- دمعتان في طليطلة
دمعتان في طليطلة
رائحة التاريخ في كل مكان ... في كل شبر من هذه المدينة ألف حكاية و حكاية و الف دمعة ودمعة اختلطت مع الأرصفة و الطرقات تخبئ أسرار من رحلوا ... كل ما في طليطلة كبير حتى حزن الأيام... نسمات الصباح التي ترافق دربي من مدريد إلى قرطبة تبعث في النفس الشجن والحزن و أحاسيس أخرى يصعب وصفها.
بدأت الغيوم تزحف باتجاه الشمس لتغطي وجهها الذي بدا جريئا هذا الصباح. في المقهى القريب عناق حبيبين يذيب الخجل الذي تلبسني في الحظات الأولى . احساس غريب بالضياع ... طليطلة كتاب تاريخ مفتوح فصوله تضم ثلاثة أديان تلاقت بحراره و افترقت بلوعة وحزن والم يقطع القلوب.
( نهر تاجو ) و المنازل التي أقيمت على جوانبه أم رؤوم راحت تحضن أبناءها على مهل. هكذا يبدو المنظر من إحدى قمم المدينة العتيقة منظر يأسرك من الوهلة الأولى يتسرب إليك احساس بالرومنسية الحالمة .
في احد الأحياء الحزينة غطت رائحة زكية من الزهور الكثيرة التي أخذت تطل بخجل من احدى الشرفات الأندلسية الآسرة المكان بعطر شفاف يلامس مشاعرك بصدق... على مد النظر قصر يقف بشموخ المنتصر ...يطاول السحاب أنفة وكبرياء ... سالت مني دمعة دون أن أحس بها.رحلت بي إلى أيام مضت سطرت أوراقها بحروف من نور.
في اللحظات الاخيرة احتارت الة التصوير في التقاط الصور فكل مافي طليطلة يحتاج مني وقفة تأمل قد تطول لساعات ... لملمت مشاعري الممزقه على عجل ومسحت دمعة اخيره أبت إلا أن تزاحم مشاعر الوداع ...وكتبت بيتين للمتنبي في دفتري الذي ظننت أنني سأملأه بمشاهداتي.....
وما عشت من بعد الأحبة سلوة
ولكنني للنائبات حمول
وإن رحيلا واحدا حال بيننا
وفي الموت من بعد الرحيل رحيل
وداعا طليطلة .......لك مني كل حب ووفاء.
949 سنة منذ دخول ألفونسو وسقوط طليطلة في يوم الأحد الموافق غرة صفر 478 هجري الموافق 25 مايو 1085م والله كانت بمثابة اللطمة الغير متوقعة للمسلمين في الأندلس
و صمد بعدها المسلمون 407 سنة بعد ذلك إلى أن سقطت غرناطة 1492م.
لقد ضرب ألفونسو ملك قشتالة حصاره حول طليطلة، ولم يتقدم أحد لنجدتها، وكان يمكن لملك إشبيلية المعتمد بن عباد أن يكون أول من يقوم بالنجدة، لكنه لم يفعل هو ولا غيره، باستثناء المتوكل بن الأفطس، الذي أرسل ولده الفضل بجيش قوي لدفع ألفونسو عن طليطلة، لكنه لم يوفق لغلبة القوى النصرانية، على الرغم مما أبداه من حماسة بالغة وما خاصة من معارك دامية.طليطلة
كان الحنين مَدى عَذْبا، وكان لنا
من وجهها كوكب في الليل سيار
هذا دخان القرى، مازال يتبعنا
وملء أحلامنا زرع، وأجنحة
وصبْية
وطريق في الحقولِ إلي الموتى
وصبار
فملتقي الأرضِ بالأفقِ الذي اشتعلت
ألوانه شفقا
فالقاطرات التي غابت مولولةَ
في بؤرة الضوءِ،
فالحزن الذي هَطَلَتْ
علي أمطاره يوما
فصِرت إلى طيري،
وسافرت من حزنِ الصبيٌِ إلي
حجزنِ الرجالِ، فكجلّ العمرِ أسفار
يا صاحبِيٌ قِفا!
فالشمس قد رجعت،
ولم تَعِد بغَدِي
كجلّ المقاهي انتظار. ساءَ ما فَعلَتْ
بِنَا السنون التي تمضي،
ونحن علي موائدي في الزوايا،
ضارعين إلي شمسي تخلَّلتِ البللٌورَ واهنة
ولامَستْ جلدَنا المعتل، وانحسرت
عَنٌَا إلي جارنا،
فما نَعِمْنا، ولم يْنَعم بها الجار
يا صاحبيّ!
أخمرْ في كئوسِكما
أَمْ في كئوسكما هَمَّ وتَذكار!
وما الذي تنفع الذكري إذا نَكأَتْ
في القلب جرحا، علمْنا لا دواء له
حتى نعودَ،
وما يبدو أن اقتربتْ
أَيَّام عودِتنا، والجرح نَغَّار
ها نحن نفرِط فوق النهرِ وردتَنا
وتلك أوراقها تنأى، ويأخذها
ورادَ أحلامِنا موج وتيار
يا صاحبيَّ!
أحقا أنَها وسِعَتْ
أعداءَها!
وجفَت أبناءَها الدار؟!
لو أنَها حوصرت حتى النهايِة،
حتى الموتِ، لو سحَبَتْ
علي مفاتِنِها غلالة من مياهِ النيلِ،
واضطَجعتْ في قاعِهِ!
لو سفَتْها الريح فانْطمَرَتْ
في الرمِل وانْدلعَتْ
من كل وردةِ جرحي وردة
فالمدى عشب ونوَّار
هذا دخان قراها يقتفي دَمَنا
ومِلء أحلامِنا زرع، وأجنحة
ومِلء أحلامِنا ذئب نَهَشّ له
نسقيه من كأسنا الذاوي،
ونسأله عنها،
وننهار!
((أحمد عبدالمعطي حجازي)) باريس 1979م
شكرا أخي على الموضوع وتقليب المواجع فلقد خسرنا الأندس وها نحن اليوم نخسر العراق وما فيها من تراث وماضي غني بكل ماتحويه الكلمة من معنى
فإلى متى؟