في محطة الرمل، أشهر وأعرق منطقة تجاريّة في مدينة الإسكندرية المصرية، يوجد شارع معروف اسمه (شارع النبيّ دانيال)، وهو شارع اشتهر جزء منه (الجزء الأقرب إلى محطة مصر) بأنّه يمثل فرعا غير مرخّص لسور الأزبكية الأشهر في القاهرة، حيث الكتب في شتى المجالات والفنون، وحيث المجلات القديمة، والصحف وحتى العملات القديمة، وكلّها بأسعار في متناول الجميعِ..
هل كنتَ تبحث يوما عن روايات مصرية للجيب (رجل المستحيل مثلا)؟ ستجدها بنصف ثمنها على أكثر تقدير في هذا الشارع، حيث تباع الأعداد من 1 إلى 99 بجنيه مصري واحد، أما الأعداد بدء من العدد المائة فتباع بجنيه ونصف، وهذا عند أكثر الباعة غلاء..
هل أنت طالب بكلية الهندسة؟ ستجد حتما عشرات الكتب في القياسات والكيمياء والفيزياء والدوائر الالكترونية بمبالغ لا تتجاوز الثلاثين جنيها! ولا تتعجب إذا وجدت الطبعة الرابعة من كتاب (سيدرا/سميث)(Sedra/Smith) تباع بثلاثين جنيها مصريا فقط لا غير، وهو من أثمن وأرفع المراجع الهندسية في الدوائر الالكترونية! وقد يزول عجبك إذا علمت أنّ كتاب دوائر كهربية ثمين يباع بعشرين جنيها فقط!
ولا يختلف حال طالب الهندسةِ عن حال زميله طالب كلية الحقوق أو التجارة أو الطب، فكتبُ هؤلاء القومِ معروضة كذلك، بدء من شرح فسيولوجية الحمل وانتهاء بنظريات الاقتصاد الحديث!
ولن تغيب عن عينِ السائر في هذا الشارع الفريدِ أنواع من المجلات القديمة في شتى الفنون والمعارف، فمن مجلات الأزياء، ومجلة الأزهر (العدد بنصف جنيه) ، ومجلة المنهل (العدد بجنيه ونصف)، إلى روز اليوسف (العدد بنصف جنيه)، ومجلة أخبار السيارات ومجلات الفنّ والمجلات الدورية الدينية والثقافية (وجهات نظر مثلا).
في شارع النبي دانيال وعلى أرصفته، لن تخطئ عيناك كتبا لرؤساء تحرير وسياسيين، ولقواميس لغوية ومطبوعات أجنبية ودوواين شعرية وكتب تعليم الحاسب الآلي وبرامجِهِ.
ولعل أروع ما في (مكتبة) شارع النبي دانيال أنّك قد تشتري كتابا يباع بعشرات الجنيهات ببضعة جنيهات فقط! وقد يكون السعر الأصليّ موجودا على غلاف الكتابِ، ولا تملك إزاء هذا الأمر إلا أن تتعجب من الفارق الكبير بين السعر الأصلي والسعر (الدانياليّ).
إنّ الحصول على أقلّ سعرٍ يرجع إلى لباقة المشتري وذكائه في المقام الأول، ولقد لاحظت وأنا أسأل عن أسعار بعض الكتب –فقط لمجرد السؤال- أنّ الباعة يخفضون في السعر حين يرون إعراضي عنهم طمعا في جذبي للشراء، فقاموس Longman كان يعرض بخمسة جنيهات، وخفّض إلى أربعة، ولعل التخفيض الأكبر هو ذاك الذي ظفرت به حين لفتت عيناي مجموعة من الصفحات الصفراء القديمة لأعداد من صحيفة الأخبار المصرية صادرة في أوائل السبعينيات الميلادية، فسألتُ البائع عنها –وكان غلاما- فأخبرني بأنّ الجريدة الواحدة بجنيه واحد، ويبدو أن ملامحَ الاهتمام على وجهي للمجموعة النادرة القديمة قد لفتت البائع الكبير، فأتاني وعرض عليّ شراء المجموعة كلها، بمبلغ عشرين جنيها مصريا فقط! فاعترضت فنزل بالمبلغ إلى خمسة عشر جنيها، فعرضت من جانبي ثمانية جنيهات، وبعض مفاوضات قصيرة جدا ظفرت بالمجموعة بمبلغ عشرة جنيهات، وظفرت –فيما ظفرت- بعرضٍ لشراء مجموعة أخرى قديمة لصحف صدرت في أوائل عهد الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات.