أوليفر ستون، ناعومي كامبل، روجيه مور، روبير دي نيرو، ويل سميث، الطاهر بن جلون، جاد المالح، جان بول بلموندو، وآخرون كثيرون، منهم نجوم مغاربة وعرب، حرصوا على النزول ضيوفاً على "دار موحى"، أمثال مصطفى قمر، نجاة اعتابو، ومحمد رويشة، مثلاً، من دون أن ننسى نجوم الرياضة مثل جواد الزايري، يوسف حجي، فتحي جمال، وجيرار وييه، مثلاً. كل هؤلاء وآخرون، ممن تمتلئ بأسمائهم وكلمات إعجابهم بالمكان صفحات الكتاب الذهبي، استمتعوا بما توفره مائدة مطعم دار موحى من لحظات رائقة وأطباق لذيذة.
و"دار موحى" هي أكثر من مطعم بهي أو ساعات من الرومانسية الحالمة. إنها مرادف لمفاجأة الاكتشاف، قبل أي شيء آخر. وهي، قبل كل هذا، جزء من تاريخ المدينة العتيقة بمراكش. تقع على بعد خمس دقائق من ساحة جامع الفنا الشهيرة بالحي المسمى "دار الباشا"، تذكيراً وإشارة إلى الدار الشهيرة التي سكنها التهامي الكلاوي باشا مراكش، ولم تكن "دار موحى" في أصلها، إلا داراً سكنها سكرتيره الحاج حيدر، قبل أن تنتقل ملكيتها لمصمم الأزياء الفرنسي بيير بالمان، لتنتقل إلى ملكية محمد فاضل، الملقب ب "موحى"، اللقب الذي أصبح معلما في مراكش.
يقول فاضل: "تلقيت تكويني بسويسرا، قبل أن أعمل بأرقى الفنادق، هناك. لقد عملت بها مدة 14 سنة، وقبل 8 سنوات قررت العودة للمغرب. هيأت مطعم "دار موحى" لتقديم أطباق مغربية بنكهة عصرية، ومنحت نفسي فرصة سنتين من العمل للاستقرار نهائياً أو العودة إلى سويسرا، ويبدو أن التجربة تحولت إلى راحة بال ومتعة مشتركة بيني والعاملين من جهة، ورواد الدار من جهة أخرى".
ويمنح وجود "دار موحى" في عمق المدينة القديمة، أكثر من نكهة. فالمدينة القديمة تختزن الكثير من المفاجآت، ويمكن القول إنها بوجهين. الوجه الأول الخارجي، يبدو بسيطا، والداخلي يسبب ما يشبه الصدمة اللذيذة، حيث تدخلك عالما لم تكن تتخيل وجوده، في ذلك الموقع والمكان بالذات.
ما أن تصل إلى "دار موحى"، حتى يستقبلك الباب التقليدي الكبير، حيث يقف ثلاثة عاملين لاستقبالك في لباس تقليدي أبيض، يتلخص في جلابيب بلدية وطرابيش حمراء، راسمين ابتسامات دافئة، قبل أن يتركوك في عهدة شابة الاستقبال المتألقة في لباسها التقليدي. ينعطف بك المدخل عبر صالة واسعة بطاولات أكل وكراسي في انتظار رواد لا يخلفون الموعد والمتعة، قبل أن تنفتح عيناك على حديقة بها مسبح نائم في عمق الأرض آخذاً شكل باب تقليدي منمق، كأنما هو لوحة، وستكتشف لاحقاً أن هذا الباب المرسوم على الأرض مسبح، هو نفسه الباب الواقف خلفك، كما ستكتشف أن اللوحة المزروعة في عمق المسبح ألوان لها نفس الشكل والألوان التي للزربية المفروشة على الأرض خلف طاولتك مباشرة.
ستفيق من مفاجأة اللحظة الأولى على موسيقى "كناوة" المنبعثة من ركن قريب، على إيقاع آلة الهجهوج.
تمد عينيك عبر جنبات المسبح، حيث تمتد طاولات الأكل التي يحيط بها ما بين كرسيين إلى أربعة كراسي، لتنشد إلى الأشجار الباسقة والخضرة الطاغية، التي تجعلك تشعر كما لو أن المكان اقتطع من حدائق "ماجوريل" الشهيرة، التي صممها الفرنسي إيف سان لوران، حيث الأزرق يغطي حيطان الحديقة والقرميد الأخضر يعلو النوافذ.
ويقول فاضل: "لقد حرصنا، هنا، على ألا يتعدى عدد الكراسي المحيطة بطاولات الأكل أربعة، رغبة منا في أن يحظى الجالسون إلى ليل الدار بهدوء لا يشتت تفكيرهم وانصرافهم إلى أنفسهم وكلامهم وحميميتهم". في "دار موحى"، ما أن تأخذ مكانك حتى يقف بجانبك نادل أنيق يلبس، كما باقي الشبان العاملين، قميصاً أبيض مع فراشة تتألق على العنق وسروال أسود. يسألك، في البداية، عن المشروب الذي ترغب فيه. بعد دقائق سيعود مرفوقاً بنادل آخر، لتغوص، شيئاً فشيئاً، في موجة من الأطباق. كل طبق يوضع أمامك ترافقه شروحات تقدمه إليك نكهة وتعريفاً. يبدو أنهم يصرون على أن تتعرف على الأكلات المقترحة حتى تربط معها صداقة تسبق حميمية الاستمتاع والأكل. طبقٌ ينقلك إلى آخر، ونكهةٌ تتابع متعتها: تنتهي من "سيكار" الباذنجان بالعسل واللوز، قبل أن تغرز الشوكة برفق في "بْريوة" بالكالامار (سكويد). في هذه الأثناء ستنتبه إلى أن موسيقى كَناوة قد غادرت ركن الحديقة تاركة مكانها لآلة العود وتقاسيمها الهادئة من دون كلمات أو إضافات موسيقية. تغمض عينيك قليلاً قبل أن تتلمس الشوكة في يديك من جديد لتغرسها بهدوء في الطبق الكبير الذي أخذ مكان كل الأطباق الصغيرة السابقة، مقترحاً عليك "بْريوات" بالحمام أو السمك أو الخضر، قبل أن تتواتر أطباق أخرى: كسكس بالخضر وطاجين بلحم الخروف ثم حلويات من أربعة أشكال. حلوياتٌ، نظراً إلى أشكالها الجميلة وألوانها المتناسقة، ستتردد كثيراً قبل أن تتذوقها حلاوة ومسك ختام. سيبدو لك تتابع الأطباق، كما لو أنه خط طريق السيار طويل بمتعة لافتة، قبل أن تفاجئك الفاتورة التي لن تتعدى أرقامها ال 50 دولاراً. وعبر كل هذا الوقت، الذي قضيته في التلاعب بالشوكة والسكين والاستماع إلى تعاقب الهجهوج والعود، سيغطي الورد طاولتك من جديد وللمرة الثانية، ثم شمعة ثانية. وبين الحين والآخر، ستتذكر ضجيج الشارع خلفك، على بعد أمتار قليلة، فقط، لتتساءل عن كيف يمكن لفضاء مثل دار موحى أن يمتص كل الصخب والضجيج المتردد في الخارج، ليصير كما لو أنه يقع في خلاء أخضر.
يقول موحى إنه يحرص على أن تكون الألوان متناسقة لترافق مُتعة الأكل ونكهة المذاق.. "لأجل فتح الشهية ولأن تنال الأكلة إعجاباً لافتاً، فإن على الأطباق أن تملأ العين بألوانها، أولاً. فالمذاق يتطلب أن يبدو بهياً في الأعين". ما يعني أن "العين تأكل قبل البطن"، مضيفا: "بعد تخصصي في المطبخ العالمي، استرجعتُ أطباق المطبخ المغربي. يمكن القول إني أقوم اليوم بالاشتغال على أطباق مغربية تقليدية تعد بشكل جديد. انطلقت في البداية في الطهي من خلال ما تعلمته من الوالدة، ثم لاحقاً من خلال طباخات مغربيات أخريات. واليوم، أنا أُعد أطباقاً مغربية وفق قناعاتي واجتهاداتي الخاصة".
يعطي موحى للبهارات دوراً أساسياً في أطباقه. إنها جزء أساسي من مطبخي.. "أنا أُصنف البهارات في ثلاثة: الأساسية والضرورية، ثم البهارات الكمالية، التي يتغير المذاق عبرها لأنها تُقوي أو تُبرز أحد مكونات الطبق".
واللافت أن أطباق موحى لا توضع وتقدم عبر موائد الأكل، فقط، بل هي تعرض عبر الأوراق الصقيلة لكتب الطبخ، أيضاً، يقول: "اتصلت بي دور نشر عالمية لأجل إعداد ونشر كتب تتناول الطبخ التقليدي المغربي، ثقافة وأطباقاً. واليوم، هناك أربعة كتب للطبخ معروضة في الأسواق تحت عناوين " نكهة المغرب" و"المذاق الرائع للمغرب" و"مطبخ موحى" و"أيام العيد في المغرب". ينتهي شريط الأطباق، فيما يصل سحر الليلة والضيافة بأصحابه إلى نهايته. يبدأ الضيوف في المغادرة تودعهم عبارات مودعة من موحى والعاملين بالدار، بنفس مستوى الترحيب عند القدوم، مع بداية السهرة.
وفي نفس الوقت وبنفس الإيقاع، تتردد نفس الجملة على لسان الضيوف، بالفرنسية أو الإسبانية أو الإنجليزية أو العربية: "شكراً لكم، فقد كان كل شيء رائعاً!".
منقول
موضوع جميل وممتع
والمكان اكثر من رائع وكلاس
اشكرك