- ارم نقودك في نافورة تريتوني قبل أن تقول لها «تشاو»!
ارم نقودك في نافورة تريتوني قبل أن تقول لها «تشاو»!
عندما حطت بنا طائرة الخطوط الجوية القطرية على ارض مطار ليوناردو دافنشي الدولي أو (فيوميتشينو) كما يسميه أهل روما ودلفنا إلى مبنى المطار، تصورت أنني في بلد لا تعتبر السياحة مصدر رزق. فإيطاليا تعد من أبرز المحطات السياحية في العالم، ويزور روما وحدها ما يزيد عن عشرة ملايين سائح سنوياً، إلا أن المطار في عز الموسم السياحي خلال شهر يونيو (حزيران)، بدا شبه خاو والحركة فيه بطيئة، فيما لم تكن مكبرات الصوت تعلن عن إقلاع أو وصول رحلات إلا لماماً.
وفي ما قد يلقي البعض اللوم على الأحوال الاقتصادية العالمية، التي أثرت بصورة واضحة في حركة السفر العالمية وتدفق السياح، كان الأمر بالنسبة لي مريحاً نوعاً ما. فالمعروف أن روما لا تكاد تطاق في مواسم الذروة السياحية، وتكون الأسعار فيها خيالية، وستكون محظوظاً إن وجدت غرفة فندقية معقولة الثمن. ومن هذا المنطلق الأناني ربما شعرت بالارتياح، لأن روما ستكون مريحة أكثر هذه المرة، وأقل اكتظاظاً، لكن هذا الارتياح انقلب إلى الضد في صباح اليوم التالي لوصولي إلى هذه المدينة الخالدة.
فالمدينة التي يتجاوز عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة، لا تجد فيها عمارات الستيل والزجاج الشاهقة أو المواقع الإنشائية بقيت من دون تغيير في معمارها الرائع حفاظاً على صورتها التراثية. الشوارع ضيقة ومرصوفة بحجارة البازلت السوداء معظم الأحيان، ودراجات السكوتر تمر بالمئات أمامك وأنت تعبر من جهة لأخرى هرولة، والحر في فترة الظهيرة خانق، والناس في كل مكان. ان درجة تغيير المشهد بين دبي وروما صارخة بالفعل! لكن إذا كنت من هواة الآثار والتاريخ، فروما تقدم لك وجبة دسمة، حيث لا تزال الأوابد شامخة هناك منذ الاف السنين. عشرات المواقع والأبنية تسحرك وتعيدك ذهنياً إلى عصر القياصرة الذهبي ابتداء من الكامبيدوليو (او الكابيتول هيل)، المتربع على تلة، وكان مقراً للحكومة المدنية منذ ظهور روما، التي ادخل عليها فنان عصر النهضة الأشهر مايكل انجلو (1475 1564)، لمساته عبر إعادة تصميم الساحة والواجهات الرخامية البارعة للقصور الثلاثة الموجودة هناك.
وبالطبع لا تريد أن تفوت مشاهدة الكولوسيوم في روما القديمة، وهو مبنى ضخم ومهيب دشن عام 80 ميلادي ليكون مسرحاً للترفيه يتسع لأكثر من 50 ألف متفرج واستغرق بناؤه نحو ثماني سنوات، وكانت تجرى فيه عروض المنازلة الحية بين المقاتلين حتى الموت (هل شاهدت فيلم Gladiator?).
ويعد البانتيون اعجوبة من اعاجيب العمارة في التناسق وتناسب الابعاد وهو لا يزال بحالة جيدة منذ كان معبداً للوثنيين، حيث بناه اغريبا قائد جيوش القيصر اوغسطوس عام 27 قبل الميلاد، وأعاد بناءه الامبراطور ادريان في القرن الثاني الميلادي.
وتستقطب العتبات الاسبانية الواقعة في ساحة بياتزا دي سبانا آلاف السياح يومياً لمشاهدة الدرجات الرائعة وساحتها الجميلة، التي سميت كذلك نسبة إلى السفارة الاسبانية للفاتيكان التي تحتل مكاناً تاريخياً في هذه الساحة منذ القرن السابع عشر. وعلى هذه العتبات، يمكنك أخذ قسط من الراحة والتقاط الصور من كافة الزوايا. وفي الساحة الواقعة أسفل العتبات، هناك نافورة باركاتشيا، وهي واحدة من مئات نوافير المياه التي تراها في أنحاء روما، وأشهرها نافورة الحظ فونتانا دي تريفي ، التي تصل إليها عبر حارة متفرعة من شارع دي تريتوني.
بنيت هذه النافورة في القرن الثامن عشر بأسلوب الباروك وتحف بها عشرات التماثيل التي تصور اساطير البحار ومخلوقاتها الخيالية. وظهرت هذه النافورة في العديد من الأفلام الشهيرة، ومنها فيلم «ثلاث قطع نقدية في النافورة» عام 1954، كذلك في فيلم المخرج الإيطالي العبقري فيديريكو فلليني «لادولتشي فيتا». ويعد هذا الموقع من أشهر نوافير الحظ في العالم، حيث تقول الاسطورة انك إذا تمنيت العودة لروما عليك برمي قطعة نقدية فيها. ووفقاً لمرافقي الإيطالي، فإن بلدية روما تجمع عشرات ألوف قطع اليورو شهرياً لتصرف بها على أعمالها، كما تتبرع بالعملات الاجنبية للهيئات الخيرية. أنا شخصياً تمنيت العودة لروما ثلاث مرات، لأنني رميت ثلاثة دراهم إماراتية فيها! اضافة للآثار فإن روما هي جنة المتسوقين وذواقة الطعام، ولحسن الحظ أنه لا توجد في روما مراكز تسوق كثيرة، كما في دبي، بل يمكنك المشي لساعات وساعات في الطرقات لتتفرج على واجهات مئات المحلات الصغيرة المنتشرة هنا وهناك، وهي تجربة جميلة بحد ذاتها شرط ألا تصطحب زوجتك معك! أفضل ما يمكن أن تشتريه من روما بالطبع، هو المنتجات الجلدية والحريرية وملابس الكتان، رغم ان الأسعار أعلى من أسعار دبي، إلا أنها تستحق ثمنها لأنك لن تجد مثلها.
والمطبخ الإيطالي غني عن التعريف وعندما تكون في روما لا تبحث عن مطاعم عربية أو عالمية لأنك بذلك ترتكب جريمة بحق نفسك! الأطباق الإيطالية بسيطة وقليلة المكونات، كما ان اللحم او السمك يطبخ عادة إما مقلياً أو مشوياً. ومن أطباق الباستا الطازجة هناك ما يسمونه ال فيتوتشيني (لا قرابة بينه وبين الفتوش!)، وهي شعيرية بيض ذهبية أطيب ما تكون مع صلصة الراغو المكونة من الطماطم واللحم، كما ان الخرشوف (الارضي شوكي) الإيطالي هو من ألذ الأطباق، خاصة إذا طلبت حساء الخرشوف.
وإذا كنت برفقة إيطاليين على العشاء، فكن مستعداً للجلوس إلى المائدة ساعتين على الأقل، لأن العشاء يقدم على أربع دفعات مطولة.
وخلال إقامتي في روما، نزلت في فندق سان ريغيس التابع لمجموعة ستاروود، التي تشغل شيراتون ايضا، وهو معلم شهير من معالم روما، أعيد افتتاحه عام 2000 بعد إجراء عملية تجديد استمرت 18 شهرا. والفندق الذي يتجاوز عمره القرن لا يبعد إلا دقائق معدودة عن شارع فينيتو الراقي. وتنقسم غرف الفندق إلى عدة طرازات منها الامبراطوري والملكي وطراز لويس الخامس عشر. ولكل غرفة هويتها الخاصة مع وجود لوحة زيتية مرسومة باليد أعلى كل سرير. وفي هذا الفندق نزل أشهر نجوم العالم وأدبائه ومنهم اميل زولا الفرنسي وتولستوي الروسي اللذان أقاما فيه لأشهر طويلة، كما توجد فيه اجمل صالات الطعام في إيطاليا وتدعى صالة لي ريستورانت (أي: المطعم.. ببساطة).
وهذا الفندق من الفنادق الفخمة المرتفعة الثمن، حيث يبدأ سعر الليلة الواحدة من 260 يورو وفيه 134 غرفة و36 جناحاً.
ولكثرة ما سمعت عنه قررت أيضاً زيارة فندق الاكسلسيور الشهير بقبته الفيكتورية البيضاء، التي يعتبرها أهل روما رمزاً لها ولمدنيتها. هذا الفندق كان ولا يزال مقصد مشاهير العالم من الارستقراطيين ونجوم هوليوود والعائلات المالكة، حيث تجد أمامه سيارات الرولز رويس والفيراري. تعبر أبواب الفندق الأمامية المصقولة إلى بهو فخم تزينه المرايا والسجاد الشرقي وثريات الكريستال ورسومات هائلة لورود بالأسلوب الباروكي.
المصدر : جريدة الشر ق الاوسط
والله زمان عنك اخوي
عسى المانع خير
من يوم مارجعت البوابه الايطاليه
الى وفي واجد ناس تغيروا
على العموم
نتمنى نرى نشاطك المعتاد