1. ستريزا بلدة مدللة على بحيرة ماجوري


2. محاطة بثلاث جزر خلابة


3. وفيما تجول في الحدائق تتنزه الطواويس البيضاء قربك.

ستريزا بلدة مدللة على بحيرة ماجوري

محاطة بثلاث جزر خلابة

أجمل ما في السفر اكتشاف مناطق جديدة غير مألوفة، لم يسبق لك ان سمعت عنها وعن جمالها. هذا ما حصل معي خلال زيارتي لبلدة ستريزا الايطالية. كنت وعائلتي نمضي اجازتنا في سويسرا وتحديداً بلدة كران مونتانا الواقعة في جنوب البلاد، فقررنا الاستفادة من قربها من ايطاليا والتوجه الى احدى المدن القريبة من الحدود السويسرية الايطالية، وتحديداً من جنوب سويسرا، والبلدات الموازية للحدود السويسرية الجنوبية هي «اورتا» و «ستريزا» و«كومو». لم تكن هذه زيارتي الاولى لايطاليا، لكن عادة ما تقتصر زيارة ايطاليا على روما وميلانو وكابري وفلورنسا، لكن هذه المرة اكتشفت بلدة في غاية الروعة. بعدما اجتزنا الحدود السويسرية الايطالية دخلنا بلدة اورتا ومنها الى ستريزا الواقعة شمال غرب ايطاليا، في رحلة استغرقت حوالي ثلاث ساعات.
تقع ستريزا عند سفح جبل Mottarone «موتاروني» مقابل خليج بوروميو Borromeo وتطل على بحيرة ماجوري التي تضم جزراً تعرف بIles Borromees ستريزا بلدة مرسومة بكل ما للكلمة من معنى، تقع الفنادق، الواحد تلو الآخر، مقابل الكورنيش المطل على البحيرة، وتأخذ (الفنادق) طابعاً واحداً اذ لا تتعدى السبعة طوابق، وتحيطها الحدائق وشرفاتها تزخر بالورود. وتنعم بإطلالة على بحيرة ماجوري الرائعة التي تلامسها الجبال الكثيفة الخضرة.
وفي الشارع الخلفي للفنادق يقع السوق المتغلغل في الأزقّة الجميلة. أرضيته من البلاط وممنوعة على السيارات، وفي ثنايا الازقة تنتشر الدكاكين الايطالية التقليدية، فترى بسطات المعكرونة بألوانها وأشكالها الزاهية حتى تحسبها فراشات حقيقية الى جانب قوالب الجبنة الايطالية الشهية الضخمة والخضار المجففة لا سيما الفطر. ومن ناحية اخرى من السوق تنتشر المطاعم والمقاهي الايطالية التقليدية، وكيفما تسير في المساء تسمع عزف آلات الكمان العذب.
سبق ان ذكرت ان بحيرة ماجوري تضم عدداً من الجزر. ولزيارتها استقللينا باخرة من مرفأ ستريزا وتجولنا فيها. ولكن قبل عرض هذه االتفاصيل المشوقة لا بد من التعريف ببحيرة ماجوري التي تعرف ايضاً باسم بحيرة فربانو Verbano، وهي ثانية كبرى البحيرات الايطالية اذ تبلغ مساحتها 216 كيلومتراً مربعاً، تطل البحيرة على ثلاث جزر هي Isola Bella ايزولا بيلا وIsola Dei Pescatori ايزولا دي بيسكاتوري Isola Madre ايزولا مادري.
واستقللنا الباخرة التي نقلتنا من جزيرة الى اخرى، وفترة المكوث في كل جزيرة تناهز الساعتين، وبدأت الرحلة ب «ايزولا بيلا»، وهي الجزيرة الاجمل، وتوصف ب «لؤلؤة بحيرة ماجوري». ما يميزها وجود قصر بوروميو الخاص بعائلة بوروميو العريقة التي لا تزال تملكه الى اليوم.
انطلقت عملية بناء القصر عام 1632 تزأمناً مع عملية تشذيب الحدائق الشاسعة المحيطة به، ومع بناء هذا الصرح الفخم بدأت قصة تحفة من طراز الباروك. تمتد ما بين الطبقتين الارضية والاولى قاعات الاستقبال المزدانة بثريات زجاج «المورانو» الايطالي الثمين، ولوحات السجاد البريطانية التي تعود الى القرن السادس عشر.
ومن الاقسام اللافتة في القصر، ذاك الجزء الذي يعرف بالمغارة، اذ يغلف جدرانه وسقوفه الجص والاسفلت والحديد، وأرضه من الفسيفساء. وتعرض في هذا القسم مستلزمات الخيول.
ومن القصر الى حدائقه المترامية الاطراف التي تولى مهمة تأثيثها وتشذيبها ابرز مهندسين في القرن السابع عشر، «سريفللي» و «ريتشيني». اما النحاتان «سيمونتا» و «رسناتي» فملآ الزوايا بمنحوتاتهما، وتمتد الحدائق على عشرة مستويات وتزخر بمختلف أنواع الزهور والأشجار، حتى ترى زهرتي اللوتس والبردي المصريتين.

وفيما تجول في الحدائق تتنزه الطواويس البيضاء قربك.

و«ايزولا بيلا» تعني الجزيرة الجميلة لكن هذا ليس الاسم الاساسي للجزيرة. فإكراماً لزوجته ايزابيلا آدا سمى الكونت شارل الثالث بوروميو الجزيرة ايزابيلا، وفي ما بعد تحول اسم الجزيرة من ايزابيلا الى ايزولا بيلا.
في هذه الجزيرة ستستمتع باكتشاف الحواري والأزقة المزدحمة بالبسطات الحرفية. وما لفتني ان شخصية بينوكيو حاضرة في جميع هذه الأكشاش حتى أصبحت واحداً من الرموز والتقاليد في ايزولا بيلا، تماماً كالمنتوجات الحرفية الاخرى، حتى يبدو ان بينوكيو خرج من هذه الجزيرة.
ومن ايزولا بيلا الى «ايزولا مادري» الجزيرة الكبرى، وهي شبه مشغولة بحديقة تكتشف فيها أندر انواع النباتات وتشعر بأنك تزور حدائق في ايطاليا وفرنسا وتايلاند وماليزيا في نفس الوقت نظراً الى تعدد انواع النباتات ووفرة الاستوائية منها.
اما جزيرة «دي بسكاتوري» فتعرف انها قرية خاصة بالصيادين وتتسم بالبساطة ويغلب الطابع الشعبي على ارجائها. وهي بذلك تتناقض وفخامة ايزولا بيلا.
دي بيسكاتوري اول جزيرة امها السكان، ازقتها ضيقة وفقيرة نوعاً ما. وتقع ما بين ايزولا بيلا وجزيرة بيسكاتوري جزيرة صغيرة جداً هي La Maraghera، وتسمى جزيرة الحب الصغيرة. ولتمتع ناظريك بإطلالة بانورامية ل «ستريزا» لا بد من ان تستقل التليفيريك الذي يضعك على قمة جبل موتاروني الذي يرتفع 1491 متراً.
رحلة ستريزا كانت رائعة غادرتها وعيناي معلقتان على بحيرة ماجوري، وفي طريق العودة الى سويسرا كان لا بد من التعريج على البلدات السويسرية الواقعة في الكانتون الايطالي الذي يعرف ب Canton du Tessin« كانتون دو تيسان فمررنا ب Ascona أسكونا وLocarno لوكارنو وLugano لوغانو.
تقع اسكونا على الضفة السويسرية من بحيرة ماجوري وتعتبر نقطة انيقة وحيوية على البحيرة، تحيط بها التلال الخصبة وتنعم بطقس جميل وغير متقلب. اسواقها جميلة ووجود المقاهي على ضفة البحيرة يمنحها حركة وانتعاشاً. عموماً هي مقصد محبي الفن والثقافة.
ومن اسكونا الى لوكارنو التي تعتبر ولوغانو اشهر مدن الكانتون الايطالي. ولوكارنو مدينة سياحية تشهد في اغسطس (آب) من كل عام مهرجاناً سينمائياً.
وسطها لا يزال محافظاً. على مبانيه القديمة الزاخرة بالقناطر التي تعود الى القرن السابع عشر. وحول وسط المدينة العتيق، وفي ما يعرف بالقسم العصري من لوكارنو، تنتشر الفيلات والحدائق.
على الرغم من انها ليست زيارتي الاولى لسويسرا الا انها كانت زيارتي الاولى ل لوغانو وللكانتون الايطالي الذي يمتاز بالحيوية والحياة ما يتناقض عادة والطابع السويسري الهادئ جداً. يحمل هذا الكانتون مزيجاً سويسرياً ايطالياً، اذ يجمع ما بين تنظيم الشارع السويسري وجمال الطبيعة السويسرية من جهة والنفحة الايطالية المغناجة والاناقة الرفيعة من جهة اخرى.
وهذا ما يتجلى في لوغانو، المدينة السياحية بامتياز التي غالباً ما توضع على برنامج زائر سويسرا الى جانب ابرز المدن والمنتجعات: جنيف ومونترو ولوزان وزرمات.
لوغانو من المدن الغنية والفخمة وتلحظ علامات الثراء في شوارعها. سكانها يمتازون بأناقة عالية وأبنيتها جميلة. وإذا جابهت في يوم من الايام تحدياً لانفاق اكبر مبلغ ممكن من المال في يوم واحد فمن المؤكد انك في سوق لوغانو ستكسب الرهان، اذ تصطف امامك افخم محال المجوهرات والازياء الواحدة تلو الاخرى تغريك بإخراج بطاقتك الائتمانية. ولكن عزيزي القارئ احذر فإذا ما اخرجتها سيصعب عليك اعادتها الى المحفظة قبل السابعة مساء، توقيت اقفال المحال التجارية.
تخيّل سويسرا وايطاليا معاً! يعني اروع واجهات المجوهرات تعانق احلى الازياء. ستختارين عزيزتي القارئة الفستان والعقد المناسبين في آن واحد.
لوغانو مدينة جميلة جداً سواء من ناحية المناظر الطبيعية الخلابة حيث تلامس الخضرة مياه البحيرة او من ناحية الساحات النابضة بالحركة والاسواق الغنية. وفي المساء تتلألأ هذه المدينة كالماسة نقية.
ومن لوغانو الى كران مونتانا. البلدة السويسرية المعروفة بهدوئها وجمال طبيعتها والمشهورة كمنتجع للتزلج. تشهد كران مونتانا في سبتمبر (ايلول) من كل سنة دورة دولية في الغولف، فيؤمها اللاعبون من كل حدب وصوب. وترعى هذا الحدث الرياضي ساعات اوميغا، وتفتتحه عادة العارضة سندي كرافورد.
وهذا العام تسنى لي حضور الدورة وعلمت ان عدد اللاعبين المشاركين يجب ألا يتعدى ال 156.
في ثنايا نادي الغولف المترامي الاطراف تنتشر حلقات لعب، عدة منها للمحترفين ويتجمهر حولها عدد غفير من المشاهدين والاعلاميين، واخرى لذوي المستوى المتوسط اضافة الى حلقات خاصة بالمبتدئين، وتزدحم كران مونتانا خلال فترة الدورة بمحبي هذه الرياضة الذين يقصدون البلدة لمتابعة مجرياتها، وكذلك بعدد كبير من اللاعبين، اضافة الى عدد لا يستهان به من الاعلاميين المهتمين بتغطية الحدث. وما تستخلصه من الدورة ان الغولف وصلت الى مكانة رفيعة في اوروبا واميركا فعزيزي القارئ، اذا لم تحترفها بعد فالوقت متاح امامك... وإلى اللقاء السنة المقبلة في كران مونتانا!
منقول