من منا لا يحلم بزيارة مصر «أم الدنيا» ، الحالمين بذلك الميعاد الذي يجمعني مع حقبات غنية ، مع قصص الفراعنة، وزيارة المعالم الاثرية الشهيرة التي تشكل عصب الحياة والعامود الفقري لمصر أم الحضارات ومهد الثقافة والعلوم.
عند الوصول الى مطار القاهرة لم تكن لدي رؤية واضحة لما سوف يطالعني في مصر، غير أن الافلام المصرية، لا سيما القديمة منها، كانت بمثابة الدليل السياحي لي خلال رحلتي.
فبعد تجاوزي نقاط التفتيش والجمارك في المطار راودني الشعور وكأنني في احد تلك الافلام المصرية الشهيرة ، عندما رأيت الكم الهائل من أهل البلاد بانتظار أقاربهم وأصدقائهم وذويهم خارج المبنى، ما يعكس بوضوح طيبة هذا الشعب وخفة ظله وروحه الجميلة .
بدأت رحلتي في القاهرة باتجاه فندق ال fourSeasons Plaza nile plaza الواقع على ضفة النيل في محلة الغاردن سيتي التي تعتبر من أرقى المناطق المصرية.
وخلال رحلتي في السيارة في ساعة متأخرة من الليل بدأت ذاكرتي باسترجاع تلك الاسماء التي ترد في الافلام المصرية ك«كبري ستة اوكتوبر، وجامع الازهر، والزمالك والمهندسين، ومبنى التلفزيون المصري، وبرج القاهرة المطل على النيل ، ومركز القاهرة الدولي للمؤتمرات ، وغيرها من المراكز المصرية الحيوية». وصلت الى الفندق الذي يقع على الضفة الشرقية لنهر النيل في قلب حي ينتمي الى القرن ال19 الذي كان يضم 40 منزلا وقصرا فقط ووضع تصميمه المهندس Jaselamla ليصبح حيا يضم صفوة المجتمع، ويمكن بالتالي اليوم أن نصف فندق «فور سيزنز نايل بلازا» على أنه احد قصور حي غاردن سيتي ، حيث يمكنك ان ترى من نوافذه مدينة القاهرة بآثارها الاسلامية والفرعونية تنعكس صورتها على صفحة النيل الخالد.
يرتفع الفندق ثلاثين طابقا ويضم 366 غرفة موزعة الى 78 جناحا والباقي غرف فسيحة. عند وصولي قمت بجولة داخل الفندق مع مجموعة من الصحافيين الاجانب بمناسبة الافتتاح الكبير الذي حضرته نخبة من الشخصيات الصحافية والاعلامية والفنية، المصرية والاجنبية، وصادف يوم 15 من ديسمبر (كانون الاول) الجاري. أول ما يستقبلك في بهو الفندق طاولة عملاقة تقف عليها مزهريات لا يقل طولها عن 90 سنتمترا وتطل منها زهور يعجز اللسان عن وصفها، وتستفزك لتسأل من أين أتوا بها ومن قام باختيارها، وبعرضها بهذا الشكل الهندسي الرائع، غير ان الرد بهذه الحالة سيكون على الارجح : «هذا سر المصلحة ولا يجب الاباحة به ليبقى سرا». وينتابك شعور بأنك في أحد قصور القرن التاسع عشر بألوانه الدافئة للستائر حيث تجمع الالوان بين الاخضر والبيج والرمادي الداكن.
ويزيدك لون الرخام الوردي والالوان الهادئة للخشب الطبيعي والسجاد السميك المصمم خصيصا للفندق من الاحساس العام بالدفء، بالاضافة الى الثريات الحديثة المصنوعة يدويا، ويقع بالجزء الشمالي من البهو بيانو من الطراز القديم ليرحب بك على أنغام الموسيقى الهادئة التي تتناسب مع أجواء البهو.
وتحيط بك لوحات فنية تشكيلية لعدد من الفنانين من مختلف أنحاء العالم ، ومنها لوحات بامضاء فاروق حسني وزير الثقافة المصري الذي شارك باستشارته الفنية في تصميم الديكور الداخلي للفندق.
استفدت من اقامتي في الفندق من جميع الخدمات التي يقدمها من كي الملابس خلال ساعة وتنظيف جاف خلال الليل وتلميع الاحذية واحضار الطعام في الغرفة طوال 24 ساعة ، ويوجد بواب طوال 24 ساعة، كما يمكنك طلب الصحف اليومية كل صباح الى الغرفة ، وهذا ما يوفر الوقت بالنسبة للمسافر الذي ليس لديه الوقت الكافي. هل تعلم، على سبيل المثال، ان مجفف الشعر في الغرفة ومنشفات الحمام هي من بين الاشياء التي ابتدعتها شبكة الفور سيزونز؟
تقدم جميع فنادق «فور سيزونز» لنزلائها العديد من الاشياء الشخصية الضرورية خلال عدة دقائق، من الملاقط الى خيوط تنظيف الاسنان الى الافياش الكهربائية لتناسب نظام الطاقة في جميع البلدان.
والسفر لم يعد بمشكلة بالنسبة للاهالي ذوي الاطفال، بحيث تقدم منتجعات «فور سيزونز» برنامج نشاط للاطفال تحت اشراف المختصين. فيما عدا الغذاء والرحلات الخاصة، وهي اختيارية، فإن البرنامج مجاني. جميع غرف النزلاء في «فور سيزونز» مجهزة بتقنية ضرورية لرجال الاعمال لتأدية عملهم. فهناك مكاتب ضخمة مريحة مزودة بهواتف مزدوجة الخطوط ذات سماعات وشبكة إنترنت سريعة. والعديد من غرف النزلاء مجهزة بجهاز فاكس او يمكن الحصول عليها عند طلبها. وفي جميع فنادق «فور سيزونز» ومنتجعاتها حول العالم تستمر خبرات المنتجعات الصحية في التطور لدعم حياتك ببيئة مريحة ومعالجة مميزة.
فبعد الاستمتاع بكل ما يقدمه الفندق من خدمات راقية ومريحة حان الوقت عند الصباح الباكر للانطلاق برحلة استكشافية بدأت من المتحف المصري في ميدان التحرير الذي يبعد حوالي 7 دقائق بالسيارة عن الفندق وقمت بزيارته مع الدليل السياحي، بسام الشماع، الذي أطلعني على الكثير من التحف المهمة داخله بحيث يعتبر من أشهر المتاحف في العالم، ويضم حوالي ربع مليون قطعة اثرية ترجع الى آلاف السنين من بينها مجموعة الآثار الرائعة لموميات وتوابيت وقناع وكنوز مقبرة «توت عنخ آمون» الاسطورية، واستطعت التعرف على اول مخطوطة هيروغليفية ، ودُهشت عندما رأيت الحلي التي يتعدى عمرها الثلاثة آلاف عام، وهي تضاهي تصاميم عصرنا الحالي وما زال معظمه يحتفظ بكامل رونق لونه وشكله وفيه تماثيل لا ينقصها الا التفوه ، لتعلمنا باسرار الفراعنة التي لا تزال تشغل علماء الاثار للعالم ولا احد يمكنه حل رموزها .
ومن المتحف اتجهنا الى هضبة الجيزة حيث تنهض الاهرامات الثلاثة التي تعتبر عجائب الدنيا السبع، تحيطها عدد من الاهرامات الصغيرة ومئات من المصاطب والمقابر للملوك والنبلاء لاعتقادهم في البعث والخلود. وفي طريقنا الى معبد الوادي لهرم خفرع نجد تمثال ابو الهول الكبير الذي يمكن اعتباره من اشهر الاثار في العالم وهو تمثال اسطوري له جسم اسد ووجه انسان، ويعتقد العلماء ان وجه ابو الهول يتشابه مع الملك خفرع. والى جانب الاهرام، قمت برحلة على ظهر الجمل حتى يكتمل المشوار المصري المميز في رحاب الصحراء. ومن الجيزة توجهت مع الصحافيين الاجانب المرافقين لي الى سقارة التي تعتبر من اقدم المدن على وجه الارض، وكانت تعتبر عاصمة لمصر طوال عصر الدولة القديمة وهي تقع على هضبة صحراوية جنوب غربي القاهرة، وشاهدت هناك هرم زوسر المدرج ويتكون من 6 مصاطب، بالاضافة الى هرمي اوناس والسرابيوم. وتشتهر سقارة بمقابر نبلائها التي تحمل اسم «مصطبة»، وتعد جدرانها شواهد على عصورها وتسرد لنا حياة المصريين القدامى اليومية .
ومن سقارة قمنا برحلة في سيارات ذات الدفع الرباعي في الصحراء المصرية وفيها استوقفني منظر الواحات العذراء الجميلة ، وردا على سؤالي لماذا لا تحظى هذه المنطقة باي نوع من التأهيل السياحي ، جاء الرد بان الدولة كانت في سياق اعداد مشروع سياحي ضخم ، غير ان الاكتشافات الاثرية التي لا تزال قائمة في هذه المنطقة حالت دون مد شبكات المياه والبنى التحتية. وفي طريقنا الى دهشور التي يمكن ان تصلها بواسطة طريق معبد من الاسفلت ، او من خلال الصحراء، رأينا فريقا من علماء الاثار الاجانب ينقبون في الصحراء ورأيناهم يستخرجون عددا من المومياء.
وهناك دخلت الى احد اقدم الاهرامات وقمت بالمشي فيه الى عمق يتجاوز 200 متر بعلو منخفض ، حيث تجدر الاشارة هنا الى تنبيه الذين يعانون من عقدة الخوف من الاماكن الضيقة من دخول أي من الاهرامات المسموح بالتجول فيها، لا سيما في ايام الحر وزحمة السياحة في الصيف.
وفي مصر يصعب اختيار الاماكن التي ستقوم بزيارتها نسبة لكثرة وتنوعها ولكن هذا يعتمد على فترة الزيارة.
وفي كل الاحوال لا تكتمل زيارة القاهرة الا بزيارة سوق خان الخليلي الذي يعتبر من اعظم الاسواق الشرقية واكثرها اصالة، يرجع تاريخه الى القرن الرابع عشر الميلادي ويضم العديد من المحلات والمتاجر والمقاهي ذات الطابع المصري الخاص.
يمكنك زيارة السوق في أي وقت من النهار، غير ان الوقت الانسب هو الليل حيث يمكنك الاستمتاع بكل مظاهره وقضاء وقت الفراغ والامسيات، فالاسواق متعددة ومتنوعة وتلائم جميع المستويات وترضي مختلف الاذواق. وتذكر بان المفاصلة في خان الخليلي تعتبر فنا بحد ذاته، فلا ترضى بالسعر الاول الذي تسمعه لاي سلعة تود شراءها . ومن اللافت في البائعين هو اتقانهم لغات اجنبية كثيرة وبطلاقة، كالانكليزية والايطالية والاسبانية، نسبة لاحتكاكهم المتواصل بشعوب العالم ، من كل حدب وصوب.
ويكتمل المشوار الى خان الخليلي بالجلوس في مقهى «الفيشاوي» الشهير الذي يقدم الشيشة المصرية والشاي على انواعه ، والجلسة في الهواء الطلق على جانبي احد الشوارع الضيقة للسوق ، والمميز في المقهى هو طريقة الجلوس، كل واحد الى جانب الاخر ، مع تصميم جميل للمرايا العملاقة التي تتصدر الجدران بكادرات خشبية سميكة ترجع بنا الى ايام اسمهان وليلى مراد وكوكب الشرق ام كلثوم.
وفي النهاية وبعد نهار طويل في الربوع المصرية الجميلة لا يسعني سوى وصف وجوه زملائي الاجانب الذين ادهشوا بما رأوه من عجائب وغرائب حيرت العلم والعلماء.
منقول