- خطى الغساني في رحلة إلى قلب الأندلس
- منقول- مجلة العربي
هذا موضوع حلو قرأته في مجلة العربي (عدد قديم) بنزله على دفعتين أو ثلاث حسب مقدرتي على النقل والإختصار أرجو أن ينال إعجابكم .
خطى الغساني في رحلة إلى قلب الأندلس
منقول- مجلة العربي
فتية من العرب والبربر إجتازوا برزخ الماء فوجدوا أمامهم أرضاً غاية في الخصب والوهن تتكاثف الخضرة على تلالها لدرجة تقودها إلى الظلمة وهو ماتعنيه كلمة الأندلس التي أطاقوها على هذا المكان الغريب . مشهد لم يعرفه ولم يألفه هؤلاء القادمون من الصحراء الممتدة . لم يصدقوا أن أرضاً بهذه الصفة يمكن أن تكون واقعاً . ورغم مرور أكثر من سبعة قرون فقد شعروا دوماً بأن إقامتهم فيها مؤقتة ، مستقر بلا قرار ، قائم على حافة الوهم والحلم . وربما كان سكان الأندلس من العرب والمسلمين هم القوم الوحيدين الذين ظلوا يترقبون سقوطهم المروع على مدى أكثر من مائتي سنة كأنه قدر لايستطيعون دفعه ولايجدون منه مفراً .
رحلة إلى قلب الأندلس على خطى محمد بن عبدالوهاب الغساني الأندلسي الفاسي الذي بدأ رحلته عام 1690م أي بعد سقوط الأندلس بحوالي مائة سنة ، قرن كامل ولكن آثار السقوط لم تكن قد إندملت بعد .
كان الغساني أديباً وشاعراً وعالماً بأحوال الدول والممالك ، يميزه سعة الإطلاع والسرعة في نقل الكتب والمخطوطات وكان يستوعب ماينقله ويختزن مايراه ، وهذا ماقربه من مولاي إسماعيل سلطان المغرب في هذا الوقت فاتخذه كاتباً له ثم وزيراً مفوضاً يقوم بالمهام والبعثات .
قام السلطان بأرساله في مهمة محددة ، هي إنقاذ المسلمين الأسرى وإنقاذ الكتب الأسيرة بالأندلس، ففي عام1689م أي قبل الرحلة بعام كان السلطان المغربي قد إسترد مدينة العرائش المغربية من أسبانيا وأسر عدداً كبيراً من الجنود الأسبان . واراد أن يقوم بمبادلة أسرى الأسبان بحوالي (500) أسير مغربي في الأراضي الأسبانية إضافة إلى (500) مخطوط عربي ، كانت ملكاً لسلطان مراكش السابق ، وهي مخطوطات نادرة من البلاد العربية وحصيلة نادرة من المخطوطات الأندلسية ، ولكن إحدى سفن القراصنة الأسبان إستةلت عليها خلال عملية نقلها .
من هنا جاءت أهمية هذه الرحلة ببعديها الثقافي والإنساني ، فرغم مرور قرن على سقوط الأندلس فإن قضية الأسرى من بقايا الأندلسيين وأسرى الصراع الأسباني المغربي كانت قائمة . ولم تقتصر في أبعادها على الجانبين المتحاربين فقط ولكنها إمتدت إلى العديد من الدول الأوربية وإلى الباب العالي في الأستانة وأصبحت هاجساً عند المفكرين وشيوخ الأسلام ذلك الوقت .
عندما وصل الغساني إلى جبل طارق أوجبل الفتح كما كان يطلق عليه وجده مازال متجهماً وعلى سفحه حصن منيع مليء بالمدافع والذخيرة والجنود ، فالأسبان كانوا قد استفادوا من درس الفتح العربي وحولوا المكان إلى قاعدة عسكرية. ولم تكن المسافة التي تبعدهم عن ساحل المغرب تتجاوز الخمسة عشر ميلاً . جلس الغساني تسعة أيام بسبب الرياح المعاكسة وبعد ذلك ذهب إلى قادس أو قالص كما يدعوها ، وهناك تلقى أول إستقبال رسمي له وخرج إليه حاكمها بالورود وإعتذر له بسبب التأخير الذي لاقاه في البحر وقاده إلى المدينة وهناك تقابل مع هدفه وهم الأسرى حيث يقول ( ولقينا بمدينة قالص من الأسرى رجالاً ونساءً وصبياناً وهم يفرحون ويعلنون الشهادة ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرناهم ووعدناهم بالخير فكان عندهم يوم عيد لإستبشارهم بالفرج) وكانوا يقومون بأحط الأعمال ويتعرضون للسخرية والإضطهاد من السكان المحليين وقد شاهد الغساني ذلك بنفسه في مدن أخرى .
يواصل الغساني رحلته متتبعاً الساحل الأسباني الجنوبي من سانتا ماريا إلى شريش وهي مدينة سكانها كلهم من أهل الأندلس ، ولكنهم لبثوا في أماكنهم لإنهم قد تنصروا إنهم المدجنون كما تطلق عليهم كتب التاريخ وإن كان البعض منهم قد لمح خفية للغساني إعتزازه بأصوله العربية . ويبدأ الغساني توغله على اليابسة في عمق المدن الأسبانية.
وفي مدينة أطريرة الجبلية آن للغساني أن يرتاح قليلاً ، وقد رحب به الأهالي الذين ينتمون جميعاً إلى جذور أندلسية ورغم ديانتهم المسيحية المعلنة فقد كانوا خليطاً من المسلمين القدامى واليهود والغجر الذين وجدوا في هذا المكان الحماية التي ينشدونها.
أما أصعب مراحل رحلة الغساني فقد كانت عبور جبال ( الروندا) كانت شاقة وشديدة الخطورة ، تأخذك الجبال الوعرة إلى أعلى محاطاً بغابات أشجار الزيتون والمدرجات الجبلية الباقية من أيام الأندلس . ولكن زيارة مدينة رندا تستحق كل تلك المعاناة فهي تبرز من وسط قمم الجبال ببيوتها البيضاء مثل الحلم تحيط بها الوديان السحيقة ومازالت تحتفظ بطابعها الأندلسي القديم بدروبها الضيقة المتعرجة وبيوتها المنخفضة التي تزين أفنيتها الفسيفساء وذلك الأخدود الضخم الذي يشق الجبل والمدينةإلى قسمين تربط بينهما قنطرة أندلسية قديمة . لقد كانت روندا واحدة من المعاقل الوعرة زارها ابن بطوطة قبل سقوط الأندلس ووصفها قائلاً (هي من أمنع معاقل المسلمين وأجملها وصفاً .
( ) . . ( ) . 1236 300 ( ) .
( ) 1521 ( ) . ( ).