كنت حاضراً لبعض المشاهد .. مهزلة .. مهزلة .. مهزلة بكل ما في الكلمة من معنى وأضيفوا إن شئتم معاني جديدة عليكم حتى وإن لم تشاهدوا ما رأيته بعيوني ..! الموقف سيتحمل كل المعاني وثقوا بما أقول .. سمعت صراخاً .. رأيت تجمهراً كتجمهر من هم يشترون من مطاعم مكة شرفها الله والقريبة من الحرم قبل أذان الفجر في رمضان بنصف ساعة .!
رأيت تخلفاً لا يوصف .. رأيت وجوهاً لشباب وقد اسودت من بقائها في كازا بعد أن رفضهم الإنتظار وبعد أن ( كُنسلت ) حجوزاتهم المؤكدة دون وجه حق ودون تبرير ودون وضع حلولاً لهم .. وسمعت ممن أثق به أن هناك شباباً قد توسدوا حقائبهم وناموا أياماً في المطار بعد أن لم يبقَ من رصيدهم موارد تكفي لإيوائهم في أحد الفنادق .!
والله مهزلة .. والله تخلف .. وربي أنني ضحكت من رؤية الإختلافات الحادة التي وصلت للسب لموظفي الخطوط السعودية في مطار " محمد الخامس " في كازا .! كنت أعتقد أن هذه المشاهد لن أرها ولكنني رأيتها ورآها معي الكثير ممن يحملون جنسيات مختلفة وقد كانوا مستغربين وينظرون لتلك المشاهد بصمت أوصلني لحالة من الخجل أن تلك الخطوط الجوية تحمل إسم وطني .!
أنا ورفيقي طالتنا المشاكل لكنها لم تكن مؤثرة بالصورة التي تأثر بها غيرنا .. فرصيدي كان عامراً ولله الحمد ويكفيني حتى العيد .. وإجازتي لا مشكلة فيها ولم أذهب للمطار سوى لمرة فاشلة واحدة قبل أن أعود ولله الحمد في المرة الثانية ..
أقلعنا من جده وكان حجز العودة عندنا إنتظار على رحلتين متتابعتين .. وكنت قد حرصت على أن نكون برقمي حجز .. بخبرة السفر عندي توقعت أن الثلاثة أسابيع كافية جداً لتأكيد حجز لراكب واحد وقللت حجم المخاطرة لوجودي أنا وهو على رحلتين متتابعتين .. والصدمة أنني وبعد وصولي لكازا أُلغيت حجوزاتنا وحجوزات من معنا ومنهم من يملك حجزاً مؤكداً وأقفلت الرحلات حتى شهر رمضان الكريم .!
طلبت من أحد الأصدقاء الأتصال على الحجز المركزي بالرياض وقالوا بأن الحجوزات ألغيت لأننا لم نسافر أصلاً من جده إلى كازا ولهذا ألغيت حجوزات العودة .. وقال المشرف لصديقي أننا قد ظلمنا وعلينا ان نذهب للمشرف على مكتب السعودية بكازا ونشرح وضعنا له وهو المسئول عن حل مثل هذه المشاكل .. لكننا كنا في طنجة ونبعد أكثر من 300 كيلومتراً عن كازا .!
إتصلنا على المكتب المذكور وأفادنا بأن ليس في يده شيء وأن السبب في ذلك كان من جده عندما تأخرت الرحلة ساعتين عن موعدها .! أصبحنا مثل الكرة نتقاذف ما بين جده وكازا .. وفي الأخير قررنا أن نذهب يوم الجمعة الماضي وفي موعدنا الذي حجزنا عليه رحلة العودة ومعنا ما يُثبت أننا كنا نملك حجزين على الرحلة قد أُلغيا وحرصنا على التواجد قبل الإقلاع بأربع ساعات حتى نتمكن من التسجيل في قائمة الإنتظار باكراً وكان ذلك .. ووضع إسمي الأول واسم رفيقي الثاني في القائمة ونحن نتوقع بأن الأمر سيكون عادياً ..
مضت ساعة تلو الأخرى حتى توافد المسافرون بكثرة وكلهم يحملون نفس المشكلة .. بعضهم بلا حجز .. وبعضهم كان انتظاراً لم يؤكد .. وبعضهم كانت لديهم حجوزات مؤكدة قد أُلغيت وبعضهم لديهم حجز عودة مؤكد وأتوا في الموعد ورفضوا بسبب أن تذاكرهم بها خصم رغم أنهم أتوا بها إلى كازا ..! وظللنا نلاحق المشرف العام أينما حل وارتحل .. وتخيلوا أعداد العشرات وهم يسيرون خلفه .!
الذي حصل أننا لم نقلع ووعدنا بيوم الأحد لأن الرحلة من كازا إلى جده لن تكون بنفس الضغط الذي كانت عليه رحلة الجمعة ولن تمر على ملقا قبل وصولها لجده .. وعدنا بالفعل يوم الأحد وقد كنا قد وعدنا بأن قائمة الإنتظار يوم الجمعة ستكون لها الأولوية .. وعندما وصلنا رأينا تجمهراً أكبر من يوم الجمعة ورأينا من تجاوز الصبر لتكراره العودة للمطار دون جدوى .. إستمر الشحن .. فمرة تجد شيخاً مغربياً ثائراً جداً على خطوطنا وما فعلوا به .. ومرة تسمع من أحدهم عبارات التهديد والوعيد والسب للمشرف العام وهو يمشي خلفه .. وكل دقيقة يأتي ( للكاونتر ) من يطالب بحقه بعنف وقوة ..
إستمرت المعاناة ثلاث ساعات وكنت في السابعة صباحاً في فاس ووصلت لكازا مروراً بإفران ومكناس وقد كنت أقود السيارة وكنت مرهقاً .. وحين اقترب موعد الرحلة وتكالبت الظروف والضغوط على المشرف حول الكثير من المتجمهرين الغاضبين إلى صالة الحجاج في مطار كازا ونصحهم بأن يذهبوا على رحلة الساعة العاشرة الإضافية والمتجهة إلى المدينة المنورة وأن الرحلة بها خمسون مقعداً شاغراً .. وقد كانت الرحلة مخصصة للحجاج والمعتمرين المغاربه ..
ذهبنا لصالة الحجاج التي تبعد كيلومترات معدودة وحين وصلنا عند حدود الثامنة مساءاً كانت الرحلة تُسير من هناك وأن الأمر لا يعدو سوى أنه عملية ( تصريف ) بحتة لتلك الجموع الغاضبة .. إنتظرنا أنا ورفيقي وكلنا أمل وعشم بقائمة انتظار الجمعة التي وعدنا بإعطائها الأفضلية يوم الأحد ورمضان يقترب ويزداد الضغط علينا .. وصل نائب المشرف وأعتقد بأن المشرف العام لم يكن ليسلم جسده لو كان حاضراً بشخصه لصالة الحجاج .. وصل قبل العاشرة بقليل وكان الكثير متفرقين وغير متواجدين ويبدو أنهم بانتظار المشرف العام .. وعلمنا بأن ما تبقى هو سبع مقاعد فقط وأن الأمور قد عُدلت في الصالة الأخرى دون ضغوط .. وأن الخمسين مقعداً كذبة وتخدير ( وتصريف ) .. وقفت على ميزان الأمتعة أمامه بغضب وقلت له بصوتٍ عالٍ : تذكرتي كاش وغير مخفضة وقد كان ذلك هو العذر لمنعهم لكثير من الركاب الذين قدمو في وقت مبكر على رحلة جدة واستبدالهم بغيرهم دون وجه حق .! أخذ جوازي وناديت رفيقي اليائس جداً وقلت له بصوتٍ عالٍ هذا جواز صديقي وكنا أخر خمسة ركاب لطائرة الجامبو 747 السياحية بجميع مقاعدها .!
وقبل دخولنا صالة المغادرة قابلت من هو أحق مني بما في يدي وسألته اين كان وقلت له ما حدث .. وأجابني بأنه لا يدري ولم يناديه أحد .. واحد منهم كان ( ترانزيت ) وقد أتى من نواكشط ووجهته كانت لجده وكان يملك حجزاً مؤكداً وأتى على الموعد ورُفض لأنه يحمل تذاكر مخفضة .. مثل هذا الشاب كيف سيتحمل كازا وغلائها لو كانت حالته المادية ضعيفة .؟!
في صالة المغادرة ذهبنا للكافتيريا ووجدنا عنده خطوط السير لكل الرحلات وقرأنا أن هذه الرحلة ستحط طائرتها في المدينة وستواصل إلى جده ونحن نريد جده لوجود فرصة أكبر لوصولنا للرياض .. ولكن ما العمل وبطاقات الصعود للمدينة والأمتعة للمدينة .. ظللنا ننتظر وفي طريقنا للطائرة سألت أحد الموظفين وقال لي أن الطائرة ستحط في المدينة أولاً ثم إلى جدة .. إزداد استغرابي .. وواجهت نائب المشرف ونحن نسير مشياً إلى الطائرة وقال لي أن الرحلة ستتوجه إلى المدينة .. وقبل أن تحط بنا الطائرة في المدينة أعلنت المضيفة في الطائرة أن على المسافرين إلى جده البقاء في الطائرة وانتظار الإقلاع ..!!
نزلنا ونحن مقهورين فنحن نريد جده .. وقابلنا موظف مرموق في الخطوط السعودية بالمدينة وقال لنا أن الطائرة ستواصل إلى لاهور .!! وقد كان يحمل برقية من مكتب السعودية في كازا بأن هناك ركاباً سيواصلون إلى الرياض قد عانوا ظروفاً صعبة ..! سبحان الله !! كيف أحسوا بنا ؟! الأمر وراءه سر .!
حُولنا ونحن تسعة مسافرين إلى الأستاذ المحترم محمد الجهني من السعودية في مطار المدينة وأشفق على حالنا وبيده البرقية وعاملنا بمنتهى اللطف وأخذ تذاكرنا ودبر لنا حجوزات إلى الرياض عند السابعة والنصف مساءاً ووفر لنا سكناً في فندق اوبروى أمام الحرم النبوي الشريف حتى حين موعد الرحلة ..
عند وصولي للمدينة أمضيت ثمانٍ وأربعين ساعة تقريباً دون أن أنام سوى أربع ساعات وكنت قبل أربعة وعشرين ساعة تقريباً من وصولي للمدينة في فاس ووصلت لمطار كازا بواسطة السيارة دون أن أنام وفي انتظار وقلق ورحلة مزعجة جداً لم تخلوا من المشاجرات بين الركاب بسبب النفسيات السيئة ..
يقال أن موسم العمرة والحج ومشاكل لبنان ونهاية الصيف وثقل شخصيات المغرب هي السبب .. وأقول أن رمي شبابنا على حافة التسول أمر في غاية السوء لهم ولنا .. كانت النفسيات هناك غاية في البشاعة .!
(( أبعدنا الله وإياكم عن كل ما يعكر صفوكم ))
كُتب الموضوع بتاريخ 19/9/2006م
تحياتي للجميع