- المصطفى البركي | المغربية
اعجبني جدا هذا المقال وقد جاء في وقت واعضاء المنتدى يتحدثون عن مشاكل وصعوبات تواجههم فوددت ان انقله لكم للفائده
الرشوة .. المرض الخبيث
'الحلاوة، القهوة، الكميلة، التدويرة ..' أسماء حركية لآفة الرشوة
المصطفى البركي | المغربية
"الحلاوة، القهوة، التدويرة، الكميلة، ادهن السير يسير .. " تختلف المسميات لكن المعنى واحد، وتختلف العبارات لكن المغزى منها أكيد واضح، يعني الرشوة.
كلها وغيرها، أسماء حركية لآفة واحدة تنخر كيان المجتمع، وتحكم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية وتطبع سلوك الفرد في علاقته بمحيطه المجتمعي إنها الرشوة، التي من شأن استعمالها أن تمكن مانحها (الراشي ) من الوصول إلى شيء يستحقه ويعتبر حق من حقوقه، أو الوصول إلى شيء لا يستحقه، وفي كلتا الحالتين بمقابل مادي أو معنوي، وهنا تكمن المفارقة العجيبة لهذا الفعل، أن تتسلم وثيقة إدارية هي حق من حقوقك يضمنه الدستور لك كمواطن، وأن تكون مجبرا على دفع رشوة إلى موظف، أو تريد أن تصل إلى شيء لايخوله لك القانون، أو تتستر على شيء لايبيحه لك أو تعفى منه أو تخالفه، فتقدم عمولة نقدية أو عينية إلى المعني بالأمر.
لكن كيف تسرب هذا الداء الذي ينخر اقتصادنا ونسيجنا الاجتماعي والسياسي والحقوقي، والتربوي، إلى الجسم المغربي وأصبح بمثابة المرض العضال الذي لا يرجى من ورائه شفاء؟ نعتقد أن الرشوة والزبونية والمحسوبية دخيلة عن مجتمعنا، إذ لم يكن المجتمع المغربي يعرف هذه الظاهرة قبل أن يصطدم بالاحتلال الأجنبي، فعملية الإرشاء لم يكن من سلوك وثقافة الآهالي، والمجتمع المغربي كان في بداية تكونه مجتمعا بسيطا في علاقاته قائما على التآخي والتآزر تحكم علاقته قيم مستوحاة من الدين والأعراف والتقاليد القائمة على "خادم الناس سيدهم "و"طلب الرحمة والمغفرة للولدين " مقابل تقديم الخدمات والتسابق نحو إيثار النفس و"إزداء العار " وفعل الجميل والعمل على رده، كان من الصعب تقبل أو توقع طلب عمولة من شخص مقابل خدمة قدمت له . وظلت هذه السلوكات حاضرة في حياتنا اليومية راسخة في تقاليدنا وحتى بعد خروج الاستعمار لم تكن الرشوة منتشرة كثيرا بالشكل التي عليه اليوم لأنها دخيلة على سلوكنا وأعرافنا وتقاليدنا، إلى أن وجدت من يشجع عليها ويتستر عليها فأصبحت بمثابة السرطان يستشري في كل مفاصل حياتنا اليومية وأصبحت تمارس علانية وعلى المكشوف دون حسيب ولارقيب ولاضمير، تساوى في فعلها الراشي والمرتشي في الأوساط الغنية كما الفقيرة، ووسط النخب كما عند "العوام " .
نعتقد أن داء الرشوة جاء إلى المغرب في حقائب الفرنسيين، وأن الإدارة الاستعمارية هي من مارسته وشجعت عليه. هذه الآفة بدأت في الأول بطريقة (مهذبة ) (حضارية)، تدخل مقهى أو مطعما أو سينما وحين مغادرتها تترك ل (الكارسون ) أي النادل الذي خدمك ( pour boir) أي " قهوة " عبارة عن نقود أو تترك له ما تبقى من الصرف قائلا (garder la monnaie)، هذه "القهوة "التي ستأخذ مسارات متشعبة ومتنوعة لتتحول في ما بعد إلى رشوة وعمولات وتتشعب داخل كل مناحي ومفاصل الحياة. تطلب وثيقة إدارية هي حق من حقوقك، وتجبر على أن تترك للموظف "قهوته " أو تريد أن تقضي غرضا معينا وقد أدركك الوقت أو أنك تعلم أنها ليست من حقك ف "تدهن السير ليسير ". والفرنسيون يطلقون على العمولة اسما حركيا هو (les pots de vins) أي أقداح الخمر، أي تلك الرشوة التي تمنح لشخص أو جهة لتسهيل الوصول إلى غرض معين يسمح أولا يسمح به القانون، ولم يسموها في المغرب كذلك، لأنهم يستوعبون أنهم في مجتمع إسلامي لذا أطلقوا عليها تعبير "القهوة " كما هو الحال في المجتمعات العربية التي عرفت احتلالا عثمانيا (تركيا) يعبرون على لفظة "بقشيش "التي تعني رشوة ب "الشاي ".
الفرنسيون أكبر قوم من أقوام أوروبا تستعمل في حياتها أساليب الإغراء المادي والمعنوي، يكادون يتميزون بين شعوب أوروبا بهذا "المرض الفرنسي "، الذي أصابت عدواه الكثير من المجتمعات من بينها المغرب. فجيران فرنسا من الألمان لا يعرفون "البقشيش" ويجدون حرجا في دفعه عندما يقدمون إليها للسياحة أو أسباب أخرى، وكذلك الأميركيون، أما اليابانيون فيعتبرون ترك البقشيش في مقهى أو مطعم سبة للأخر يأنفون من اقترافها. أما مجتمع الدانمراك فهو خال تماما من المحسوبية والرشوة كما ورد في التقرير الأخير لمنظمة ترانسبرانسي الدولية.
في المغرب، لما رحل الاستعمار ترك من يحافظ على سلبياته ويضيع إيجابياته فاستمر العمل بالمحسوبية والرشوة والعمولة وغيرها من المسميات للجرم الواحد، وتستر أصحاب الوقت على ممارستها وعدم زجرها لأنها تعد أحد الميكانيزمات المهمة التي تستعملها لضمان إعادة إنتاج النخب واستمراريتها وكذا الحفاظ على التوازنات السياسية القائمة داخل المجتمع. وتشبه الرشوة في هذا السياق نظام المكافئات والامتيازات، الذي كانت تعمل به إدارة الاحتلال الفرنسي، في صنع النخب وتقريب المناوئين وإكرام الموالين، لاستثاب الأمن وفرض القانون في ما لم تستطعه "التهدئة العسكرية" نظام استعماري دخيل أبقى عليه المخزن لمكافأة رجاله وخدامه شأنه في ذلك شأن الرشوة .
لأنني أرى موظفي الجمارك والجوازات والشرطة في مكانة عالية عندي..
وهم أعلى من أن أضع مبلغ زهيد في يديهم ...
أحيانا أشفق عليهم إذا عرفت أن رواتبهم الشهرية قليلة لا تكفيى لأن تفتح بيت..
فأعطيهم من باب الصدقة .. إذا طلبها وكان لطيفا .. ولم أرى في عينيه أنه يغتصب المبلغ مني..
ووالله أن بودي لو يزورني في سكني أو يقابلني خارجة ..
فأكرمه بأضعاف ذلك المبلغ .. سواء على شكل عيني حفظا لكرامته أو شكل مادي ..
وأضيف ..
أن من يدخل في أوساط الناس الذي عادة لا يلتقون بالسياح لأنشغالهم بهمومهم اليومية ..
وفي أوقات فراغهم يذهبون ليتفسحوا في أماكنهم الخاصة التي لا يذهب السياح عادة لها..
وهم أغلب أهل البلد ..
سيرى الكرم والطيبة وحسن الخلق وجميل الوفادة وبشاشة الوجه ..
(( لا أعمم .. ولكنهم الأغلبية ))
وهذا عام في جميع البلدان الاسلامية
شكرا لنقلك الجيل أخي أحمد
أخوك المحب
نشمي التغلبي
أبو عبدالعزيز