مهاجرة
31-08-2022 - 09:58 am
أسرار 600 عام في خان الخليلي
رغم مرور 600 عام على إنشاء خان الخليلي في مصر إلا ان معماره لا يزال ينطق بالتاريخ منذ عصر المماليك وتشعر وأنت تتجول فيه بالسحر والغموض المغلف بالدهشة من فرط الاتقان.
«خان الخليلي» هو المهرب المفضل لآلاف المقبلين من كل انحاء مصر والدنيا لحضور ليالي القاهرة ولو عدنا بالزمان الى الوراء كثيرا فسوف يطالعنا المؤرخ العربي الشهير «المقريزي» الذي يقول ان الخان مبنى مربع كبير يحيط بفناء ويشبه الوكالة تشمل الطبقة السفلى منه الحوانيت وتضم الطبقات العليا المخازن والمساكن وسمي بهذا الاسم نسبة الى مؤسسه وبانيه الشريف «الخليلي» وهو كبير التجار في عصر السلطان برقوق عام 1400م.
واذا بدأت معي الرحلة في الخان من ناحية مسجد الحسين فستجد مقهي «ولي النعم» الذي كانت توجد امامه منذ مائتي عام لوحة خشبية مطلية باللون الاحمر مثبتة بمسامير سوداء كبيرة مكتوب فوقها (سكة خان الخليلي).
قبل ان تبدأ الجولة في الحي العتيق، يجب ان تعلم انه ليس هناك ما هو أمتع من التجوال سيرا على الأقدام داخل أزقة وحواري تحتاج الى من يفك ألغازها فالازقة متراصة كحبات عقد والارض مبلطة بحجر بازلتي اسود لامع والسوق مسقوف بخشب تحدى الزمن وعوامل التعرية، تتسلل منه حوانيت عديدة تشكل مع بعضها سراديب مليئة بالكنوز والتحف النادرة والمصنوعة بمهارة.
وفي كل مرة خلال جولتك في الخان العتيق تحاول فيها اكتشاف الفلسفة المعمارية لابد ان تقع عينيك على ما تبقي من مشربيات مطلة على الشارع او الحارة وأسبلة جميلة مشغولة واجهاتها بالنحاس وفيها احواض المياه التي كانت تروي العطشان وعابر السبيل في الزمن الذي كان.
في الماضي كان السياح الاجانب والعرب يشترون المشغولات الذهبية والفضية والنحاسية التي اشتهرت بشكلها المميز في التراث المصري والان زاد عليها النارجيلة (الشيشة) والتي أصبحت من اشهر منتجات خان الخليلي وخلال مرورك في الازقة الضيقة وسط زحام أسطوري من البشر والمقاعد الخشبية التي رصها أصحاب المقاهي لاجتذابك خلال جولتك حتى تأخذ قسطا من الراحة تحتسي خلاله بعض المشروبات الشرقية مع النارجيلة ستتناهى الى سمعك عبارات الترحيب المصرية خفيفة الظل ويعرض عليك احد الباعة من المسابح بمختلف أنواعها منها المصنوع ببذر الزيتون والبلاستيك وتسمى «نور الصباح» وبعضها ينتمي لفصيلة الفيروز والمرجان والكهرمان ومنها ما يصنع من خشب الصندل أما اشهر ما يعرض على النساء فهو العقد الذي تتدلي منه «عين حورس».
وحي «خان الخليلي» هو واحد من ثمانية وثلاثين سوقا كانت موزعة ايام المماليك علي محاور القاهرة ويقع هذا الخان بالتحديد وسط المدينة القديمة فوق مقابر الخلفاء الفاطميين سابقا.
وكان المعز لدين الله قد استحضر معه من القيروان توابيت ثلاثة من اسلافه ودفنهم في مقبرته حيث دفن هو وخلفاؤه ايضا وقد امر الخليلي بنقل المقابر الي اماكن اخرى وتأسيس سوق التجار.
والاسلوب الذي كانت تعرض به البضائع في القاهرة القديمة وما زال قائما حتي الان من خلال الاسواق المتلاصقة والحوانيت التي تملأ الحارات والتي تعرض نفس البضاعة بأسعار متفاوتة وتشبه معرضا دائما ومستمرا للبضائع المختلفة مما يتيح فرصة للمشتري في ان ينتقي ما يريد ويختار حتى يحصل على الأفضل من كل صنف ولون من الذهب والماس والفضة الى اوراق البردي التي تحمل كلمات بالهيروغليفية والتمائم والايقونات وقصائد الغزل حتى اجمل حكاية حب فرعونية بين «ايزيس وازوريس» والتي يقبل عليها السياح الاجانب.
وخلال جولتك يجذب نظرك تداخل الالوان والنقوش في الملابس التي رصها اصحاب الحوانيت كنوع من العرض والاغراء وجانبها تحف فنية يندر وجودها لتتذكر ايام كانت القاهرة مركزا تجاريا عظيما في العصور الوسطى تجلب بضائع الشرق الاقصي وترسلها في شتى طرق الملاحة في البحر المتوسط كان هذا هو العصر الذهبي لتجارة التوابل مع بلاد الهند والسند ففي القرن السادس عشر نقل الي خان الخليلي أغرب سوق في تاريخ القاهرة القديمة والحديثة وهو سوق العبيد الذي ذاع صيته في الشرق والغرب ووصفه الرحالة باعتباره من أهم الأسواق التي اختلطت فيها جميع الجنسيات.
اما اذا اردت ان تلتقي بثوار الشباب في العشرينات والثلاثينات خاصة الشباب الأزهري فعليك بزيارة مقهى «الفيشاوي» الذي تتجلي فيه عبقرية المكان وكان يلتقي فيه الثوار لتدبير تحركاتهم الثورية ضد جيش الاحتلال الانجليزي لمصر وهم يحتسون الشاي الاخضر الذي اشتهر به هذا المقهى واضيفت اليه فيما بعد لعبة «الدومينو».
كان «الفيشاوي» عند قيام الحرب العالمية الثانية المخبأ الجماعي لمحبي السهر والآن وبعد عمره الذي تجاوز ال200 وكان مكان التقاء الملوك الرؤساء والزعماء التي كانت من بينهم «اوجيني» امبراطورة فرنسا خلال زيارتها الخديوي اسماعيل للاحتفال بافتتاح قناة السويس والان اصبح مكان التقاء للمفكرين والمثقفين ابرزهم صاحب جائزة نوبل نجيب محفوظ.
مرة اخري تواصل جولتك في الخان وسط حوانيته المليئة بالمشغولات واخري تبيع الاحجار الكريمة التي كان لها سوق خاصة بالموسكي لكنه استقر الان في خان الخليلي نظرا لاختلاف زبونه كما يقول التجار اصحاب الحوانيت والبازارات في الخان.
وخلال جولتك تلتقط انفاسك روائح جميلة تسبح في فضاء الخان في اتجاه شارع الموسكي حيث تكثر تجارة العطور العربية والاسيوية والاوروبية مثل العنبر والياسمين والفل مئات الزجاجات ذات الاشكال والالوان الغربية والتي تحتوي عطورا غير مألوفة تختلف الوانها بين الزيتي في لون البترول الخام والاصفر الذهبي والبنفسجي الممزوج بالعنبر ويسمى ب «الاسانس» الذي يتم تصنيع العطور العالمية منه على حد قول احد التجار الذي يضيف ان هذه هي التركبية الفعلية للعطر بدون اضافة كحول.
اما البخور فله مملكته الخاصة في الخان ويتم استيراده من السودان وبخور العود يستورد من السعودية ويعتقد الناس ان دخان المستكة يمنع العين والحسد اما الكسبره فهي زعيمة مملكة البخور ويطلق عليها الناس اسم (الفك والفكوك) أي ان من يشمها تذهب عنه العقد بلارجعة.
اضيفى الى ذلك بروز وظهرو اعظم الكتاب والمثقفين كما اشرتى منه ومن اشهر مرتاديه الكاتب نجيب بن محفوظ الذى سطر بقلمه فى اسوار هذا الحى من القصص والروايات العظيمه والتى ما زال التاريخ يتحدث عنها حتى وقتنا هذا
اشكرك على الاشاده الطيبه عن هذا الحى الف شكر
تقبلى تحيات
silnt man