدث، أزعجها ذلك الاهتمام الزائد عن الحد الذي يبديه زوجها نحو صديقه!!.. فعاتبت المعتمد أن يتركها طوال الليل، ويقضيه بمنادمة صديقه ابن عمّار!!.. فيقول لها زوجها:
يكاد ابن عمّار أن يهلك نفسه في شؤون إدارة البلاد.. والله لو لا سياسته مع ألفونسو الإسباني لضاعت قرطبة..!!
وما يدريك ما يدبّر في الخفاء مع ألفونسو؟!
الخفاء؟!.. أبو بكر ابن عمّار..؟! الذي مال دولتنا كله بين يديه.. لا يا حبيبة القلب.. إنه..
ما عدت أرى لك حبيباً غير ابن عمّار هذا!!
أنت زوجتي.. ريحانة القلب، وهو صديقي، وإلف شبابي، وصاحب ملاعب صباي.. وأقسم لك أنه دائماً يذكرك بأجمل أشعاره..
ما دمت تثق به كل هذه الثقة، ارسله في جيشٍ يفتح لك " مرسية" التي في أيدي الإسبان، فإن فتحها، فتثبته والياً عليها..
يبدو أنك تودين أن يقتل ابن عمّار في مواجهته للإسبان، ولكنني أؤكد لكِ أنه سيفتح ( مرسية).
  • ويصدر ابن عبّاد أوامره إلى صديقه أن يخرج لفتح مرسية التي اغتصبها ألفونسو، وينجح الشاعر الفارس فيما ظنّته اعتماد الرمكية أنه لن ينجح فيه..

وما أن تصير مرسية في يده حتى يثبته المعتمد حاكماً عليها.. وقد كتب له في هذا التعيين أبياتاً:
تغيّر لي فيمن تغير "حارث"
وكل خليل غيّرته الحوادث
أحارث إن شوركت فيك فطالما
نعمنا وما بيني وبينك ثالث
فأجابه ابن عمّار، الذي قرر ألا يعود إلى إشبيلية بأبيات تنبئ عن رغبته هذه:
لك المثل الأعلى وما أنا "حارث"
ولا أنا ممن غيّرته الحوادث
ولا شاركته الشمس فيّ وانه
لينأى بخطى منك ثان وثالث
فديتك ما للبشر لم يسر برقة
ولا نفحت تلك السجايا الدمائث
أظن الذي بيني وبينك أذهبت
حلاوته عنّي، الرجال الخبائث
وهل أنا إلا عبد طاعتك التي

إذا مت عنها قام بعدي وارث؟!

ولكن المعتمد لم يكف عن دعوة صديقه إلى العودة.. ولم يكف ابن عمّار عن اعتذاراته.. وقد كثرت بينهما القصائد المتبادلة، حتى يرتكب ابن عمّار خطأً هو أبشع ما يمكن أن يرتكبه صديق في حق صديقه..
  • فابن عمّار، بعد أن خاض غمار الحياة، ونجح فيها نجاحاً ملحوظاً في إدارة دفة الأمور السياسية والمعارك العربية، ناهيك عمّا حققه من سمعةٍ طيبة في الشعر والأدب، أخذت نفسه تسوّل له من أنه هو الذي لديه القدرة على تثبيت الحكم القوي في الأندلس، وظنّ أن حكمه لمرسية التي افتتحها سيحقق له ما تطمح إليه نفسه: " إن المعتمد ابن عبّاد شاعر وأنا شاعر."
  • لكنه يتعثّر عندما تأتيه هذه الحقيقة عن المعتمد، وهي أنه سليل ملوك، وهذا ما يقض مضجعه.. فليس لأسلافه من نصيب في شيوع الذكر، ولا عراقة الأصل..

يتبع...

اعتماد
اعتماد
  1. شاعران عظيمان: الحلقة الرابعة والأخيرة

  2. د نجم عبد الكريم"المعتمد بن عباد" و "أبو بكر بن عمار"

  3. تركوا العداوة قصير الأعمار

  4. و لا يلتام ما جرح اللسان

  5. ولا تلتفت قول الوشاة ورأيهم

  6. فكل إناءٍ بالذي فيه ينضح

  7. فينهار ابن عمّار باكياً..

  8. أقلني يا مولاي، إنها لآخر زلة!!


شاعران عظيمان: الحلقة الرابعة والأخيرة

د نجم عبد الكريم"المعتمد بن عباد" و "أبو بكر بن عمار"

  • كانت نار الغيرة تتأجج في صدر ابن عمار، وتوشك أن تنسيه أيادي المعتمد التي امتدت إليه.. حتى أن القصيدة التي بعث بها إليه المعتمد يوماً يمتدحه فيها باعتباره خرج من بيئة غير كريمة كما جاء في هذه الأبيات:

الأكثرين مسوّداً ومملكا
ومتوجاً في سالف الأعصار
المكثرين من الكبار لنارهم
لا يوقدون بغيره للساري
والمؤثرين على العيال بزادهم
والضاربين لهامة الجبار
لما نماهم للعلا عمّارهم

تركوا العداوة قصير الأعمار

كانت هذه الأبيات تنهش في صدر ابن عمّار، ويراها تعريضاً، وسخرية بأهله.. لكنه يدرك بقرارة نفسه أن المعتمد لو كان لا يحبه، لما قبل أن يثبته على مرسية..
  • ولعبت المقادير لعبتها، عندما أصرّ المعتمد على ابن عمّار في العودة إلى إشبيلية، لكن هذا الأخير قد تمسك بالولاية على مرسية لأنه كان يعتقد جازماً أن الرمكية تترصده وتخطط لإزالته، ولو ذهب إلى إشبيلية فلن تدعه يخرج منها حياً..

ولهذا فقد عقد العزم أن يتمرد على المعتمد بن عبّاد، حتى وإن اقتضاه الأمر أن تكون المواجهة بينهما حربية..
وبدأ اتصالاته بقادة قوات الأمراء الذين كانوا يعادونه بالأمس، والذين أشبعهم هجاءً في شعره.. لكنه الخوف الذي يكرسه بداخله ذلك الشبح، من أن صديقه سيقتله بيده..
.. ومرةً أخرى يلح المعتمد على صديقه في العودة إلى إشبيلية بعد أن عيّن ل مرسية والٍ جديد، ويكون أمر المعتمد هذه المرة، متسماً ببعض الشدة، فيفقد الغضب والخوف ابن عمّار اتزانه، وينسيه حبه لصديقه، وينطلق لسانه في مجلس من مجالسه بقصيدة بالغة العنف موجعة الهجاء، سبّ فيها المعتمد وزوجته الرمكية وأولادهما سبّاً قبيحاً، لا يليق بمنزلة الشاعر ولا بإنسانية الحاكم والصديق..
ويقرأ المعتمد بن عبّاد تلك الأبيات:
ألا حيّي بالغرب حياً حلالاً
أناخوا جمالاً وحازوا جمالا
وعرّج بيومين " أم القرى "
ونم فعسى أن تراها خيالا
تخيرتها من بنات الهجان
رمكية ما تساوى عقالا
فجاءت بكل قصير العذار
لئيم النجارين عمّاً وخالا
قصار القدود و لكنهم
أقاموا عليها قروناً طوالا
سأهتك عرضك شيئاً فشيئاً
وأكشف سترك حالاً فحالا
  • حزن ابن عبّاد حزناً شديداً لما آل إليه أمر صديقه من خيانة العهد والتنكر للصداقة.. وقال:

" أما إنه لو تعرض لي لعفوت عنه بحق الأيام السالفة.. ولكنه تطاول على أولادي وزوجتي:
جراحات السنان لها التئام

و لا يلتام ما جرح اللسان

ثم يأمر ابن اللبّانة قائد جنده أن يخرج بجيش لجب، وأن يأتي بابن عمّار مقيداً.
  • ويدخل به ابن اللبّانة إلى مجلس المعتمد ذليلاً مهاناً، جمعت يداه إلى عنقه بقيدٍ من ليف، وعليه جلباب بائع شعير.. وجعل المعتمد يطرح السؤال تلو السؤال، ويعدد عليه أياديه ونعهم.. ثم يسأله:

أكذبت عليك في شيء مما قلت يا بن عمّار؟!
والله ما كذب غيري يا مولاي.. ولست أنكر شيئاً مما ذكرت.. أبقاك الله، ولو أنكرته لشهدت عليّ به الجمادات فضلاً عمن ينطق!!
فماذا؟!
عثرت، فأقل.. وزللت فأصفح..!!
هيهات يا بن عمّار.. هيهات.. إنها عثرة لا تقال!!
أهو القتل يا مولاي؟!
فإن كان؟!
فاقتلني بيدك.. فهكذا رأيتك في الحلم تفعل!!.. وهذا ما كان يردده عليّ الشبح..
لبئس ما تطلب مني.. خذوه إلى السجن، حتى أنظر في أمره..
  • ويسجن ابن عمّار في غرفة بالقصر الذي شهد مجده أيام حظوته عند المعتمد.. وطال سجنه.. وكثر ما كتب إلى المعتمد من رسائل الاستعطاف حتى كان آخرها:

سجاياك إن عافيت أندى وأسجح
وعذرك أن عاقبت أجلى و أوضح
وإن كان بين الخطتين مزية
فأنت إلى الأدنى من الله تجنح
حنانيك في أخذي برأيك لا تطع
عدايا ولو أثنوا عليّ وأفصحوا
فإن رجائي إن عندك غير ما
يخوض عدوى اليوم فيه ويمرحوا
أقلني بما بيني وبينك من رضىً
له نحو روح الله باباً يفتّح

ولا تلتفت قول الوشاة ورأيهم

فكل إناءٍ بالذي فيه ينضح

  • ويرقّ قلب المعتمد لصديقه ويذهب لزيارته في سجنه، وتكون خلوة يتذاكر الصديقان فيها أيامهم الحلوة.. ولياليهما الصافية.. ويبكي كل منهما على صدر صاحبه.. ويخرج المعتمد متأثراً بعد أن عقد العزم بقرارة نفسه أن يعفو عن صاحبه.. ولم يشر له بذلك صراحةً، ولكنه أوحى إليه بإيحاءات تدل على نيته، وطلب إليه أن يتفاءل خيراً.. وأن يكتم أمر زيارته له.
  • لكن ابن عمّار يستخفه الطرب، فيكتب إلى صاحب له في القصر بما دار بينه وبين السلطان.

إلا أن حاشية الملوك أكثر الناس حساسيةً لاتجاهات ريح السياسة.. وكان الجميع في القصر يدركون أن شمس ابن عمّار قد أفلَِت، فذهب ذلك الصديق بالورقة التي جاءته من ابن عمّار وهو في سجنه.. ليسلمّها إلى ابن اللبّانة الوزير الجديد الذي ذهب هو بدوره إلى المعتمد مصطنعاً الغضب، حيث فاجأ المعتمد بقوله:
يا مولاي.. قد جئت أرجو السماح لي بمغادرة إشبيلية!!
لمَ يا ابن اللبّانة؟!
لأقيل نفسي قبل أن تستغني عن خدماتي..
ويحك أيها الوزير!!.. أأنا قلت لك هذا؟!
كلا يا مولاي..
فمن إذن..؟!
وزيرك الكبير أبو بكر ابن عمّار!!
ابن عمّار في السجن، فكيف جاءك إنه قال هذا..؟!
أرسل من سجنه بهذه الورقة إلى بعض أصحابه، يقول فيها إن مولانا قد وعده بالعودة إلى مركزه أقوى مما كان، وعندها فسوف ينتقم من كل أعدائه!!.. ولا أظنه سينسى يا مولاي أنني جئت به مكبّلاً مهزوماً من مرسية..
صه.. صه.. فإن لي عينين أقرأ بهما.. إذن فلم يحسن حتى أن يحفظ سره وسرى..!!
ثم يقوم المعتمد وبيده هراوة حديدية.. مسرع الخطى وقد استبدّ به الغضب والحنق حتى إذا كان في غرفة السجن صاح:
يا ابن عمّار.. هل أخبرت أحداً بما كان بيني وبينك عندما زرتك هنا..؟!
حاشا أن أفعل يا مولاي..!!
ولكن بهذا أخبرني من لا أتهم، ولا أشك في صدقهم!!
كذبوك.. يا مولاي.. أقسم برأسك أنهم كذبوك..
أولم تكتب إلى بعض أصحابك أنني عفوت عنك، وسأعيدك إلى الوزارة..؟!
يا مولاي.. أقسم بحبي لك إنني لم أفعل ما يفترون به عليّ..
فما تقول في هذه الورقة وهي بخطّك والكلام كلامك..؟!

فينهار ابن عمّار باكياً..

أقلني يا مولاي، إنها لآخر زلة!!

والله ما أقيلك أبداً.. لقد رأيت في منامك أنك تموت بيدي.. وقد صدق هاتفك أيها الخبيث.. وفي غضبٍ جارف هوت الهراوة الحديدية المرة بعد الأخرى على رأس ابن عمّار.. ولم يكف المعتمد عن الضرب العنيف، وكأنه قد انتابته حالة هستيرية وهو يضربه، إلا بعد أن صار السجين جثةً هامدة..
وحين أفاق المعتمد بن عبّاد على نفسه، انكفأ على جثة صديقه، وأخذ يبكي وينشج، وفقدت الأندلس شاعرها الكبير أبو بكر بن عمّار الذي قتلته هواجسه.. والعقد المترسبة في داخله، حيال صديقٍ أحبه، وأخلص له الودّ..

اعتماد
اعتماد
وإلى هنا نأتى الى ختام الحلقه واتمنى ان تحوز على اعجابكم ورضاكم ...والسموحه على التأخير

ايه هين
ايه هين
حازت على إعجابنا و احسسنا أننا نعيش في ذلك الزمن.


خصم يصل إلى 25%