- الأهالي والاستعمار الفرنسي
- عادات سيئة
- الزواج في جزر القمر
- جزر القمر في الموسوعة العربية
في رحلة عبر المخيمات الطبية
جزر القمر بين الواقع الإسلامي والتأثير الفرنسي
عادات سيئة يمارسها الأهالي والشباب المتعلم يواجهها
النساء يمتلكن الأراضي وحفلات الزواج لها مراسم خاصة
الندوة العالمية تنظم العديد من المخيمات الطبية والفائدة كبيرة
قام بالرحلة د. مجدي ابراهيم السيد
قدر لي أن أشارك في المخيمات الطبية التي تنظمها الندوة العالمية للشباب الإسلامي في جزر القمر حيث تقدم هذه المخيمات خدمة طبية للمحتاجين من شعب جزر القمر.
وكانت أول رحلة لي سنة 1995م إلى جزيرة هنزوان، والتي بدأت من دبي إلى العاصة موروني (بجزيرة القمر الكبرى) استغرقت 5 ساعات، ثم سافرنا بعدها بطائرة داخلية إلى هنزوان مروراً بجزيرة موهيلي.
وهناك كان أهل الجزيرة في استقبالنا، فما إن خطونا باب الطائرة حتى ارتفع نشيدهم: " طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع.00" ثم بدأوا يقولون وها قد عاد المسلمون العرب عاد المسلمون العرب وارتفع هذا النداء وسط فرحة غامرة من الأهالي لم تكن في الحسبان.
والتأم عقد الأهالي ليلتهم في احتفال بنا، وتكلم بالعربية وجهاء الجزيرة وشيوخها ممن يحسنون العربية، وهم قليل، وتليت آيات القرآن الكريم، ووزعت عقود الزهور، ثم أوينا إلى بيت الرئيس في هذه الجزيرة، وهو بيت من دورين به أسرة، ومطبخ، وحديقة، وبعد ساعتين من أول ليلة طرق علينا عامل المستشفى ليخبرنا بأن بها حالة تحتاج لعملية قيصرية، وأنهم في انتظارنا.0لم نكن عاينا المستشفى بعد، فتشاورنا مع الزملاء ولم يكن بيننا متخصص في أمراض النساء فكنت أقرب من يتعامل مع هذه الحالات (تخصصي في الجراحة العامة)، وهناك وجدنا امرأة كانت في حالة إعياء شديد، وقد كانت تحت رعاية مركز من مراكز التبشير، وليس لديهم استعداد جراحي ؛ وفعلاً كانت المرأة في حاجة إلى عملية قيصرية لإنقاذ حياتها، وأجرينا الجراحة بعون الله وكانت أول عملية لنا. وفي الصباح تفقدنا المكان، ورتبنا ما كان في حوزتنا من أدوية وآلات ومستلزمات، وبدأنا في استقبال المرضى كل في تخصصه حيث شهد الاسبوع الأول تقديم الخدمة الطبية المطلوبة حتى نفذت الأدوية التي كنا نحملها معنا.
وعلى مستوى الجراحة فقد كانت حاجة المرضى للعمليات لا تحتاج إلى الفحص والاختبار، نتيجة تطور معاناتهم وتفاقم ظواهرهم المرضية وكأن هذا المكان لم يشهد خدمة طبية على مدى حياة هؤلاء الناس، فقررت أن يكون عملي داخل غرفة العمليات على أن يقدم المساعدون الحالات الأكثر تقدماً في مرضها، وفي فترة الأسبوعين أتممت بحمد الله ما يزيد عن 70 عملية جراحية، لم أر مثل تقدم أمراضها من قبل.
- أما المطبوعات الإسلامية التي كانت معنا باللغة الفرنسية والمصاحف، ورغم كثرتها فلم نر لها أثراً، إذ عمد إلى توزيعها المتعاونون مع المخيم، على الأهالي حيث كانوا يقتسمونها فيما بينهم، لينال كل فرد ورقة واحدة يقرأها ويحتفظ بها.
- ومع نهاية المخيم رأينا نحن الأطباء أن نجمع من كل واحد منا ما يستطيع من مال (مائتي دولار تقريباً من كل واحد) على أن تكون أجرة لطبيب نساء وولادة يقيم في الجزيرة نظراً لحاجتها الماسة. وفعلاً اتفق أهل الجزيرة مع طبيب من السودان، علمنا بعد ذلك أنه لبث فيهم عامين، وكانوا في غاية السعادة به.
- ولما كانت الندوة العالمية للشباب الإسلامي تدرس سلبيات وإيجابيات كل مخيم قررت لعموم الفائدة، أن تكون المخيمات التالية مخيمات جراحية، على أن تقدم الأدوية في التخصصات الأخرى كعمل جانبي من أعمال المخيم، وقد نالني شرف حضور مخيمين من هذه المخيمات بعد ذلك، ولكن كانت هذه المخيمات في جزيرة موهيلي، وهي أشد الجزر فقراً. وكنت أقضي أسبوعين مع طبيب آخر ثم يأتي بعدنا طبيبان وبهذا تصل مدة المخيم شهراً كاملاً، تجرى فيه من 300-400 عملية جراحية.
- ولأن الفائدة من المخيمات الطبية كانت كبيرة صار خبر بداية مخيم العرب الجراحي خبراً ذائعاً بين الناس جميعاً في الجزر قبل حضورنا بفترة، أذكر في آخر رحلة اشتدت الأحوال الجوية فور أن استقللت مركباً صغيراً من دوموني إلى موهيلي، وهي رحلة عبر المحيط تستغرق ساعتين بهذه المركبة، وبعد أسبوعين ومع العودة إلى وموني مررت على مركز رعاية اليتامى التابع للجنة مسلمي أفريقيا، فإذا الأطفال اليتامى يهللون ويكبرون، فسألت عن ذلك، قالوا إنهم فرحون بنجاتكم، فقد كانت رحلة ذهابكم من الخطورة بمكان، وكان هؤلاء الأطفال في قلق عليكم.
- من المعروف أن اللغة في جزر القمر هي الفرنسية، ولغة أفريقية يتكلمها بعض الناس، وهناك بعض الشباب ممن درسوا بالأزهر أو بعض البلاد العربية.
- ومن هؤلاء الشباب الذين يتعاونون مع المخيم أحمد، الذي كان قد درس بالأزهر ورجع، ولا توفر له دراسته أي وظيفة، إذ ليس هناك مجال للعمل -ولكنه كان سعيداً بنا إذ أنه لم يجد من يكلمه العربية من 7 سنوات على حد قوله.
أيضاً هناك قاسم 35سنة، الذي كان يعد نفسه من الأثرياء إذ أن لديه بيتاً من قش ومعزتين وعدداً من الأشجار وهو متزوج من امرأتين ولديه بنت ؛ يحكي أن عمه كان إماماً للمسجد وكان يقسره على الذهاب للصلاة وفي كل مرة لايجد قاسم أحداً من الصغار ولا يفهم شيئاً مما يقال في الصلاة فكان ينتظر الإقامة ودخول الناس في الصلاة ثم يولي خارجاً ليواجه درساً آخر من عمه بعد ذلك، حتى بلغ 15 عاماً وأحس بحاجته للتعرف على هذا الدين، إذ كان عمه يرغبه في ذلك، وأنه سيجد إجابة لكثير مما يحيط به في الحياة، فالتحق بالكتاب، وتعرف على من له دراية بأمور الدين، وحفظ القرآن وكثيراً من كتب السيرة، كان يتكلم العربية الفصحى ويفهم المصرية وكان سريع البديهة خفيف الظل شديد الذكاء والإحاطة بأحوال المسلمين والعالم الإسلامي، قال لنا إن أهل الجزيرة كانوا يرغبون في توليته منصب القضاء على الجزيرة، وكان ذلك سيوفر له دخلاً جيداً هو في حاجة إليه، فكان يقول لهم: القاضي إما قاضياً في الجنة وإما قاضياً في النار، وأنا أشترط عليكم ثلاثة شروط، أن أحكم بشريعة الإسلام، وأن ينفذ ما أحكم به، وألا تكون في الحكم وسائط لأحد، فكانوا يرتدون عنه في كل مرة لهذه الشروط التي يضعها ؛ ثم إنه التحق بمنظمة خيرية تابعة للكويت كان من شروط حصوله على وظيفة فيها، أن يعمل متطوعاً لديها مدة عامين حتى يحصل على وظيفة ثابتة، فكان لا يزال يومها في هذين العامين.
كان قاسم يعمل معنا في المخيم للترجمة والتنسيق، ووجدته يوماً يطيل الكلام مع رجلٍ كبير كنت أجريت له عملية فتق، وكانت نصف بطنه في هذا الفتق، وكان يتماثل للشفاء، فسألته ما تقول له.0 قال لي إن هذا ساحر وإني أذكره نعمة الله عليه وأدعوه للتوبة، وهكذا كان كلما مر به يقول له أما آن لك أن تتوب. بعد عامين لمحت هذا الرجل بين من يودعنا من أهل الجزيرة، ولا أدري إن كان قد تاب أو أنه لا زال على ما كان عليه.
الأهالي والاستعمار الفرنسي
- المتأمل لأحوال أهل هذه الجزر يجدهم يرغبون في الخلاص مما هم فيه، فإنهم يرون الاستعمار الفرنسي، وإن كان قد رحل عنهم رسمياً إلا أن الفرنسيين لازالوا مستأثرين بإحدى الجزر (مايوتي) ويتخذونها قاعدة عسكرية لهم. ثم إن فرنسا لازال وجودها مباشراً في هذه الجزر لا تسمح بمظاهر أو توجهات إسلامية أو علاقات مع الدول العربية، وتفتح الأبواب على مصراعيها للمؤسسات التبشيرية. وهم في فرض هذه التوجهات يتخذون وسائل شتى. فلا تعجب لسماع الانقلابات والاغتيالات، واذكر أنني على رأس كل رحلة كنت أجد الناس في أثر انقلاب أو إعداد لحكومة جديدة، ويحمل الناس في نفوسهم الإعزاز والإكبار لكثير من رؤسائهم السابقين، وكانوا يحكون لي عن هذا الذي يدور، ويدعونني لزيارة قبورهم والترحم عليهم.
ومما أعجب له أن المؤسسات التبشيرية على كثرتها وانتشارها لا أثر يذكر لها، فلم يدخل أحد في دينها، ولم تشارك بأموالها في مصلحة نافعة للناس، وإنما إن كان ثمة مشروع قد يعم نفعه تكون هذه المؤسسات أول من يقف أمامه، وكأنها من حلفاء الفقر والمرض.
وفي المقابل تجد مؤسسة مسلمي أفريقيا، على ضعف اعتماداتها تقوم بحفر الآبار، وإقامة دور اليتامى، والمدارس، وكثير من الأعمال الخيرية، وأيضاً من أعمالها التنسيق لاستقدام مثل مخيمنا الطبي، والذي لم يكن ليسمح به من المؤسسات النصرانية لولا جهودهم؛ ولقد وجدت في عودتي ذات مرة أن بالعاصمة مستوصفاً طبياً تابعاً لهيئة الإغاثة الإسلامية، فيه طاقم مصري من الأطباء والفنيين وهم على إعداد جيد حتى لإجراء الجراحات، قال لي الزملاء إنهم وبعد عام من قدومهم لم يستطيعوا إجراء عملية جراحية واحدة، وحتى إمكانات المستوصف العادية لايمكن لهم توظيفها نظراً للمكائد والعراقيل التي تقوم بها تلك المؤسسات والهيئات الغربية.
ولفرنسا هناك سيطرة ملحوظة على التعليم والإعلام، فإنك ترى لجنة مسلمي أفريقيا بعد جهود جبارة لم يسمح لهم إلا بقليل من المدارس الإبتدائية ليكمل الطالب تعليمه بالمدارس الفرنسية، وليخرج على ماتبثه فيه من ثقافة.
وإنك لتجد بيوت الناس وقد بنيت من قش وليس بها أي من الخدمات، ولكن يعلوها جهاز استقبال القنوات الفضائية، إذ توفر فرنسا هذه الخدمة وتيسرها لبث خمس قنوات فضائية مباشرة للجزر، وفي المقابل تجد - على حد قول الأهالي - أنهم لما أعياهم تلوث الماء وأقدمت حكومتهم على استيراد أجهزة لمحطة تنقية وضخ المياة أغرقت فرنسا لهم الشحنة في المحيط قبل وصولها.
عادات سيئة
أما على الصعيد الاجتماعي والثقافي نجد أن الأهالي قد ترسخت فيهم عادات يعمل الناشطون من الشباب الذين تعلموا تعليماً إسلامياً في البلاد العربية على مناهضتها. فالناس عامة يحتقرون العمل ويعتبرون كثيراً من المهن كالصيد والفلاحة أعمال خسيسة تفقد الإنسان مكانته الإجتماعية، فلا يقدم في المجالس ولايعتد أحد برأيه أو حديثه.
كما أن لهم اهتماماً بالغاً بمناسبات إسلامية يتخذونها عيداً ويلصقون بها عادات لا يمكن لهم التنازل عنها، أذكر أنه لدى مقدمي لجزيرة موهيلي لأول مرة كان عمال المستشفى في إضراب عن العمل (ولم يكن لأعمال المخيم أن تتم على ذلك) وكانت الكوليرا منتشرة وحتى هذه الحالات كانوا سيوقفون تقديم الإسعاف لها.. والسبب أن الحكومة عجزت عن تقديم رواتبهم لثمانية أشهر، وكانوا على مقربة من مناسبة الإسراء والمعراج، ولا يستطيعون أن تمر عليهم المناسبة بدون إعداد أنواع الطعام المتعارف عليها، وكانوا حوالي ثلاثين عاملاً ومدير المستشفى وحوالي أربعة أطباء عاميين، فوعدتهم أنهم إذا استأنفوا العمل وأتممنا المخيم سأعطيهم راتب شهرين لكل واحد منهم يعود للعمل، وكان معي مبلغ من المال تابع للمخيم أصرفه فيما يظهر لي من طوارئ، وفعلاً انطلق الحاضرون لإبلاغ المضربين في ديارهم، ليبدأ العمل في التو واللحظة، فكانوا يأتون يسألونني للتأكد مني مباشرة إن كان ما قيل قولاً صدر عني فعلاً ليلتحقوا بالعمل، وبدأ العمل فعلاً، وأثناءه كانوا يعدون قوائم بالأسماء والمرتبات، وأعطيتهم راتب شهرين ونصف، مع المكافآت للمجتهدين، ولم يعد ذلك في مجموعه على ما أذكر ألفي دولار.
والأسعار هناك غالية جداً، فيما عدا ما يجمعونه من الأشجار والأعشاب وربما الأسماك من المحيط لأكلهم المعتاد، وهم يأكلون مرة واحدة أو مرتين في اليوم ويعجبون من كثرة ما نأكل. تجد البيضة بدولار والدجاجة بثمانية دولارات إن وجدتها أصلاً، فليس هناك مشاريع زراعية ونادراً ما يقتني أحد من الأهالي هذه الأشياء أو أي من الحيوانات لتربيتها ؛ مع أن أراضيهم من أخصب الأراضي وكلها خضراء وتكاد لا ينقطع عنها المطر. أذكر أنه في أحد المخيمات كان عمال المستشفى يمنون أنفسهم من بداية المخيم أن تكون حفلة الختام بيبسي وبيض مسلوق، ليأخذ كل حاضر بيضة بدلاً من البسكوت أو قطع السمك، فوعدتهم بذلك، واجتهد بعضهم، ولكن لم تتم هذه الرغبة، إذ أن البيض يأتيهم من اليمن، ولم يكن وصول الباخرة موافقاً لتلك الفترة التي كنا فيها.
الزواج في جزر القمر
ومن عاداتهم أيضاً أن الميراث لا يخرج عن الأخت الكبيرة، والنساء عامة يمتلكن الأراضي ويتصرفن فيها ولا شيء في ذلك للرجال. أما الزواج فهناك الزواج الأصغر وفيه يكون على أهل الفتاة إعداد البيت وتجهيزه وإحضار جميع اللوازم وليس على الزوج بعد تمام الزواج والدخلة إلا حفلة الزواج، ويدعونها الزواج الأكبر، وهي حفلة مفتوحة لعدة أيام يحضرها الأقارب والجيران يأكلون ويفرحون، وتعتبر ديناً على الزوج يؤديها بعد زواجه مهما طال عليه الزمان، وهو حتى يؤديها لا ينظر إليه إلا باحتقار وازدراء، ولا يستطيع أن يرفع صوته بين جماعة من الناس، ولا يؤخذ برأيه فيما يخص الجماعة من شأن، وإن كان في المسجد فلا يقدم للصف الأول، وإن لم يكتمل هذا الصف أثناء الصلاة.
فترى أن كثيراً من الشباب يتحرجون من الزواج، مخافة هذا المصير، إذا لم يستطيعوا الوفاء بهذه التكاليف.
على الجانب الآخر نجد من الشباب المتعلم من يجتهد في الوعظ والإرشاد، وبيان انحرافات البعض الذين تأثروا بالفرنسيين. كما أن بعض الشباب هناك يحرص على الصيام في رجب وشعبان قبل رمضان، ولا يجاهر بالإفطار فيها إلا فاسق وهو مرفوض من العامة.
أما الأولاد عامة لا يعتني بهم أحد فهم في الشوارع والطرقات وقلما يبدأ أحدهم في ارتداء الثياب قبل الالتحاق بالمدارس (إلا البنات). أذكر أنه عند مغادرتي مرة من موهيلي بمركبة إلى الجزيرة الرئيسية، اجتمع عدد من الأطفال لنأخذ صورة قبل المغادرة، وقبل التصوير مباشرة وجدتهم يشيرون إلي بالانتظار، فقد كانوا لا يلبسون شيئاً من الثياب، ثم إنهم وجدوا أن تكون الصورة لهم وهم في الماء حول المركبة حتى لا تنتقص وجاهتهم.
يغلب على أهالي جزر القمر المسالمة، فالجميع يلقي عليك التحية، وإن النساء والأسر تفترش الطرق في الليالي التماساً لنسيم الليل والسمر، ولا يعرف أن يعتدي أحد على أحد، وربما لا تعرف الجريمة إلا فيما ندر. ولا يعمل أحد بالتسول، فهم يشعرون بعزة النفس ولا يلحون في الطلب. أذكر أن مريضاً كانت زوجته في حاجة للأنسولين لعلاج السكري، وهو لا يستطيع شراءه، فسألت عن حاله بعد المخيم وزوجته ستكون في حاجة لاستمرار تعاطي هذا الدواء، فقالوا هو لن يأتي به وإن ماتت زوجته، فلن يتكفف الناس لطلب العلاج ؛ وكثيراً من الأمراض المزمنة التي تقوم على العلاج كالسكري والقلب والضغط لا يعمر أصحابها، وفعلا ً لم تكن هذه الأمراض موجودة بكثرة على أمثلة الأمراض التي لا تودي بالحياة كالفلاريا والملاريا وأنواع الفتق وتضخم الغدد
.وعلى صعيد حفظ القرآن الكريم فنجدهم يحفظون قصار السور وآية الكرسي، ويحفظونها من الطفولة، وهم يعتقدون أن العرب كلهم من حفظة القرآن وأنهم من أحفاد الصحابة رضوان الله عليهم. وأذكر أنه في صلاة الجمعة و مع امتلاء المسجد، أصر الناس على تقديمنا للصف الأول، ثم وقف الخطيب وهو رجل كبير يخطب بالعربية من كتاب قديم وهو لا يكاد يبين، والناس لا يفهمون العربية أصلاً ولكنهم يدركون تمام الخطبة إذا سمعوا ذكر الخلفاء الراشدين والعشرة المبشرين بالجنة فتعلوا أصواتهم بالصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام ؛ ولكني لاحظت على الشيخ الخطيب الاضطراب والارتعاش، فسألت الشباب عن هذا الأمر بعد ذلك، فعلمت منهم أنهم من قريب كانوا على خلاف كبير، وصل للتكفير بين الشباب الذين يطلبون الخطبة أو شرحها بالفرنسية حتى يفهم الناس، وبين الشيوخ الذين أصروا على ألا ترتفع لغة الكفار بالمسجد ؛ ودحر في ذلك الشباب، وردت آراؤهم. ثم إن الشيخ كان على خوف أن نقوم بعد الخطبة نستدرك عليه في أي شيء، فيهزم ذلك مقامه أمام الشباب، الذين لم يتم تحجيمهم ورد آرائهم إلا من أمد قريب.
واذكر أن قال لي الشباب من أول زيارة لجزر القمر إن هذه الزيارة حفرت في ذاكرتهم، وإن أهم ما تركته للمقيمين، صورة العرب التي كانوا يتمنونها، فقد كان الفرنسيون يرسخون فيهم تخلف العرب وهمجيتهم، فيكفي الناس فرحة وفخراً الآن في رد ذلك أن علاجهم وجراحاتهم كانت على أيدي بعض الأطباء العرب.
وكثيراً ما أراهم يتحدثون عن رغبتهم في التخلص من الفرنسيين ولكنهم لا يستطيعون، لرغبة العرب عنهم من ناحية (إذ لا توجد سفارة لأي دولة عربية ولا أجنبية)، وأنهم يجدون الفرنسيين في كثير من أزماتهم، وإن كانت من افتعالهم في غالب الأحيان.
وفي كل مرة نتلقى الأماني من الأهالي بتوصية المسؤولين في بلادنا بفتح المعاهد الدينية وابتعاث الشباب وإعطائهم الفرص التي لم تكن لسابقيهم، فهم يشعرون بالنقص في التعليم الديني دوناً عن شعورهم بالنقص في أي شيء، وهم يرون مسؤولية العرب عنهم في ذلك، ويرون أثر هذا العلم الذي يحمله من عاد من بلادهم، وهي أمنية عزيزة أصبح لا ينالها أكثر من يرغبها.
جزر القمر في الموسوعة العربية
تجدر الإشارة إلى أن جزر القمر دولة عربية تقع شرقي افريقيا، وتتكون من أربع جزر هي: جزيرة القمر الكبرى، وجزيرة أنجوان، وموهيلي، ومايوت. وتبلغ مساحتها جميعها 2170 كم مربع، وسكانها مسلمون رغم وجود قلة نصرانية مؤلفة من رجال الإرساليات النصرانية وجماعة من مدغشقر. وعاصمتها موروني، وعملتها الرسمية فرنك المجموعة الافريقية. وقد انضمت إلى الأمم المتحدة عام 1975م. ولغتها الرسمية اللغة العربية.
وفي التاريخ القديم يذكر المؤرخون أن أول من سكن جزر القمر العنصر الماليزي، ثم وصل إليها الأدوميون وهم من الساميين، وذلك أيام سيدنا سليمان بن داوود عليهما السلام، ثم توافد عليها زنوج قدموا من زنجبار في القرن الخامس الميلادي، وتوالت جماعات وفدت إليها من افريقيا، ومدغشقر، والجزيرة العربية، وتذكر الموسوعة العربية أن قامت صلات تجارية بين العرب وشرقي افريقيا من قديم الزمان، فلما انتشر الإسلام في بلاد العرب، انتقل إلى شرقي افريقيا عن طريق التجار والدعاة والهجرات، وتزايد انتقال المسلمين إلى شرقي افريقيا نتيجة الأحداث والظروف السياسية، واجتذبتهم إليها الصلات القديمة، ويسر المواصلات إلى سواحلها، كما قدمت أعداد من شيراز من بلاد فارس، ومجموعة من عُمان والأحساء واليمن واستقرت في شرقي افريقيا.
استقر هؤلاء المسلمون جميعاً على طول الساحل الشرقي لافريقيا ولم يتوغلوا إلى الداخل، وكانت مهنتهم التجارة في معظم الأحوال، وإن كانت التجارة قد سهلت سبل الاتصال بالسكان ودعوتهم للإسلام.
واستطاع هؤلاء المسلمون أن يؤسسوا مراكز تجارية كبيرة من أشهرها كلوه، ودار السلام وبفالة ومالندي وغيرها، وكانت ذات حضارة رفيعة كما ذكر ابن بطوطة وكذلك البرتغاليون الذين احتلوها عام 908ه، 1502م، بعد أن تمكنوا من الالتفاف حول افريقيا، وأطلقوا على سكانها المسلمين اسم المورو مثل بقية المناطق التي وجدوا فيها مسلمين، ولم يجد البرتغاليون صعوبة في دخول جزر القمر لضعف السكان وتفرقهم وعدم توحد صفوفهم. غير أن السكان لم يلبثوا أن ثاروا على البرتغاليين بسبب القسوة التي أبدوها والوحشية التي عاملوا بها الأهالي. وانتهت هذه الثورات بطرد البرتغاليين من البلاد.
منقو ول
المصدر
http://www.muslimworldleague.org/paper/1818/articles/page4.htm