نيرفانا
16-12-2022 - 07:02 am
كانت البدايةُ مع " جوا " .. بعد تردّد كبير ..!
موعد الطائرة لم يكن مناسبا على الإطلاق .. لا على طيران العربيّة ولا على الطيران القطري .. فالوصول سيكون في حوالي الرابعة فجرا ..!
لكنّي في النهاية حجزتُ على طيران العربيّة ..
ما استغربته هو أنّها المرّة الأولى التي لا أشعر فيها بعدم بالقلق حين يقترب موعد السفر .. فأنا كسول بعادتي .. والتغيير يتطلّب بعض الجرأة ..!
وتتهافت الأسئلة المحبطة لتثنيك عن اتخاذ قرارك بالسفر ..
لكن هذه المرّة .. لم تكن كالمرات السابقة ..
وكأنها مجرد رحلة داخليّة .. وصلنا قبيل الفجر ..
استقبلتنا جوا ببعض قطرات المطر المرتسمة على نافذة الطائرة ..
حين توقفت الطائرة كانت القطريّة تقف بالقرب منّا ..!
طائرة صغيرة .. إذن لا شيء يدعو للنّدم
إجراءات الدخول كانت سلسة .. وبلا أي تعقيدات ..
عبرتُ المدينة النائمة " باناجي " إلى شاطئ كلانكوت الشهير ..
سائق التاكسي أجرى اتصالا ليتمكن من الوصول للفندق المقصود ..!
حين أعلن سائق التاكسي وصولنا .. تلفت فلم أجد إلا انعطافة بسيطة وشارعا مهترئا وبعض الحفر الصغيرة الممتلئة بالمياه ..
الفندق كان في الداخل قليلا .. تغيّر المشهد حين وصلت قاعة الاستقبال المنفصلة عن بقيّة الفندق .. الإجراءات كانت باردة وسريعة وتتوافق مع زائر يأتيك في الخامسة فجرا ..
الغرفة كانت كبيرة جدا .. وأنيقة وجميلة ..
اطمأننتُ إلى حسن اختياري للفندق هذه المرّة .. وحاولتُ النوم لكنّي صحوتُ بعد ساعتين على وقع المطر .. كان المطر المنهمرُ غزيرا جدا.!
خرجتُ للشرفة متخليا عن النوم .. لاحقين على النوم ..!
نزلتُ لمطعم الفندق ..
كانوا لطيفين لكن حشريين لدرجة الإزعاج ..
تجوّلتُ في محيط الفندق .. الشارعُ كان بسيطا وفيه بعض الأناقة ..
شبه خال بسبب المطر الذي لم يتوقف إلا منذ قليل ..
ويبدو أنّ السياح الأجانب كانت لهم بصمتهم هنا .. محاولة لإرضاء الغرباء
ومباشرة توجهت إلى البحر .. الذي يبعد حوالي 600 متر كما قرأتُ في الانترنت.. كان الشاطئ بلا ملامح تقريبا .. فالجو مشبع ببخار الماء ..
والأودية الصغيرة تقطع أوصال الشاطئ .. والمكان شبه مهجور ..!
تجولت قليلا بلا متعة ..
وفي طريق عودتي انهمر المطر ثانية .. كان بحوزتي مظلة الفندق لكنها لم تحمني من البلل .. توقفت تحت الأبنية الملونة بلمسات غربيّة.. ألوان فاقعة لكنّها مقبولة وغير شاذة ..
أحيانا نحاولُ أن نزيد من شعورنا بالشيء لنستمتع به أكثر ..! وهكذا ..
كم مرّة توقفت تحت الأبنية منصتا لقطرات المطر وهي تعزف ألحانها على الأرصفة والأسقف الواطئة ..
خجلتُ حين وصولي الفندق .. لكنّ أحدا لم يلتفت لي ..
يبدو أنّ المشهد مألوف لديهم ..!
في محيط الفندق تتواجد مجموعة من المطاعم النظيفة ..
" الفلفل " فقط سيكون هو المشكلة التي ستظل تلاحقك في الهند ..
ذكّرهم دائما بألا يضيفوا الفلفل للطعام .. وكّرر ذلك مرات عديدة ..
إنها نصيحة لا تُقدّر بثمن يا صاحبي ..!!
بعض المحلات كانت مغلقة .. وظلت كذلك طيلة أيام تواجدي ..
وحين سألتُ عن السبب .. قالوا لي بأنّ أصحابها لا يتواجدون هنا .. يأتون فقط في الشتاء .. حين يتوافد السياح الغربيّون ..!
الأوربيون في هذه الفترة عملة نادرة جدا ..
لأنهم مصابون بالتخمة من المطر ..!
أحبّ دائما أن يكون يومي الأول استكشافيّا لمحيط الفندق ..
رحلتي الى الهند
يومي الثاني كان أكثر متعة ..
ذهبتُ للمدينة القديمة .. الطريقُ يتميّز كثرة تعرجاته وضيقه حتى على السيّارة الواحدة في بعض الأماكن !!في إحدى المرات أوقفتنا سيّدة وطلبت منا العودة لأن الطريق مقطوع بسبب انهيار بسيط .. مجموعة من النساء يصلحن الأضرار بمعاونة بعض الرجال ..! جوا القديمة تحمل نكهة أوربيّة برتغاليّة واضحة .. مما يضفي على المكان جمالا خاصا ..!
وصلنا إلى " دونا باولا " .. وهو مكان جميل تنتشر فيه الأكشاك وهناك تمثال للأميرة البرتغاليّة التي ألقت بنفسها في البحر لأنها أباها حرمها من الرجل الهندي الذي أحبّته ..!
تمنّيتُ لو أقضي وقتا أطول في المكان .. لكنّ المطر كان لي ولغيري بالمرصاد..! وعموما فإن كل الصور اللي صورتها في هذا اليوم كانت من تحت المظلّة ..!
عبرنا إلى جوا القديمة على كورنيش جميل .. الشارع يطل على أحد الأنهار وتبدو بعض السفن الكبيرة متوقفة .. قال لي السائق بأنها ستعاودُ إبحارها بعض انتهاء فترة الأمطار الموسميّة ..!
وصلنا المدينة القديمة .. تجد نفسك فجأة في عالم مختلف ..
فهناك قصر الحاكم والمبني على الطراز الأوربي .. والكاتدرائيّة والكنائس .. كلها على الطراز الأوربي .. يبدو أنّ الغزاة كانوا يحاولون التواصل مع بلادهم البعيدة بأن ينقلوا إلى هنا بعضا من ثقافتهم وحضارتهم .. لكنّ البلاد لفظتهم في النهاية ..!هناك العديد من الشواطئ الجميلة ذات النكهة المميزة .. لكنها كما يقول أهل جوا لا تفصح عن ذاتها ولا تتضح معالمها إلا في الشتاء ..!
فكلما قلتُ لأحد .. أريد زيارة الشاطئ الفلاني يبادرني فورا بأنّ كل الشواطئ متشابهة في الفصل المطير .. وكأنّه يدافع عن مدينته مقدّما إذا ما خاب ظنّي بالأماكن التي أتجول فيها ..!
وصلتُ إلى مكان جميل .. كنيسة بإطلالة نموذجيّة على جوا .. يمكنك من هنا أن تشاهد المدينة والأنهار والغابات .. والأبنية البيضاء التي تنبتُ من بين أشجار جوز الهند ..!
في اليوم الثالثُ استكملتُ زيارتي لجوا .. هذه المرّة كان خط سيرنا مختلفا .. كان الطريق جميلا أيضا .. وصلنا لقلعة " أجودا " البرتغاليّة والتي كانت عاديّة في تصميمها وكبيرة في مساحتها .. يحيطها سور يفصلها عن حافّة المنحدر ..! مكان آخر يستحق الزيارة في جوا التي يمكنُ القول أنّها تتفوق على غيرها في الإطلالات الجميلة ..!
وليس بعيدا عن القلعة أخبرني السائق بأنّ مكانا آخر يستحق المشاهدة .. بين الأشجار كانت هناك بعض الطواويس ولا أدري إن كان هذا موطنها الأصلي .. من هذا المكان يمكنُ النزول إلى أسفل المنحدر .. طريقا زلقا بعض الشيء .. فكّرتُ بالنزول لكنّي شككتُ بلياقتي .. أحدُ الصيادين كان يمارس هوايته ..! فوق الصخور التي تتكسّر عندها الأمواج ..!
كان واضحا أنّ السماء ستمطر .. حاولنا الوصول إلى السيّارة قبل المطر .. لكنّه سبقنا .. أبديتُ تذمّرا من ذلك .. لكنّه تذمّر ظاهري ..
لم نذهب بعيدا .. كنّا على موعد مع مكان آخر لا يقل جمالا ..
هذه المرّة بالقرب من فندق Vivanta .. حيثُ يمتلك إطلالة جميلة على شاطئ صخري .. ويمكنُ للزوار من أمثالي أن يسيروا بمحاذاة الفندق والتجوال على سور ضيّق تتقاسمه أنت والصيادين ..!
سألتُ السائق عن عدد الشواطئ التي يمكنُ ارتيادها في جوا .. فقال 24 شاطئا ..!! لا أدري مدى دقّة هذه المعلومة .. لكن بالتأكيد جوا مشهورة عالميّا بشواطئها الجميلة ..
وكانت مقرا مفضّلا للهبيين في ستينيات القرن العشرين ..!
يمكنني القول ومع كامل انحيازي للمدن المطريّة بأنّ غوا ستكون أجمل حين سطوع الشمس ..! خصوصا لهواة التصوير وعشّاق الغروب .. نادرا ما تحررت الشمس طيلة فترة وجودي من سطوة الغيوم الداكنة .. لكنّها كانت تطل ولو لدقائق .. فيكون للأماكن وجه آخر أكثر إبهارا ..!زرتُ العديد من الشواطئ .. لا وجود للأجانب أبدا .. إلا بعض المقيمين ربما .. أو عشّاق الأمطار الاستوائيّة .!
الهنود يحاولون الاستمتاع بالشواطئ .. يمرحون بصخب ..
فيما تظلّ النساء مترددات في الاقتراب من الماء ..
ينزلن أحيانا ولكن بخجل ..
تظلّ الثقافة الشرقيّة حاضرة مهما اختلفت الأديان ..!
حتى العجائز يشاركن في المرح ..!
زرتُ مكانا آخر .. حوالي ساعة ونصف من شاطئ كلانكوت ..!
لا أذكر اسمه .. لكنّي تخيّلتُ المكان في فصل الشتاء ..
وقت الغروب تحديدا ..
مساء اليوم الأخير .. كنتُ على شاطئ كلانكوت ..
مجموعة من السيّاح الهنود متجمعين في جهة واحدة ..
وكأنهم في مظاهرة .. شعرتُ بألفةِ شاطئ كلانكوت للمرّة الأولى ..!
بقيتُ معهم حتى قبيل الغروب .. حين أمطرت السماء
فاختفوا فجأة ..