اسبانيا المسافرون العرب

أكتشف العالم بين يديك المسافرون العرب أكبر موقع سياحي في الخليج و الوطن العربي ، يحتوى على أكبر محتوى سياحي 350 ألف استفسار و نصائح عن السفر و السياحة, 50 ألف تقرير سياحي للمسافرون العرب حول العالم و أكثر من 50 ألف من الاماكن السياحية و انشطة وفعاليات سياحية ومراكز تسوق وفنادق، المسافرون العرب هو دليل المسافر العربي قبل السفر و اثناء الرحلة. artravelers.com ..
وراق الاندلس
06-05-2022 - 03:54 pm
  1. بقلم د. محمد موسى الشريف

  2. المشرف العام على موقع التاريخ

  3. الجزء الثاني

  4. أيام في الأندلس (2/7)

  5. الجزء الثالث

  6. أيام في الأندلس (3/7)

  7. الجزء الرابع

  8. أيام في الأندلس (4/7)


هذه رحله قام بها الدكتو محمد موسى الشريف الي ربوع الاندلس بعد دعوة تلقاها من الرابطة الإسلامية للحوار والتعايش التابعة لاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا لكي يشاركهم مخيمهم الصيفي العائلي الخامس الذي أقيم في منطقة سانتا ندير في أقصي الشمال الغربي لأسبانيا .. وقد نشرها في موقع التاريخ على سبعة اجزاء او مقالات ... وقد قمت بنقلها لكم ....
وفيها مشاهدات ومواقف وقصص مؤثره حدثت للدكتور في تلك الربوع العزيزه علينا
وحتى لااطيل عليكم اترككم مع الرحله

أيام في الأندلس (1/7)
الاثنين13 اغسطس 2008م , 11 شعبان 1429 ه

بقلم د. محمد موسى الشريف

المشرف العام على موقع التاريخ

لقد تجنبت طويلاً الذهاب إلى أندلسنا المفقود ، وقد دعيت مراراً للذهاب لكني لم أكن أحبذ الإجابة ، وذلك لأن قلبي لا يطيق رؤية آثارنا الإسلامية المنتشرة في كل بقعة هناك ، إذ كيف لي أن أرى جامع قرطبة الأعظم الذي حول النصارى جزءاً منه إلى كنيسة وأغلقوا سائره ، وكيف سيتحمل القلب رؤية قصر الحمراء والترف الذي كان يعيش فيه الأمراء والسرف الذي كان ديدنهم وملازمهم وملابسهم ، وكيف ستتحمل العين رؤية بلنسية وجامعها وقلعتها إلى عشرات الآثار التي حول الجوامع منها إلى كنائس ، وترك الباقي ليدلل على حضارة لم يرعها أهلها حق رعايتها ، ولم يصونوها بالطاعة ، ولم يزينوها بالتقوى.
الحضارة التي كانت مثلاً مضروباً لا في أوروبا فقط بل في العالم كله آنذاك ، وما أشد انطباق قول الله تعالى في كتابه عليها : ( ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) وقول الله سبحانه : (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً) فكم مد الله لهم ، وكم مهد لهم ، وكم أغدق عليهم ، وكم أقام الله لهم في الأرض من عماد ، وكم جلب لهم من قلوب العباد لكنهم استقبلوا كل ذلك بآفتي المعصية والفرقة واستمرءوا فيهما المكابرة والعناد فمزقوا شر ممزق ، وتفرقوا في البلاد أيادي سبأ ، وصاروا شذر مذر ، وأقيم عليهم المآتم والعويل ، وصاروا بعد العز كأبناء السبيل ، فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ، جزاء وفاقاً ، وما ربك بظلام للعبيد سبحانه وتعالى ، وكيف لا يعاملون بهذا وقد كان الواحد من الحكام يبيع الحصن للنصارى نكاية في أخيه ، ويسلم المدينة إلى عباد الصليب إذلالاً لحاكم مسلمٍ لا يرتضيه ، وأخبارهم في ذلك طافحة ، لكن الألسن من هول ذكرها معقولة وليست جامحة !! فإنا لله وإنا إليه راجعون .
ومن أراد إتعاب قلبه ، وإبكاء عينيه ، وإحزان نفسه فليقرأ ((نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب)) لإسماعيل المقري ، والكتاب معلمة ضخمة من عدة أجزاء ، خص المقري جزءاً منها لذكر سقوط المدن الأندلسية ، فهناك يعظم الخطب على القاري ويستولي الحزن على التالي ، وربما صاح وانتحب ، وأكثر من العويل بعد العجب ، ولقد ترك الله هذه الأخبار حتى جاء هذا الزمان ليعتبر بها أهل عصرنا ، ويتعظ بها حكامنا ومحكومونا فهل هم فاعلون ؟!
الحاصل أني دعيت هذه المرة فأجبت لكن عزمت ألا أعرج على بقعة فيها آثار للمسلمين ، وألا أنزل بساحة فيها معالم كانت للموحدين ، إنما أتجنب ذلك كل التجنب ، وذلك لما أسلفت ذكره آنفاً من عدم رغبتي في الغرق في مستنقع الأحزان ، فلم يعد في القلب متسع ولا مكان بعد امتلائه بأحزان هذا الزمان والله المستعان.
وقد دعتني الرابطة الإسلامية للحوار والتعايش التابعة لاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا لأن أشاركهم مخيمهم الصيفي العائلي الخامس الذي أقيم في منطقة سانتا ندير في أقصي الشمال الغربي لأسبانيا على المحيط الأطلسي بالقرب من الحدود الفرنسية فأجبتهم وشددت الرحال إليهم في رحلة طويلة بدأت من جدة إلى الرياض ثم إلى ميلانو ثم إلى مدريد ، التي وصلتها يوم الجمعة قرب الظهر ، فاستقبلني الأخوة وأنزلوني منزلاً حسناً لأرتاح فيه إلى وقت الصلاة ، ثم خطبت المصلين الذين اكتظ بهم جنبات الجامع الكبير الذي بنته السعودية ، وهو في مكان مهم جليل ، وهو من الجوامع القلائل في إسبانيا ، خطبت المصلين في موضوع أرى أنه مهم ألا وهو الاعتزاز بالإسلام ، وقلت لهم فيما قلت : إننا خير أمة أخرجت للناس ، وأن كتابنا أعظم كتاب ورسولنا صلى الله عليه وسلم أعظم رسول ، وشريعتنا أعظم شريعة وأسمحها ، فهذا يدعونا إلى الاعتزاز بهذا الدين العظيم ، ويلزم من هذا الاعتزاز أربعة أمور : الفخر بهذا الدين وعدم الخجل من شيء منه ، وذلك أن كثيراً من المسلمين في أوروبا يخجل من إظهار إسلامه أو أن تمشي بجواره زوجه المححبة أو ابنته ، والأمر الثاني هو : فهم هذا الدين والتثقف بالثقافة الإسلامية ، والأمر الثالث : الالتزام بهذا الدين ، وإحسان الطاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والأمر الرابع : الدعوة إلى الإسلام خاصة في تلك البلاد ، فهي فرصة جليلة أن يوجد ملايين المسلمين في رقعة ضيقة يدعون إلى الله تعالى بلساني الحال والمقال أو على الأقل بلسان الحال ، كان هذا مضمون الخطبة.
ثم بعد الصلاة رحب بي الشيخ منير المصري إمام المسجد ترحيباً حاراً جزاه الله خيراً ودعاني لأتحدث إلى المصلين فتحدثت معهم عن هوية المسلم وأن عمادها هو الإسلام والحفاظ على اللغة العربية وبناء المدارس الإسلامية ومراكز الترفيه والترويح ، ودعوتهم ليشاركوا بقوة في إرساء معالم الإسلام في تلك البلاد ، وألا يتكلوا على أئمتهم ومدراء مراكزهم في الأعمال الدعوية ، بل الواجب أن يحملوا معهم هم الإسلام ، ثم أقبل الناس مسلّمين ، وأظهروا من مشاعر الشوق وعواطف الحب الشيء الكثير فجزاهم الله خيراً.
ومما يميز التجمع الإسلامي في إسبانيا التنوع الكبير في أصول المسلمين ففيه مغاربة وجزائريون وتونسيون وهم العدد الأكبر ، وفيهم ليبيون قلائل ، وسوريون وهم بين أطباء وتجار ، ومصريون ، هذا عدا عن مسلمي أهل البلاد الأصليين ، وعدد المسلمين قرابة مليون وربع من أصل 42 مليوناً هم تعداد أهل البلد أجمعين.
وللمسلمين علاقات حسنة مع الحكومة الحالية حكومة ثابا تيرو رئيس وزراء إسبانيا الذي جاء عقب اليميني المتطرف أزنار الذي ساعد الأميركيين والبريطانيين في حرب العراق فقلعه الله كما قلع بلير من بعد ، ولله الحمد ، وللمسلمين نائب واحد في البرلمان من أصل مغربي ، وهذه علة عليلة في المسلمين ، إذ أنك تجدهم في بلد ما عدة ملايين ثم إن تمثيلهم في البرلمان ضعيف جداً أو منعدم ، وهذا بسبب تفرقهم ، وقلة وعي أكثرهم ، وضعف قناعتهم بأهمية الدخول للبرلمان والمنافحة عن حقوقهم والذب عن أنفسهم ، فبريطانيا على سبيل المثال فيها من المسلمين ما يقارب المليونين لكن لهم نائبان فقط ، أما اليهود فهم قرابة ربع مليون ولهم أكثر من ثلاثين نائباً !! ، هذا غير النواب الكثر الذين يساندونهم ، وعلى بريطانيا وحال المسلمين فيها فقس.
والإسلام معترف به في إسبانيا ، وهو الدين الثاني في البلاد ، وهذا أمر حسن ، فالإسلام غير معترف به في كثير من الدول الأوروبية ، والاعتراف ينتزع حقوقاً للمسلمين مهمة ، ويكفل لهم بناء المساجد والمدارس والمراكز بلا عائق يذكر ، ويغدق عليهم المعونات المختلفة من الحكومة ، وهذا كله أمر مهم في ترسيخ الوجود الإسلامي وتجذيره في أوروبا .

الجزء الثاني

أيام في الأندلس (2/7)

ذكرت للقراء الكرام في الحلقة السابقة أنني صليت الجمعة في جامع مدريد الكبير ، وبعد الصلاة حاضرت في الجمع الكبير في شأن هوية المسلم ، ثم بعد ذلك اتجهت إلى سانتا ندير ، وهي منطقة جبلية تبعد عن مدريد 480 كيلاً ، والمخيم يبعد عن سانتا ندير خمسين كيلاً ، وقد طال بنا الطريق ، وكنا أربعة أنا وزوجي أم علي وسائقنا الدمث الأخ عبد العزيز الترنيفي ورابع فاضل ، لكن السيارة خربت في الطريق وطال بنا فم نصل إلى مكاننا إلا بعد المغرب بساعة ، ومغربهم قرابة العاشرة !! فلم نصل إلا وقد أخذ منا التعب كل مأخذ ، ولله الحمد.
والمخيم ضخم على بحيرة عذبة كبيرة متصلة بالمحيط الأطلسي لكن بينهما برزخ لا يبغيان ، سبحان الله العظيم ، وقد تحدثت مع الجمع – القليل – عن قصة مريم جميلة حفظها الله وهي مسلمة أمريكية من أصل ألماني ، وهي من أبوين يهوديين وأسلمت في قصة جليلة يطول ذكرها ها هنا لكن خلاصتها أنه قد كان لله تعالى بها عناية ، وسيقت إلى الإسلام عن طريق القراءة العميقة المطولة والثقافة الواسعة العجيبة ، هذا ما اتصفت به ولما تكن مسلمة بعد !! واتصلت بالأستاذ المودودي عليه من الله الرحمة والرضوان ، ثم أسلمت وتعرضت بعد إسلامها لصنوف من البلاء على أيدي العرب المسلمين في أمريكا !! ثم هاجرت إلى لاهور وهي تعيش هناك منذ خمس وأربعين سنة ، وقد هاتفتها وتحدثت معها وقصتها طويلة رائعة حفظها الله ، فقصصتها على الحاضرين في المخيم على وجه مفصل بعض التفصيل وكنت أريد منهم أن يحفظوا من قصتها عدة معان فمنها الثقافة واسعة والقراءة المطولة ، وأكثر المسلمين اليوم محرومون من هذا ، ومنها الثبات العجيب على الإسلام على ما نزل بها من بلايا ورزايا وهي شابة بعد في العشرينات ، ومنها الإصرار على الحق والعزم على التغيير ، ومنها الدعوة إلى الله تعالى وهي تمارسها إلى اليوم مع أنها في عشر السبعين ، ومنها قوة الإيمان وجمال اليقين ، إلى غير ذلك من المعاني الكثيرة في قصتها العجيبة اللطيفة.
ثم تحدثت مع الحاضرين في وقت آخر عن واجبهم في البلاد الأندلسية ، وأن الله تعالى أعادهم من جديد بعد أن أخرج النصارى أجدادهم منها فعادوا وتمكنوا وصاروا أكثر عدداً من الأندلسيين آنذاك ، فعددهم اليوم قرابة المليون ونصف المليون بينما لم يكن الأندلسيون آنذاك بهذا العدد ، فهذه نعمة من الله تعالى عليهم شكرها ، وشكرها يكون بالدعوة إلى الله ، ونبهتهم إلى أن الذي أخرج أسلافهم من هذه البلاد إنما هو أمران اثنان : الفُرقة والمعصية ، فهذان مرضان خطيران جداً فعليهم أن يتجنبوهما اليوم حتى لا يفعل بهم ما فعل بأسلافهم من قبل ، ونبهتهم على أمر مهم ألا وهو وجوب العناية بالجيل الناشئ خاصة الفتيات ووجوب التعاون على بناء مدارس خاصة بهن ، وأنهم لو لم يجدوا سبيلاً لإقامة هذه المدارس إلا بأكل وجبة واحدة في اليوم وبقطع الكماليات والتحسينات عنهم لوجب عليهم فعل هذا ، وأجبتهم على بعض أسئلتهم الفقهية ، وحاولت جاهداً أن أجتنب الإجابة عن الأسئلة التي إجاباتها تتعارض مع إجابات المجلس الأوروبي للإفتاء حتى لا أحدث بلبلة في صفوفهم لكن أصر القوم على معرفة رأيي فلم يسعني إلا تبيان ما أرى أنه الحق ، والله أعلم.
وقد لقيت في المخيم الأخ الفاضل رضا الباروني ، وهو تونسي هاجر بدنيه إلى بلاد الكفار !! وهو تاجر مواش من بلنسية ، وكان الرئيس السابق للمركز الثقافي الإسلامي فيها ، حدثني عن صور من الهداية عجيبة ، وأخبرني أن هناك إسبانية مسلمة اسمها خديجة حاولت مع أمها طويلاً حتى تسلم ، ثم إن أمها أسلمت من قرابة أسبوع مضى من حديثه معي ، وكان في رجب 1428/ أغسطس 2007 ، وقد ذكرت الأم أن سبب إسلامها هو بر ابنتها خديجة الشديد بها ، وأن لها عدة بنات لا يبرها أحد منهن بشيء يقارب بر خديجة بها ، وبكت خديجة وهي تخبر الناس في المركز بإسلام أمها وذلك لأنها قد بلغت أرذل العمر وكانت تخاف من أن تموت كافرة .
ويقارب هذا ما حدثنيه عن امرأة لها بنتان بنت مسلمة وأخرى كافرة ، فالكافرة لا تزورها ولا تبرها ولا تسأل عنها ، أما المسلمة فهي بها بارة بل شديدة البر ، وكان زوج ابنتها المسلمة يساعد زوجه على بر أمها والعناية بها ، ويصبر على غيابها عن بيتها من أجل البر بأمها ، فلما رأت ذلك أمها أسلمت ، ثم ماتت بعد إسلامها بستة أشهر فقط ، فسبحان الله كيف نجت من الخلود في النار ! ولله الحمد والشكر .
هذا من تينك البنتين درس عظيم في أهمية عبادة البر بالوالدين ولو كانا كافرين ، وأن له آثاراً حميدة جداً في المجتمع المادي المتفسخ في الغرب ، هذا على أن الأسر الأسبانية من أكثر الأسر الأوربية تماسكاً وتلاصقاً ، لكن انظر كيف هي وكيف تبعد عن تماسك والتحام الأسر في بلاد الإسلام فاللهم لك الحمد ، فلا زالت الأسرة المسلمة وتماسكها وتلاحمها من المؤثرات الكبيرة في الغربيين ومن الأسباب المهمة لدخولهم في الإسلام ورضاهم به ديناً.
هذا وقد تحدثت مع الإخوة في المخيم أيضاً عن العلاقات الاجتماعية في الإسلام بإيجاز شديد ، وبينت أن العلاقات بين الناس في الإسلام مبناها على العبادة وليس العادة ، وأن هذا - أي المعنى التعبدي - هو الذي ينشئ العلاقات الاجتماعية على أحسن الأسس وأقواها وأبعدها أثراً وأبقاها.
هذا وقد كان في المخيم عدد قليل نسبياً من الرجال والنساء والأطفال ، وهذه بلية كائنة في كثير من المخيمات الأوروبية ، وأعيد هذا إلى أسباب : منها التقصير في دعوة الناس للحضور من قبل الحاضرين أنفسهم بمعنى أنه لو حاول كل شخص أن يحضر المخيم برفقة آخر ، وكل عائلة برفقة أخرى لتضاعف العدد ، ومن الأسباب أيضاً حرص كثير من المسلمين هناك على أرزاقهم وتقصيرهم في حضور مثل هذه الأعمال الإسلامية المباركة ، ومنها قلة الوعي بأهمية حضور مثل هذه اللقاءات ، ومنها الخوف والحذر غير المبرر ، ومنها الخلافات الكائنة بين بعض ذوي الاتجاهات المخالفة وبين القائمين على المخيمات ، أما إسبانيا فإن العمل الإسلامي فيها المنسق المرتب القائم على أصول صحيحة من التعاون والتآزر والتعاضد وسد النقص ولمّ الشمل إنما هو جديد بعض الجدة فلربما كان هذا من الأسباب القوية المانعة من الحضور الجيد إضافة إلى ما ذكرت ، والله الموفق .

الجزء الثالث

أيام في الأندلس (3/7)

أخبرني الأخ رضا الباروني التونسي ، المدير السابق للمركز الإسلامي الثقافي في بلنسية الذي حدثتكم بحديثه في الحلقة السابقة ، أخبرني بأنهم عقدوا منذ مدة مؤتمراً سموه ب (أيام ابن الأبّار الثقافية) على مدار ثلاثة أيام ، وابن الأبّار هو مؤرخ بلنسي مشهور ، وعالم أندلسي مات وهو مقهور ، فقد قتل في تونس في قصة محزنة ، فأراد الأخوة أن يحيوا ذكراه فأقاموا له هذا المؤتمر ، وأتوا فيه بمتحدثين كان منهم دانييل فينيتو ، وهو دكتور محاضر في كلية تاريخ الفنون في جامعة بلنسية ، فحاضر الجمع عن الفن الإسلامي ، ووصل إلى حقيقة مهمة هي معروفة لكن غفل عنها فنانونا الذين أكثروا في الأرض الفساد ، فقد ذكر أن كل الفنون في الإسلام على جلالتها وروعتها وسبقها قائمة على أمرين ومؤكدة لحقيقتين حقيقة التوحيد الخالص ، وأن لهذا الكون إلهاً واحداً ، وحقيقة أن كل ما على هذه الأرض من جمال وجلال ، إنما هو زائل ، ويبقى وجه الله تعالى الواحد القهار ، هذا معنى كلامه ، وهو قد أصاب كبد الحقيقة وسقط على المحز والمفصل.
وأيضاً تحدث في هذا المؤتمر د.خافيير مارتين مدير متحف التاريخ في بلنسية ، تحدث عن حقيقة قال إنها سِر يفصح عنه لأول مرة ألا وهو أن المسلمين صنعوا المجاري في بلنسية على هيئة من الدقة والإتقان والإحسان إلى غاية لم يحتج الإسبان إلى تجديدها إلا في أوائل القرن العشرين ، أي أنها بقت زيادة على سبعة قرون !!
وأن قنوات الري التي أنشأها المسلمون كانت من الدقة والإحاطة على وجه عجيب ، وهذا اعتراف منهم ببعض جوانب حضارتنا لم يكونوا إلى عهد قريب يجرؤون على البوح والإشادة به.
وبلنسية حافظت على اسمها العربي حتى الآن مع تحوير خفيف جداً ليناسب النطق الإسباني ، وأينما توجهت في الأندلس وجدت الألفاظ العربية حتى أن بعض الباحثين يقول : إن في اللغة الإسبانية سبع آلاف كلمة عربية ، وإن أربعين بالمائة من الكلمات من أصول عربية ، قال هذا د.دانييل السابق ذكره آنفاً ، وتجد أسماء لقرى ومدن مثل بلد الوليد وبني محمد وبني كلاب وبنى جابر ، والقصر والمعصرة وبني مسلم وبني قاسم ، وقرطبة واشبيلية وغرناطة ومدريد وقلعة أيوب وشاطبة في مئات من الأسماء تنطق على وضعها العربي مع تحوير خفيف أو خفيف جداً ، وهيئة القوم تدل على أن أصول بعضهم عربية ، ولا جرم فقد بقي في الأندلس عشرات الآلاف من العرب المسلمين وربما وصل عدد من بقي إلى أكثر من مائة ألف فهؤلاء تركوا في هيئات من جاء بعدهم من ذرياتهم الملامح العربية.
وذهبت في زيارتي الأندلسية هذه إلى متحف التعذيب الذي تولى كبره وباء بإثمه محاكم التفتيش الباغية الطاغية المتجبرة الظالمة ، وقد كانت مجلة المجتمع الغراء قد نشرت تحقيقاً مطولا عنها منذ مدة قريبة ، وموقع هذا المتحف في بلدة سانتيانا دلمار ، وقد كانت مجمعاً لقسيسين من كل إسبانيا بعد دخول المسلمين ، وتقع على المحيط الأطلسي ، شمال إسبانيا ، ومناطق شمال إسبانيا تجمع فيها النصارى الفارون من أنحاء الأندلس ، واستطاعوا أن يكونوا نواة دولتين : قشتالة ونافار ، وهاتان الدولتان توسعتا بعد ذلك لتطردا المسلمين من كل الأندلس ، وهذا الذي جرى كان بسبب تفريط المسلمين في متابعة فلول النصارى وطردهم إلى بلاد الغال (فرنسا) لكن (وكان أمر الله قدراً مقدوراً ) ، وعوض عن أن يصنع المسلمون ذلك شغلوا بثلاثة أمور : بالسرف والترف ، وبالمعصية ، وبالفرقة الهائلة التي بلغت بهم درجة الخيانة وبيع الأوطان فلا جرم أن يجري عليهم هذا الذي جرى ، وما ربك بظلام للعبيد.
أما بلدة سانتيانا دلمار فهي ذات ديار عتيقة ، وأزرقة ضيقة ، وحجارة صلبة بنيت بها البيوت ورصفت بها الأزقة ، والوالج إليها يخيل إليه من قدمها أنه قد ولج بوابات التاريخ ، وعاد على الوراء ، ولم أشعر بمثل هذا إلا في صنعاء القديمة وفاس القديمة ، والبلدة كلها مصبوغة بالصبغة الصليبية ، فذاك بيت للقسس ، وهناك قلعة للراهبات ، وكنائس وأديرة وهكذا، لكن الذي أثر في جداً وترك في ذهني وقلبي صوراً لا أظنها تمحى ولا تزول إنما هو المتحف الذي وضعوه لآلات التعذيب ، وهو بيت واسع من طبقتين وفناء ، ووزعوا في جنباته وطبقتيه آلات التعذيب الرهيبة التي يقشعر من هولها البدن.
ويقوم على هذا التعذيب الدوائر الكنسية وطبقة الاكليروس الذين أذاقوا الأوروبيين أصنافاً من العذاب وألواناً من الهول ، وأذاقوا المسلمين أيضاً من هذا الهول جملة وافرة ، واليهود كذلك عذبوا وأهينوا ، وهذا العذاب كان موجهاً لكل من يخالف التعاليم الكنسية والآراء البابوية ومزاج الرهبان والقسس ، وذاق هذا العذاب عدد كبير من كل طبقات الشعب من خاصة وعامة ، ومن فلاحين ونبلاء وفرسان بل بعض الأمراء أيضاً .
ولهذا كفر الناس في أوروبا بالكنيسة وبكل ما يتعلق بها ، ولما حانت ساعة الخلاص من الكنيسة بالثورة الفرنسية الكبرى وما بعدها لم يرحم الأوروبيون أحداً يمت للكنيسة بصلة ، وقلصوا الصلاحيات المطلقة التي كانت للقساوسة والرهبان ، وانتزعوا منهم غالب الامتيازات الذهبية التي كانت لهم على حساب الشعوب الأوروبية ، وجعلوهم في أقماع السمسم وفي زاوية ضيقة في المجتمع ، فاليوم ليست لهم قيمة ، وكنائسهم في الأغلب خاوية على عروشها ، وقد كفر أكثر الناس بهم وبدينهم المحرف الزائف ، وصاروا يبيعون كنائسهم في أوروبا وأمريكا ، ولمن يبيعونها ؟ يبيعونها للمسلمين فيا للعجب العجيب ، ويا لغرابة ما جرى ، لكن هذا هو جزاء من كذب على الله وعلى الناس وقد خاب من افترى.
والحلقة القادمة إن شاء الله تعالى ، سأجعلها وصفاً كاملاً لما رأيته من هول ، وسأورد فيها بعض الصور المعبرة عما جرى ، وأرجو أن تتحمل نفوسكم ما سأكتبه لكم ، وما ستشاهدونه من صور ، والله المستعان.

الجزء الرابع

أيام في الأندلس (4/7)

قد وعدت في الحلقة الماضية أن أذكر للقراء ما شاهدته في متحف التعذيب التابع لمحاكم التفتيش الكنسية في بلدة سانتيانا دلمار في الشمال الغربي من أسبانيا على المحيط الأطلسي ، فأول ما يفجؤك في فناء المتحف هو المقصلة التي تقطع الرؤوس وقد كتبوا بجوارها أن هذه من آلات التعذيب السهلة المتسببة في الموت السريع المريح ، وكان لا يعذب بها إلا الخاصة فقط !! ثم أصبحت للخاصة والعامة .
ثم في الفناء أيضا القفص الذي يوضع فيه الإنسان ويترك حتى يموت ويتحلل وتأكل جسده الطيور ، وكان في القفص المعروض هيكل عظمي حقيقي ، ثم هناك آلة مائلة يوضع عليها الضحية ممدداً وتشد قدماه ويداه إليها ، أما يداه فمرفوعتان إلى أعلى ، وهناك حبل مشدودة به يداه ، وحبل آخر مشدودة به قدماه ، وكلا الحبلين موصول بعجلة تدار فيظل جسده يتمدد على وجه متنافر حتى تزول أعضاؤه بالشد المتعاكس
ولما ولجنا المتحف ذا الطبقتين صعدنا جميعاً أنا والأهل والمرافق إلى الطابق العلوي لنفاجأ بآلات حقيقية للتعذيب تركت منذ قرون على حالها ، وكانت تستخدم في إسبانيا وفرنسا وألمانيا والنمسا وغيرها من دول أوروبا الشرقية والغربية منذ منتصف القرن الخامس عشر إلى أوائل القرن التاسع عشر ، أي قرابة أربعة قرون من العذاب الهائل ، وكان بجوار هذه الآلات صور مرسومة باليد منذ قرون أيضاً توضح كيفية التعذيب على هيئة فظيعة مخيفة .
ومما هالنا من هذه الآلات كرسي يوضع عليه المعذب المنكوب ثبتت فيه المسامير من كل الجهات ، وهناك آلة لعصر الرأس حتى ينفجر ، وهناك آلات لشد الجسد ، وأثناء الشد المتعاكس المؤدي إلى زوال الأعضاء يفتح فمه بقوة ليصب فيه الزيت المغلي !! وكل هذا موضح في الصور ، وهناك آلات لقلع الأعين ، وآلات لقطع الألسنة ، وآلات لعصر الجمجمة ، ثم مررنا على تابوت مُقام ، وهو على قدر جسد الإنسان وله باب ف


التعليقات (9)
وراق الاندلس
وراق الاندلس
  1. الجزء الخامس

  2. أيام في الأندلس (5/7)

  3. الجزء السادس

  4. أيام في الأندلس (6/7)

  5. المرء إن ضيّع دينه أو ضيّع دين أولاده ، فماذا سيبقي له بعد ذلك !!

  6. الجزء السابع والاخير

  7. أيام في الأندلس (7/7)


الجزء الخامس

أيام في الأندلس (5/7)

إن الله تبارك وتعالى تكفل للإنسان أنه إذا اتبع شريعته هداه إلى صراط مستقيم ، فصحت تصوراته عن الكون والحياة ، وصحت عقيدته ، وسعد في دنياه وأخراه ، وسهلت حياته ، واتسقت مع سائر ما في الكون من قوانين إلهية وسنن ربانية ، وأما من خالف هذا كلاً أو جزءاً ، انقلبت حياته رأساً على عقب ، وصار يمشي في الحياة معاكساً للسنن والفطرة الربانية ، فاستحالت حياته جحيماً يصلاها كل آن ، ويتبين له سوء عواقبها في كل زمان ومكان.
وإن مما رأيته في أوروبا عامة وفي رحلتي هذه إلى الأندلس ما يوضح هذا تماماً ، فالمرأة على سبيل المثال لما أعطيت حقوقاً ليست لها ، وفضلت على الرجال تماماً ضاعت حقوق الرجال ، وذلوا وهانوا حتى أن بعضهم اقترح جمعيات للمطالبة بحقوق الرجال ، وانهدت أركان الأسرة حتى فضل الرجال عدم الزواج ، وصار الرجل والمرأة يجتمعان بدون عقد ، ويأتيان بالأولاد الذين يلحقون بأبيهم تارة أو بأمهم أخرى أو يجمع لهم اسم الأم والأب معاً مع أسمائهم الأولى !! وذلك الانصراف عن الزواج إنما هو بسبب المغالاة في صيانة حقوق المرأة المزعومة بحيث إنه إذا طلقها الرجل طردته من شقته ، واستولت على أكثر ماله ، وحرمته من رؤية أولاده إلى آخر منظومة الذل والهوان ، ففضل الرجل العيش بدون عقد حتى يرتاح من تبعات العقد الذليلة.
ثم إنهم زهدوا في الأولاد ، وهذا أدى بهم إلى احتياج الشعوب الأخرى ليسدوا خلتهم ويقضوا حاجتهم في ميادين العمل المختلفة.
ثم إن لكل الزوجين أخداناً وعشيقات ، وكلاهما يعلم عن صاحبه ذلك لكنهم لا يأبهون فتكون النتيجة أن الأولاد لا يعرفون آباءهم الحقيقيين ، وهناك إحصائية رسمية في أسبانيا تبين أن عدداً كبيراً من الأولاد ليست نسبتهم إلى آبائهم حقيقية ، وقد عرفوا ذلك عن طريق حمض DNA ، ونسأل الله العافية والسلامة.
أما ترتيب الرجل في الأسرة فهو بعد المرأة والأولاد والكلب!! وهكذا إذا نوزع شرع الله وحل مكانه زبالات أفكار البشر فحدث عن الهوان الذي يصيب الناس ولا حرج.
هذا الذي ذكرته كان مثالاً واحداً من عشرات الأمثلة التي توضح معنىً من معاني قول الله تعالى : (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً).
ومما عجبت له أن عرفهم السائد أن الرجل يعطي راتبه لزوجه وهي تعطيه ما يحتاجه لتبغه إذا كان يدخن وللخمر الذي يشربونه مثلما نشرب نحن الماء ، أما ما عدا ذلك فلا يكاد يحوز شيئاً ، وفي هذا إذلال للرجل ومهانة وهوان ، وإخلال بمهمته التي أناطها الله تعالى به ، لكن الفطرة إذا انتكست وكست ونكست وجمحت ودمرت.
وهناك في الأندلس إقليمان مهمان تاريخياً : إقليم قشتالة ويسمى عندهم كتاليون ، وإقليم نافار ، وكان هذان الإقليمان مملكتين زمان الوجود الإسلامي في الأندلس ، وهما اللتان تولتا كبر إخراج المسلمين من الأندلس ، وقد حدثني الإخوان أن عاصمة إقليم نافار هي بَنبلونة هذه اليوم مشهورة ، وقد كانت تحت إمرة المسلمين زماناً طويلاً ، وبنبلولة اليوم هي مركز لحركة نصرانية كاثوليكية عنصرية متعصبة قوية ، تؤمن بأن النصرانية لا بد أن تدعم اليوم بأمرين : النفوذ والمال ، ولذلك حازوا مصانع ومدارس وجامعة هي من أهم جامعات أوروبا ومن أقواها علمياً ، وعندهم معهد لتخريج الرهبان وتصديرهم إلى أفريقيا وأمريكا الجنوبية ، ولهم نفوذ قوي في الدولة فمنهم أزنار اليميني المتعصب الذي كان رئيس وزراء إسبانيا ، وساعد أمريكا وبريطانيا على غزو العراق ، ومنهم وزراء لوزارات مهمة ووكلاء وزراء ، وحركتهم النصرانية هذه من أقوى الحركات في أوروبا ، وقد كان الدكتاتور الإسباني السابق الجنرال فرانكو هو من ساند هذه الحركة لأنه كان يريد كسب الفاتيكان إلى جواره حتى يخرج من العزلة التي وجد نفسه فيها بعد الحرب العالمية الثانية ففتح لهذه الحركة الأبواب وأعطاها كل ما أرادته ، وهذا التحرك النصراني في أسبانيا يرد على العلمانيين العرب وغيرهم الذين يزعمون أن أوروبا قد ودعت الدين منذ زمن بعيد ، فهذه الحركة ومثيلاتها في أوروبا تسعى بقوة لإعادة مجد النصرانية من جديد ، نعم إنه لا سند شعبياً لمثل هذه الأعمال لكن هذا ما يحدث بين خواص في هذه الحركة وفي غيرها من الأحزاب النصرانية الحاكمة والمعارضة في بعض بلدان أوروبا.
وقد حدثني الشيخ المصري الفاضل علاء سعيد إمام مركز لوجرونيو أنه عاش في بنلبونة هذه ثلاث سنوات ، ووجد المدينة منصبغة بصبغة نصرانية متعصبة على إثر تمكن هذه الحركة من مقاليد الأمور فيها ، وأن لهم مستشفى فاخراً جداً تعمل فيه ثلاثمائة ممرضة تطوعاً وهن أشبه بالراهبات منهن بممرضات ، وأن أحد الإخوة المسلمين أصيب في حادث في مصنع حيث دخلت كلتا ذراعيه في آلة ، واتفق الأطباء على وجوب بترهما ، لكنه ذهب به إلى هذه المستشفى التي عملت له ست عمليات في شهرين فسلمت يداه بفضل الله تعالى ثم بمهارة أطباء هذه المستشفى ، وقد زار الشيخ المريض في المستشفى فلما رآه بكى بكاء شديداً وأخبره أن الممرضات عرضن عليه النصرانية مراراً ، فأعطاه الشيخ جهاز تسجيل وأشرطة قرآن فلما سمعن القرآن في غرفته تغيرت معاملتهن له إلى الأسوأ ، هذا والصلبان وصور المسيح المزعومة في كل مكان في هذا المستشفى على وجه غير مألوف ولا مسبوق.
ومن المعلوم أن هناك بعثاً للنصرانية في أمكنة كثيرة في الغرب اليوم كما يحصل في الطغمة اليمينية الأصولية الإنجيلية الحاكمة في أمريكا اليوم وما يجري في أسبانيا والكثلكة فيها تحاول إعادة أمجادها من جديد على الوجه الذي ذكرت ، وأيضاً هذا ظاهر في صيحات أوروبية على مستوى القارة تذكر بأن أوروبا ناد مسيحي وعلى رأس هؤلاء ساركوزي المعارض بقوة دخول تركيا الاتحاد الأوروبي لهذا السبب ، والفاتيكان بالطبع معارض أيضاً ، وقبرص معارضة أيضاً ، وميركل في ألمانيا معارضة بقوة والنمسا معارضة ، وهكذا القوم ابتدءوا يتذكرون نصرانيتهم التي هجروها قروناً فهل يتذكر العلمانيون العرب دينهم فيعملون من أجله ويكفوا عن توهماتهم الفاسدة وأقوالهم المريضة في قضية فصل الدين عن الدولة ؟ !

الجزء السادس

أيام في الأندلس (6/7)

كنت أتحدث مع الأخوة عن أحوال العرب المسلمين في الأندلس ، فإذا بها أحوال عجيبة تدعو إلى تأمل طويل ، فالعرب يأتون وهم حملة شهادات فتضطرهم الأوضاع إلى أن يعملوا أعمالاً يدوية في البناء وغيرها ، أو يعملوا سائقي شاحنات أو عمالاً في المصانع ، وقليل منهم يعمل في حقل تخصصه العلمي لأن الدولة لا تعترف بشهاداتهم إلا بعد المعادلة ، وهيهات ، وبناء على هذا فإن أوضاعهم المعيشية تضيق عليهم وبسبب كدحهم وضيق ذات يدهم ، فتجدهم دائماً يركضون خلف حاجاتهم المعيشية فيعملون 9 ساعات إلى 12 ساعة وربما في حالات قليلة 14ساعة ، وهذا يجعلهم شبه منعزلين عن النشاطات الإسلامية بسبب طول مدة عملهم وبسبب قلة ذات يدهم .
وكنت أتحدث مع الأخوة أن الوافدين إلى أسبانيا قسمان : قسم لا يد له ولا حيلة إلا أن يفر بدينه من بلاده ، فهو إما محكوم عليه بالإعدام أو بالسجن الطويل ، وهذا لا كلام في شأن مغادرته فهو مضطر للبقاء كيفما اتفق ، وقسم آخر وهو من جاء مختاراً فلماذا يبقى في أوضاع كهذه ؟ ولماذا يرضى لنفسه هذا ؟ وجرى بيننا حديث تبين منه أن منهم من كان يعيش في بلده في بيوت من صفيح ليس فيها مقومات الحياة الكريمة ، ومنهم من لا يتزوج في بلاده حتى يجوز الأربعين لأنه ليس هناك سكن ، ومنهم من يعيش في غرفة واحدة هو وزوجته وأولاده في أحوال صعبة فهؤلاء لا يريدون البقاء في بلادهم بل يطلبون الخروج منها بأي وجه ، ولهذا يركبون القوارب الخطرة البعيدة عن وسائل الأمان ، وهم يعلمون أنهم ربما يغرقون كما غرق كثير من قبلهم لكن لا يأبهون لأنهم لو ماتوا غرقاً استراحوا من حياتهم التي هي أشبه بالموت منها بالحياة !!
ومن اللطائف أن أستاذ سباحة قطع المسافة من المغرب إلى إسبانيا من المضيق وهي أربعة عشر كيلاً قطعها سباحة !! لما سئل عن هذه المخاطرة قال : أنا أعيش عيشة قريبة من الموت فإما أن أصل سالماً لأعيش عيشة كريمة وإما أن أموت غرقاً فلا فرق !! وهو الآن يعيش في برشلونة .
والأعداد العربية في إسبانيا قد تضاعفت عدة مرات في السنوات العشر الأخيرة ، وهذا يدل على عظم البلاء الواقع على بعض العرب في بلادهم بحيث يضطرون للخروج منه ، وها هنا تساؤل مهم : إلى متى هذا الظلم الواقع على هؤلاء العرب في بلادهم ؟ وهل من سبيل لإنهاء هذه المعاناة ؟ ومتى سيستمتع العرب هؤلاء بحقوقهم في بلادهم ؟
والأدهى والأمر من ذلك اضطرار كثير من العرب الوافدين للزواج من إسبانيات من أجل تثبيت إقامتهم في البلاد ، ولتكون طريقاً للتجنس ، ولما كانت القوانين لصالح المرأة كلياً كما بينت في الحلقة السابقة فلا تسل عن العذاب الذي يعذبه الشخص في هذا الزواج ، فالزوجة لها الكلمة العليا ، وإذا اختصما فإنها تشكو للشرطة بالهاتف أن زوجها شتمها أو ضربها حقاً كان ذلك أو باطلاً ، صدقاً كان أو كذباً ، فإن الشرطة تودعه في السجن ستة أشهر إلى سنة وربما أكثر ، وتحرمه من الاقتراب من بيته في دائرة نصف قطرها 500 متر مركزها بيته !! ، وإذا طلقها فإنها تطرده من الشقة ، وتستولي على نصف ماله أو أكثر وتحرمه من رؤية أولاده ، ويُحرم من الاقتراب من بيته كما بينت آنفاً ، فأي حياة هذه ؟ وإذا أرد الشخص تجنب ذلك فعليه أن يعيش مع زوجه ذليلاً طيلة حياته ، والأدهى والأمر من هذا كله أن المرأة إن كانت كافرة فإنها ستربي أولادها على الكفر خاصة إن بعد عنهم والدهم.
وهناك أمر صعب وهو أن المرأة العربية بدأت تقلد الكافرة، وذلك لما تراه من حالها ولأن هناك جهات نسوية تترجم القوانين الخاصة بالنساء وتوزعها على النساء العربيات حتى يعرفن حقوقهن أو بالأحرى حتى يتمردن على أزواجهن !! وهناك خط ساخن للاتصال بالشرطة في أي وقت !! وإذا لم تتصل المرأة ووقعت مشكلة وعلا الصياح يتصل الجيران بالشرطة !!
وهناك مغربي تزوج مغربية وكان لا يصلي ، وامرأته سيئة وله بنت منها عمرها 14 سنة وابنان ، فاتفقت المرأة مع ابنتها أن تشهد عند الشرطة أن أباها ضرب أمها حتى خرج من أنفها الدم فأبعدته الشرطة عن البيت في دائرة نصف قطرها 500 م كما مر وألزمته بالنفقة ، ومن أجل أن تكيده المرأة اتصلت به وقالت له : تعال لترى أولادك ، وفي الوقت نفسه اتصلت بالشرطة فلما جاء البيت دهمته الشرطة وأخذته للمحكمة ، فقالت له القاضية وكانت متحاملة : لقد أنذرناك ألا تقترب من البيت ثم حكمت عليه بخمس سنوات سجناً !!
وهناك أمر لا يعلمه كثير من الشباب القادمين إلى إسبانيا ألا وهو أن الزواج بالنصرانيات لا يجوز إلا بشرطين : أن تكون محصنة عفيفة فقد قال تعالى : (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) ، والشرط الآخر ألا تكون حربية بمعنى ألا تحارب المسلمين برأي أو مال أو مكيدة ، وهذا الشرط ربما يكون موجوداً في نساء كثيرات ، لكن البلية كل البلية أن الشرط الأول لا يكاد يوجد في نساء الإسبان إلا كما توجد الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود ، فالنساء هناك لا يرددن يد لامس ، وإن كان هناك من النساء من يكتفين بصديق واحد فهي ليست محصنة ولا عفيفة أيضاً فكيف يحل الزواج بهن إذاً ، فالشباب يقبلون على الزواج بأمثال هؤلاء بدعوى أنهن نصرانيات ويحل الزواج بهن ويغفلون عن هذين الشرطين المهمين الصعبين.
وهناك أمر مشكل في إسبانيا ألا وهو انتشار الإلحاد خاصة في صفوف الشباب ، وهناك تقديرات عالية في حسبان بعض الأخوة المسؤولين عن الجالية في قضية الإلحاد هذه ، والشباب المقدم على الزواج من هؤلاء بدعوى أنهن نصرانيات ربما فوجئ بإلحادهن لكن بعد فوات الأوان وبعد أن ينجب منها ويتورط ، فكيف ستربي هؤلاء النسوة أولادهن ؟ وعلى أي مبدأ ؟ بل على أي دين ؟ فينبغي النظر والتريث طويلاً قبل الإقدام على الزواج من أمثال هؤلاء النسوة المشكوك في سلوكهن ودينهن بل مبادئهن وطرق عيشهن ، ورحم الله الأستاذ عبد المتعال الجبري فقد كان له كتاب عنوانه : (جريمة الزواج بغير المسلمات فقهاً وسياسة) ربما جنح فيه إلى رأي من يرى حرمة الزواج بهن مطلقاً لكن هي جريمة وأي جريمة إن تزوج بهن المرء ثم ضيع دينه أو ضيع دين أولاده، فماذا سيبقى له بعد ذلك ؟ هذا وإن تزوج الرجل بامرأة صالحة فإنه لا يأمن على أولاده كيف سيعيشون وكيف سينشأون في المدارس ، وأي مبدأ وفكر وسلوك سيتبنونه في محيط إباحي صعب لا يبالي بدين ولا يلتفت إلى عفة ولا إحصان.

المرء إن ضيّع دينه أو ضيّع دين أولاده ، فماذا سيبقي له بعد ذلك !!

هذه بعض المشاهد عن حياة العرب اليوم في إسبانيا ، وهي لا تنفي وجود بعض الإيجابيات لكنها مغمورة في بحر النقائص هذا ، وعلى المسؤولين عن الجالية العربية أن يوعوا الشباب بهذه المخاطر والنقائص ، وأن يجدوا الحلول المناسبة حتى يحولوا بين الجيل وبين الذوبان المخيف والغرق في بحر الظلمات

الجزء السابع والاخير

أيام في الأندلس (7/7)

من عجائب قصص الهداية أني مررت ببلدة بلباو ، وهي عاصمة إقليم الباسك ، أو البشكنش كما كان يدعوه عرب الأندلس وكنت سأتحدث في جمع من المصلين في مسجد السلام ، وبينما أنا أتهيئ للصلاة وقد بقي قرابة ساعة للأذان طلب مني الإخوة أن أتحدث مع أحد مسلمي الإسبان واسمه داود رود ريجرز ، وكان يتحدث الإنجليزية على أنه لا يجيدها ، فطلبت منه أن يقص علي قصة إسلامه ، وعمره الآن قرابة الثالثة والعشرين فقال لي إنه من أسرة تنتمي إلى الروم الكاثوليك ، وكل ما يحيط به من دراسة وعلاقات اجتماعية إنما هو متعلق بالروم الكاثوليك ، فلما بلغ من العمر ثلاثة عشراً عاماً رأى في منامه رجلاً مهيباً بلحية بيضاء ، جميل المحيا ، بهي الطلعة ، ومعه المصحف ، فطلب منه داود أن يأخذه فقال له : لم يحن أوان هذا بعد لكنك ستأخذه يوماً ، فاستيقظ منشرحاً ، وظل يبحث عن الإسلام في بلدته في الانترنت فلم يجد شيئاً فصار يقرأ منفرداً ويطبق ما استطاع ، وكان يعد نفسه مسلماً آنذاك ، ثم سمع بعد مدة بجماعة من مسلمي الإسبان متصوفة في غرناطة على الطريقة النقشبندية فذهب إليهم فلما دخل مسجدهم ووجدهم يتواجدون لم ينشرح صدره لهم فعاد أدراجه.
ثم إنه ذهب إلى ليفربول في بريطانيا ليتعلم اللغة الإنكليزية ، وعمره سبعة عشر عاماً ، وكان يمشي في الشارع فوقر في صدره أنه يجب أن يذهب إلى مسجد ، أي مسجد كان ، لكن لغته الانجليزية لم تكن تسعفه أن يسأل فظل نصف يوم يدور في الطرقات لعله أن يهتدي إليه ، فعثر عليه بعد لأي فلما رآه تذكر أنه رأى في منامه في بلباو مبنى يقارب هذا ، فلما ولج المسجد ظل يبكي لمدة 3 ساعات تقريباً ، وكلما سأله أهل المسجد عن شأنه ولماذا جاء لم يجد رداً إلا أن يقول : لا أدري إلا أني يجب أن أكون هنا !!
ثم أعلن إسلامه على يد طالب سعودي يدرس هناك واسمه محمد القحطاني وعاد إلى بلباو متحمساً للإسلام ، نشطاً ، وصار عضواً في لجنة مسجد دار السلام ، وله نشاط لا بأس به في دعوة بني قومه ، وهو الآن يريد دراسة العربية ، فسبحان الله الهادي لمن يشاء كما شاء بما شاء جل جلاله.
وأيضاً قد رأيت من المهتدين أخاً في الله يدعى صابراً ، وهو في الثالثة والأربعين ، وهو لطيف المعشر ، حسن الخلق ، وقد تحدثت معه عن قضايا عدة فأظهر فهماً جيداً وحسن استقبال لغريب مثلي يراه لأول مرة ، وقصص هؤلاء المسلمين الجدد من أهم وسائل تثبيت الإيمان في القلوب ، وزيادة اليقين وتعميقه ، وهناك عشرات الآلاف من هذه القصص لم تسجل وضاعت على مدى عشرات السنين وآلاف التجارب الدعوية في أوروبا وأمريكا ، وهي ثروة جليلة ضاعت بسبب الإهمال وعدم تقدير أثر هذه القصص الجليلة في نفوس الأجيال.
وهناك مشكلة كبيرة خاصة بالمهتدين الجدد ، وهي ذات شقين يؤدي أحدهما إلى الآخر ، ألا وهي عدم الاهتمام الكافي بهؤلاء مما ينتج عنه إما ارتدادهم أو انحرافهم ، أما ردتهم فبسبب استعجال الأخوة في التعامل معهم قبل ثبوت الإسلام في قلوبهم ، وقبل أن تعرف قلوبهم بشاشة الإيمان ، وبعضهم إذا ذهب للحج ورأى الصعوبات هناك أو رأى ما لم يعتد رؤيته فإنه يرتد والعياذ بالله ، وليست الردة بسبب عدم قناعته بالإسلام لكن ردته حصلت بسبب سوء فهمه للإسلام وعدم رسوخه فيه ، واستعجال الإخوة في التعامل معه.
أما الانحراف الفكري فهو بسبب أن بعض هؤلاء إذا أسلم تصوف ، وتصوفه هو على طريقة تصوف ابن عربي ، وهو تصوف خطير فيه انحراف فكري كبير ، وبعض هؤلاء يتشيخ بمعنى أنه يصير شيخ طريقة صوفية فيتزبب قبل أن يتحصرم ، ومن أسباب انكباب بعض هؤلاء على التصوف الفراغ الروحي الكبير الذي كانوا يعيشون فيه قبل إسلامهم ، والصوفية ترتكز على قضايا الروح على وجه جاذب لهؤلاء ، أما المراكز فإن همومها وأعمالها ربما لا تناسب المسلمين الإسبان الجدد.
وبعض هؤلاء الإسبان إذا أسلم ورأى إقبال المسلمين عليه وحبهم له واعتزازهم به وتعلقهم يصاب الغرور ويصبح ينظر للمسلمين العرب من عل وقد يحتقرهم ، وكل هذا واقع ، لذلك على الإخوة أن ينزلوا هؤلاء المسلمين الجدد منزلتهم فقط بدون مبالغة ، وأن يعطوا كل ذي حق حقه ، وأن يفهموا هذا المسلم الجديد أنه هو بحاجة إلى الإسلام وليس الإسلام يحتاج إليه حتى يعتز بهذا الدين وأهله ، ويعرف منزلته الحقيقية وأنه واحد من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم ، وعليهم أن يعلموه الإسلام وشرائعه وشعائره ، وأن يثقفوه بالثقافة الإسلامية المناسبة حتى يصبح عضواً عاملاً في المجتمع الإسلامي ، فإن مصيبتنا في أكثر هؤلاء أن علاقتنا بهم تضعف جداً أو تنقطع إذا أسلموا ، وهم آنذاك أحوج إلينا من أي وقت مضى وذلك لما يتعرضون له من ضغوط نفسية هائلة ، فهذا تركته زوجه ، وذاك هجره أولاده ، وثالث طرده أبوه من البيت ، ورابع تعرض لوساوس ومراجعات ، وهذه الأحوال تكون في أوجها عقب إعلان الإسلام مباشرة وربما تمتد إلى سنوات ، لذلك اقترحت على الإخوة في الأندلس أن ينشئوا جمعية خاصة للعناية بالمسلمين الجدد وقضاياهم ، وذلك لأن هموم العرب وقضاياهم ربما لا تترك وقتاً كافياً للعناية بأولئك فإذا أنشئت جمعية خاصة بهم عاد ذلك عليهم بأحسن العوايد.
وليست هذه المشكلة متعلقة بالمسلمين الجدد في إسبانيا فقط بل هي عامة في كل مكان تقريباً، وفي أمريكا الأمر أدهى وأمر لسعة البلاد وانتشار الناس، ولقد حدثني القائم على دار الهجرة في واشنطن أن أغلب المسلمين الجدد إنما ينقطع العهد بهم إذا أعلنوا إسلامهم في الجوامع يوم الجمعة، ولا يعود يدري بهم أحد، وأدعو الهيئة العالمية للمسلمين الجدد المندرجة تحت رابطة العالم الإسلامي أدعوها أن توجد الحلول لهذه المشكلة الصعبة المتشعبة، وأن ترعى هؤلاء المسلمين الجدد في شؤونهم كافة فهم رسلنا إلى أقوامهم وأهلهم، والله الموفق.
تاريخ النشر: 2008-08-17
  • *
  • *
  • *
  • *
  • *


راعي النمسا
راعي النمسا
شكراً وراق الاندلس
شكراً محمد الشريف
نعم حضارة اسلامية ذهبت

il bambino
il bambino
موضوع رائع....
الله يعطيك العافية وتشكر على النقل المفيد
دمت يود...,

دمووع^الحزن
دمووع^الحزن
يعطيك العافيه .. جزاك الله خير ..!!

وراق الاندلس
وراق الاندلس
اخي الفاضل .. راعي النمسا
وشكرآ لمرورك الجميل .. ونقول ان شاء الله انها حضارة اسلامية
لايزال لنورها طريق يمتد عبر القرون الينا لنتعلم من الاشراقات الرائعه لها ونتعظ من اخفاقات قادتنا الي مانحن عليه في هذا العصر .. دمت بخير

بـلاوي
بـلاوي
الف شكر على ما نقلت لنا
تقبل تحياتي

الميكادو
الميكادو
شخصيا متاب لكل ما يكتبه في موقعه ، لان الرجل ما شاء الله تبارك الله عنده زخم من العلم والمعرفة ،،
اشكرك على النقل الجيد في المكان الرائع ،،

ALGARG_
ALGARG_
معلومات جدا قيمة ,, شكرا على النقل يا وراق الأندلس
عندي سؤال :هل انت فعلا تسكن قرطبة والاندلس..!

وراق الاندلس
وراق الاندلس
اخي الفاضل .. il Bambini
شكرآ لك .. وعلى تقييمك الطيب
دمت اندلسيآ ....


خصم يصل إلى 25%