- اسبانيا.. الامبراطورية المهدورة
اسبانيا.. الامبراطورية المهدورة
- تحتل اسبانيا الجزء الاكبر من شبه جزيرة ايبريا، تحدها من الغرب البرتغال، ومن الشمال فرنسا، ومن الشرق والجنوب البحر الابيض المتوسط، كما ان لها ساحلا غربيا على المحيط الاطلسي، ويعتبر مضيق جبل طارق هو الفاصل بينها وبين القارة السوداء (من ناحية المغرب)، فيما تفصلها عن فرنسا سلسلة جبال البيرينة وتبلغ مساحة اسبانيا 504750 كيلومترا مربعا، اما عدد سكانها فهو تسعة وثلاثون مليون نسمة او اكثر بقليل واشهر مدنها مدريد (العاصمة)، برشلونة، بلنسية، بلباو، واشبيلية. تتبعها جزر بليار وكناريا.
- الارض الاسبانية عبارة عن هضبة متوسطة تحيط بها سلاسل جبلية، اهمها: البيرينية، كانتابريا، ايبريا، وسييرانفادا. تتخللها سهول اراغون في حوض ابرو بالشمال والاندلس في حوض غواد لكفير بالجنوب، ومستنقعات ساحلية على خليج قادس. اعلى قممها مولهاسن في سييرانفادا (3478 مترا)، اما انهرها فهي كثيرة ومنها: ابرو، تاخو، دويره، غواديانا، غوادلكفير، خوكار، مينيو. ومن خلجانها غسكونيا او بسكايا في الشمال وبلنسية في الشرق وقادس في الجنوب.
- يقوم الاقتصاد الاسباني على الزراعة واستثمار الثروات الطبيعية والمعدنية. زراعتها غذائية استهلاكية وصناعية تجارية: قمح، حبوب، عنب، زيتون وخضار، فواكه وحمضيات، قصب سكر، شمندر سكري، بطاطا وعلف. كما ان تربية الدواجن والماشية وصيد الاسماك منتشرة على نطاق واسع فيها. ومن اهم معادنها: الحديد، الفحم، الرصاص، الزنك، واليورانيوم. ومن صناعاتها: الخشب، الورق، النسيج، الكيميائيات، التعدين، السيارات، الآلات والاسلحة، ملبوسات واثاث، صناعات خزفية و.... وتعتبر اسبانيا من كبار مصدري الخمور والاسماك في العالم، والمصدر الاول لزيت الزيتون في العالم، كما انها الاولى في اوروبا في مجال تصدير الخضار والبقول والفواكه والحمضيات. وتغطي نسبة كبيرة من ايراداتها العائدات السياحية، فالدفء الموجود في الجنوب والطبيعة الخلابة والأماكن الأثرية والسواحل الممتدة، جميعها تجعل الكثيرين من السياح يتجهون اليها للاصطياف والتنزه.
- تعتبر اسبانيا من اقدم البلدان الاوروبية واكثرها تاريخا حضاريا، فتحها المسلمون في الفترة 711 _ 1469 ميلادي واشتهرت ببلاد الاندلس، استعمرت القسم الاكبر من امريكا اللاتينية (بعد ان اكتشفت القارتين الامريكيتين الشمالية والجنوبية)، وبلغت اوج ازدهارها في القرن السادس عشر الميلادي، فقد كانت الدولة الاولى في العالم التي تسيطر على البحار والفيافي. خسرت مستعمراتها في امريكا في بداية القرن التاسع عشر. و عاشت حربا اهلية بين الجمهوريين والملكيين في الفترة 1936 _ 1939، وبانتصار الملكيين الذين دعمهم هتلر، حكمها الجنرال فرانكو حتى عام 1975 سنة وفاته، بعدها حكمها الملك خوان كارلوس، ووضع دستورا جديدا ينشىء حكومات مستقلة في الولايات السبع عشرة التي تتألف منها البلاد، تعاني من اضطرابات في احدى ولاياتها (الباسك) المحاذية لفرنسا، والتي يسعى سكانها الى الاستقلال.
- تبدأ قصة دخول الاسلام الى اسبانيا من القرن الهجري الاول (بداية القرن الثامن للميلاد)، حيث قام حاكم سبته «جولبن» بدعوة القائد المسلم «موسى بن نصير» والذي كان يحكم شمال افريقيا، لتخليص بلاده (اسبانيا) من شرور وظلم ملكها «رودريك» آخر ملوك الويزيغوت، يضاف الى ذلك ما كان يعانيه الناس في اسبانيا من ظلم وبطش. فقام موسى بن نصير بعملية انزال قادها الفاتح المسلم «طارق بن زياد» على الجهة الاخرى للمضيق الذي عرف اليوم باسمه (مضيق جبل طارق)، وبعد ان احرق السفن التي اقلت جيشه وقف خطيبا فيهم والقى خطبته المشهورة التي يقول في جزء منها «البحر من ورائكم والعدو امامكم، وليس لكم والله الا الصدق والصبر...» فكانت ملحمة سطرها التأريخ بأحرف من نور، انتصر فيها جيش الاسلام على جيش النصارى وفتح القسم الجنوبي من اسبانيا الذي عرف بالاندلس، والذي تبلغ مساحته اليوم 87268 كيلومترا مربعا ويشتمل على ثمان مقاطعات، ويقنطها 6441000 سمة. كان ذلك عام 92 للهجرة (711 للميلاد).
- حكم المسلمون في اسبانيا منذ الفتح الاسلامي، ضمن دول متعددة كانت الاولى هي الاموية ثم خلفهم ملوك الطوائف، فالمرابطون، فالموحدون. وكانت بداية تقهقرهم عام 609 ه/1212م في وقعة العقاب ثم سقطت بعدها قرطبة عام 633ه/1236م فانحصر سلطان المسلمين في غرناطة عاصمة بني نصر، او بني الاحمر، حتى استولى عليها ملكا اراغون وقشتالة ايزابيلا وفرديناند واسرا آخر ملوكها ابا عبد الله عام 897 هجري/1492 ميلادي.
- يقول الباحث الغربي، غوستاف لوبون في كتابه حضارة الاسلام والعرب:
استطاع المسلمون خلال عدة قرون، تحويل الاندلس من الناحيتين العلمية والمالية تماما، فجعلوها تاجا على رأس اوروبا، لم يقتصر هذا التحول في المجالين العلمي والمالي فقط، بل كانت مداراتهم للأقوام المغلوبة للحدّ الذي اجاز الاساقفة اقامة شعائرهم الدينية....» ويقول هرمان راندل استاذ جامعة كولومبيا: «اوجد المسلمون في اسبانيا خلال القرن الميلادي العاشر، حضارة اخرجت العلوم من شكلها العقائدي المبهم وطابقتها مع الصناعة والفنون التي تمس الحياة العلمية مباشرة.
فظهر علماء كبار من الاندلس، مثل: ابن رشد، محيى الدين ابن عربي، ابن حزم، ابن الطفيل وابن باجة. وقد بلغت الحركة العلمية ذروتها آنذاك، ففي قرطبة (كوردوباي اليوم) كتب في سنة واحدة اكثر من 15000 مجلد. ومن خلال نقل صناعة الورق من بغداد الى الاندلس، ارتفع عدد الكتب المستنسخة والمؤلفة، فكانت هناك سبعون مكتبة عامة. والى جانب المساجد، احدث المسلمون دورا (مدارس) لتلقي العلم للبنين والبنات بشكل مجاني.
في قرطبة عاصمة المسلمين، توصل العلماء المسلمون الى ابداعات واختراعات متعددة، فاخترع ابن فرناس القرطبي في القرن التاسع الميلادي، الناظور والساعة ذات الجرس، كما ان الطب اتسع كثيرا هناك، حتى استفاد منها الاوروبيون على مدى قرون بعد ذلك، ولعل اهم ما ترجموه في ذلك، دائرة المعارف الطبية (التصريف) للعالم والطبيب أبي القاسم الزهراوي، هذا اضافة الى بناء المساجد والقصور والحمامات والمستشفيات وغير ذلك من اسباب الحضارة والمدنية.
- وهناك اسباب عديدة، ادت الى انحسار دولة المسلمين في الاندلس، اهمها:
1 _ الخلافات الداخلية بين الامراء والحكام والتي كانت تغذى من قبل المسيحيين.
2 _ خيانة وعمالة بعض الحكام للقوى النصرانية في اوروبا، والتي كانت تستبطن العداء للمسلمين، خاصة بعد فشلهم في الحروب الصليبية التي قادتها الكنيسة ضد بلاد المسلمين في الشرق.
3 _ استخدام اعداد كبيرة من المستشارين العسكريين النصارى في الجيش الاسلامي.
4 _ الحرية اللامحدودة التي اعطيت للمسيحيين، والذين استغلوا ذلك في هجومهم التبشيري.
5 _ اشاعة الفساد والخمور بين الشباب المسلم والذي كانت الكنيسة تغذيه لإلهاء المسلمين والسيطرة عليهم.
- بعد سقوط الدولة الاسلامية في الاندلس، بدأ النصارى بهجوم شرس طال كل ما هو اسلامي، فأحرق الذين رفضوا التخلي عن دينهم او اجبروا على النزوح من الاندلس، واحترقت الكتب الدينية، وغيرت المساجد الى كنائس، ومنع استخدام اللغة العربية ومنع ارتداء الزي الاسلامي و.... وكانت المحاكم العقائدية التي شكلها النصارى تحكم بالاعدام او الحرق او الحبس على كل من يعارض سياسة التنصير ويقاومها. وفي ذلك يقول غوستاف لوبون: «ليس هناك اكبر من وصمة العار هذه، والتي لم يقم بها ظالم ومتوحش وغازي آخر».
ويقول جون ديون بورت، في كتابه «المعذرة للتقصير في حضرة محمد والقرآن»: «رغم ان خيانة المسيح واعمالهم المخزية ، دمرت حكم المسلمين في اسبانيا الذي امتد مئات السنين، لكن هذا التدمير اضر بالمسيحيين ايضا، لانه وكما يقول المؤرخ اناتول فرانس: لقد اخّر الهجوم الوحشي البربري لسكان شمال اوروبا على اسبانيا والذي دمروا فيه المنجزات العلمية الاسلامية هناك، اوروبا خمسمائة عام من اللحاق بركب الحضارة والمدنية».
- استمرت سياسة التنصير منذ سقوط غرناطة وحتى عام 1967 ميلادي! فانتهى الوجود الاسلامي هناك، الاّ ما ندر، ممن اخفوا اسلامهم على مدى قرون من الزمن، وفي عام 1967 اعلن لاول مرة عن حرية الديانة الاسلامية، وبعد موت فرانكو عام 1975 اتسعت حرية المسلمين في اداء شعائرهم والاحتفاظ بديانتهم.
ورغم عدم دقة الاحصائيات الرسمية فقد سجل عدد المسلمين عام 1971 ب«مائة الف» وفي عام 1991 بلغ عددهم «مائتي الف»، 10% منهم اسبانيون والباقون من المهاجرين واغلبهم من شمال افريقيا. ورغم ان اغلبهم من العمال فانهم ينشطون في نشر الاسلام واقامة الشعائر من خلال 40 مسجدا لهم في جميع انحاء اسبانيا. ولعل اهم مجالات انشطتهم تتركز في ترجمة الكتب الاسلامية وعرض الافلام والصور التي تعرف المسلمين بهويتهم وتاريخهم وتربطهم اكثر بالجاليات الاسلامية في البلدان الاوروبية الاخرى، والدول الاسلامية.
منقول للفائدة
تحياتي
الله يعطيك العافية على هالمعلومات عن الفردوس المفقود
وما نقول الا.......
:11igh
وا اسلا م ا ه