- تكالي على الله لا خالي ولا عمي
- الفن عمى ولك قلب فيه عاله (مغلق)".
حيوية المواويل في مصر يبثها المجتمع الريفي الذي يقود الاقتصاد ويحافظ على الموروث الثقافي.
قليلة هي الدراسات البحثية في الفنون الشعبية في العالم، على الرغم من انتشار عدد من الأقسام والإدارات والمراكز البحثية هنا أو هناك، وربما يرجع ذلك الى كونها تعتمد على الجانب الأكاديمي البحثي، دون السعي لنشر المنتج بشكل مبسط وفى متناول القارىء العادي، الذي هو الهدف والغاية.
لذا كانت سلسلة "الدراسات الشعبية" التي يرأس تحريرها خيري شلبي من هيئة قصور الثقافة بالقاهرة، من أهم مصادر القراء في هذا اللون من الكتابة التي تعزز الانتماء وتفرز الغث من الثمين في التراث، بلا ادعاء أو افتعال.
إن وقفة سريعة مع كتاب "الموال السبعاوي في القرية المصرية" للباحث والكاتب الدكتور مصطفى رجب، تكشف عن عمق جمال وحيوية أحد فنون التراث الريفي المصري، والذي يخشى عليه من الاندثار، مع التقدم التكنولوجي الهائل الذي طال القرى والمدن على السواء، وهي قضية أخرى.
أبرز الكاتب في مقدمته، اهتمامه بالجانب التربوي/الأخلاقي في دراسته للموال، مع أهمية فهم التحديث والتنمية بوصفها من أهم وسائل التقدم في اعادة النظر في الموروث الشعبي مع استخدام الدراسات التجريبية، وأخيرا إعطاء القطاع الريفي من المجتمع الاهتمام الواجب لأنه الأكثر أمية تعليمية ومصدر الغذاء للمجتمع، فضلا عن كونه منتج الغذاء والثروة ومصدر رئيسي لثقافة المجتمع.
قدم الكاتب تعريفا للموال، أنه فن غنائي شعبي ملحون شائع، له ثلاثة أنواع: البغدادي ويتكون من أربعة أبيات متحدة في القافية، والخماسي أو الأعرج ويتكون من خمسة أبيات تتحد فى القافية الا البيت الرابع، والسباعي أو النعماني حيث يكون البيت الأول والثاني والثالث والسابع متفقي القافية، والبيت الرابع والخامس والسادس بقافية مغايرة.
يقع الموال ضمن الفنون الشعبية القولية أو المنطوقة، التي تشمل الحكايات الشعبية والموال والأمثال والأقوال السائرة والأغاني الشعبية والسيرة والنكت والألغاز والمدائح.
ومن أهم ميزات الموال (مع الفنون الشعبية القولية) مواكبة أغلبه لامكانية التطور، الا السيرة والمدائح والألغاز وذلك لسهولة الانتشار لاحتوائه على مضامين أخلاقية وتعليمية تعد دافعا سلوكيا مؤثرا في حياة الفرد اليومية.
وربما الموال السبعاوي وغيره من أنواع الموال تتميز البنية اللغوية فيه بعدد من الخصائص مثل الاعتماد على اتحاد مخارج الحروف في توحيد القافية (كلمة أصابني تنطق صابني) وابدال الحروف مثل القاف تقلب كاف (مثل الوقت تقلب الوكت) ثم التجنيس وهو الاعتماد على الجناس (مثل عون قد يعنى العون أو المساعدة، وقد تعنى العين) كما تتوافر ما تسمى كلمات للحشو مثل (ها البت وتعنى لابد).
وقد قام الباحث باجراء تجربته البحثية، بجمع الموال السبعاوي من احدى قرى صعيد مصر، وهى قرية "شطورة" القريبة من مدينة طهطا، وسوف نعرض لنموذج واحد من نتائج البحث وهو "الزمن".
يتناول الشاعر الشعبي "الزمن" على أكثر من مسار ومعنى ومن ثم الدلالة "الزمن/الناس"، فالزمن هو المسؤول عن الهم الذي يعانيه الشاعر نتيجة هموم الآخرين ومضايقاتهم، بسبب أفعالهم وخداعهم والنميمة والذين يقطعون صلة الرحم والمتربصون.
"الزمن/التنكر" فالذي يفعل المعروف يجزى عن معروفه جزاء مخالفا لمعروفه، والمريض الذى كان فتيا فيأتيه المرض، الدنيا تتنكر لمن يركن اليها.
"الزمن/الكذب" فيحاول العجوز أن يخادع نفسه، وربما يرفض الناس الضرب على أيدى السوء.
وقد يستخلص القارئ/المستمع العديد من القيم الايجابية في موضوع الزمن: الاتعاظ بالأحداث والاعتماد على الصبر في مواجهة الزمن والتسليم بالقضاء وطاعة الوالدين وضرورة حسن اختيار الزوجة، وعدم جدوى البكاء، وخداع المنافق لنفسه وغيرها من القيم.
مختارات:"نزلت سوق البخوت لجل أشتري لي بخت
لقيت صاحب البخوت رايح يشتري له بخت".
"فعل الزمن مر بس حيعذر اللي خاليه (من ليس عنده هم)
والكرم لو طاب حظه لصاحبه وخاليه (خولي الكرم هو البستاني)".
"ثلاث آفات الزمن يارب تعبوني
اللي عاشره غزال ألقاه آف تعابوني (يشبه الثعبان)".
"وأنا أقدر أصوم لا يقولوا شرب ولا كل (أكل)
لكن أخاف لوم الناس من قولة فلان أهو كل (كَلّ أي تعب)
واللى عمل قنطرة يستحمل لدوس الكل (الجميع)".
"يوم ما رماني الرفاق كنت رابط فين يا وعدي
ياما الرفاقة واعدوني وأخلفوا وعدى".
"يا زارع الشوك وتتعذب قوي شيله (ارفعه وأزله)
يكبر الشوك وتتعذب قوي شيله (ارفعه وأزله)".
"يا عين ما تبكى على من عاش بلا بلده
مضى شبابه غريب وحزنت عليه بلده".
"من صغر سني ما خدت في الكلام عمي (ليس لى عم علمني الفن)
تكالي على الله لا خالي ولا عمي
الفن عمى ولك قلب فيه عاله (مغلق)".
وقد استخلص الباحث العديد من النتائج حول الموال: أن الموال (بأنواعه والسبعاوي منه) من أكثر الفنون شيوعا فى مصر والكثير من البلدان العربية، ربما بسبب ما يتميز به من تركيز للأفكار وللبناء اللغوي له سهل الحفظ، كما يستخدم الموال فى احياء ليالي الأفراح، ويتضمن العديد من القيم الأخلاقية والدينية مثل التماسك الاجتماعى ونبذ الفرقة وتعرية السلوك السىء والعطف على الكبار.
الا أن الموال لا يخلو من بعض القيم السلبية مثل: النظرة التواكلية والتشاؤم والسلبية واعلاء شأن الحظ والتهوين من شأن الطيب والرثاء لمن لا أولاد له.
وقد أوصى الباحث في خاتمة كتابه الهام، بأهمية اعطاء التربية غير المدرسية قدرا كبيرا من الاهتمام بواسطة المؤسسات الثقافية العامة والإعلام.
فينك من زمان؟
اشتقنا لك في البوابة