أشار المؤرخ عبد الله محيرز إلى ما ورد في المعاجم اللغوية لمعنى كلمة عدن فقد أعطتها معانٍ كثيرة شملت : عدن بمعنى الإقامة ، وعدن البلد أي يسكنها ، و عدنت الإبل أي لزمت مكانها ، وعدن الأرض أي سمدها وهيأها للزرع ، وعدن المكان أي استخرج منها المعدن .. والعدان رجال مجتمعون كل هذه المعاني تعطي مفاهيم متشابهة هي : ( الاستيطان مع ما يجعل الاستقرار ممكناً للزراعة والتعدين ورعي الدواب ) .
- وتورد القواميس معنى آخر لعدن : بأنها تعني ساحل البحر .
- أما المصادر التاريخية العربية تورد ما يلي : هي نسبة لعدن بن عدنان كما جاء عند أقدم المؤرخين كالطبري ، وعدن نسبة لشخص اسمه عدن كان أول من حبس بها عند المؤرخين كابن المجاور ، وهي عنده أيضاً نسبة إلى عدنان بن تقشان بن إبراهيم ، وهي مشتقة من الفعل ( عدن ) أو من معدن الحديد .
ومهما اختلفت الآراء والتفسيرات حول تسمية مدينة عدن إلا أن جميع المصادر التاريخية الكلاسيكية متفقة حول عراقتها التاريخية كميناء تجاري هام منذ بداية الألف الأول قبل الميلاد حيث ورد اسمها في الكتب المقدسة التوراة والإنجيل وكذلك في النقوش المسندية وفي الأسفار من ضمنها سفر(حزقيال) .
اكتسبت عدن شهرتها التاريخية من أهمية موقع مينائها التجاري الذي يعد أحد أهم المنافذ البحرية لليمن منذ أزمنة موغلة في القدم من خلال خليج السويس غرباً إلى رأس الخليج العربي شرقاً ، وكان ذلك المدخل بمثابة حلقة وصل بين قارات العالم القديم مهد حضارة الإنسان ( أسيا شرقاً وأفريقيا غرباً وأوروبا شمالاً ) ، ومن خلال ميناء عدن قام اليمنيون القدماء بدور التاجر والوسيط التجاري بين إقليم البحر الأبيض المتوسط وجنوب شرق آسيا وشرق أفريقيا والعكس ؛ وبذلك صارت عدن بمثابة القلب النابض لتنشيط حركة التجارة العالمية قديماً ، وتردد ذكرها في الكتب المقدسة مثل التوراة والمصادر التاريخية الكلاسيكية عند الرومان واليونان القدماء .
وأدركت مملكة أوسان مبكراً أهمية ميناء عدن واستطاعت أن تحتكر حركة التجارة البحرية فامتد نشاطها التجاري حتى وصل إلى سواحل أفريقيا ، وغدت تشكل بتوسعها خطراً ليس فقط على جارتيها ( مملكة حضرموت ) و ( مملكة قتبان ) وإنما على دولة سبأ أيضاً ، فتحالفت جميعها على إيقاف طموح الأوسانيين ، فقام المكرب السبئي ( كرب إل وتر وابن ذمار علي ) باجتياح الأراضي الأوسانية ، وأمعن في هدم الأسوار وإحراق المدن وسلب الممتلكات في القرن السابع قبل الميلاد كما جاء في النقش الموسوم ب ( RES 3945 ) ، ولم يدم التحالف بين سبأ وقتبان ، ودبت الصراعات وتمكنت قتبان من حسمها لصالحها ولقب ملوكها أنفسهم ب ( ملوك قتبان وكل أولاد عم أوسان ، وكحد ، ودهسم ، وتبنو ) ، ومن هذا اللقب يتضح أن كل أراضى أوسان التي إليها وصل الامتداد الحضاري الأوساني طيلة تلك الفترة .
وتكاد النقوش اليمنية القديمة أن تحجم عن ذكر عدن نظراً لعدم توفر إمكانيات التنقيب الأثري بصورة شاملة ضمن خطة متكاملة للكشف عن رموز وأسرار مدينة عدن التاريخية فيما عدا ما أشار إليه المؤرخ عبد الله محيرز عن وجود أحد النقوش المودعة في متحف اللوفر ( باريس ) الذي ذكر عدن مقرونا بالصهاريج ، أو نقش المعسال الذي عثر عليه ، وذكر ميناء عدن بالصيغة ( ح ي ق ن / ذ ع د ن م ) بمعنى ( ميناء عدن ) ، يعود تاريخ هذا النقش إلى عهد ياسر يهنعم ملك سبأ وذي ريدان (250-274م ) ، ويذكر هذا النقش حادثة تاريخية مشهورة وهي مطاردة هذا الملك للأحباش في ميناء عَدَن حيث كلف أشهر أقياله في حينه ( حظين أو كن بن معاهر وذي خولان ) ، بالاتجاه إلى عَدَن يوم أن خشي أن تطوق الميناء قوات الأحباش وتسيطر عليه، ويقول ذلك القيل كما جاء في النقش : " أنه اتجه إلى الميناء ( عَدَن) هو وشعبه ( قبيلته ) وقاموا بالدفاع عن الميناء وأمضوا مهمتهم بوفاء ، وعندما أثارتهم إحدى مراكب الأحباش وبرزت للقتال التحموا بها ومزقوهم شمالاً ويميناً حيث وجهوا إليهم أفضل المقاتلين ليجالدوهم ويوقعون بهم فكان أن غلبوهم وقتلوهم وأنتصروا عليهم كلهم ومن بقي منهم فقد طوردوا حتى اضطروا إلى دخول البحر البهيم وفيه قتلوا جميعاً وعاد القيل وشعبه بعد هذه المعركة بما حمله من غنائم من ومواشي " .
وما ذكره النقش عن معركة بحرية ربما الأولى من نوعها التي تصفها النقوش حتى الآن ، ويدل خوف الملك ياسر يهنعم ملك سبأ وذي ريدان على الأهمية الكبيرة التي كان يحتلها ميناء عدن بالنسبة لدولته ؛ لذلك كلف أشهر وأقوى أقياله للذود عن المدينة .
أن هذه الخلفية التاريخية لمدينة عدن العريقة تسطر لنا الوقائع اليومية قرب استعادة هذه المدينة لمكانتها التاريخية كمحور للتجارة الدولية وميناء حديث يربط الشمال والجنوب والشرق والغرب .
وبعد ظهور الدعوة الإسلامية تحولت عدن من مركز تجاري دوره كدور أسواق العرب الشهيرة قبل الإسلام إلى أحد المصادر الحضارية الإسلامية في مرحلتها المبكرة باعتبارها ميناءاً هاماً ، وازدياد توسع حركة سوقها التجارية ساعد على سرعة انتشار مبادئ وقيم الإسلام ، وينعكس كل ذلك في بناء المساجد وانتشار المرشدين لتدريس علوم الدين الإسلامي .
- عَدَن خلال حكم الدول الإسلامية :
- دولة بني زياد (204ه /819م ) – (412ه / 1021م ) : وعهدهم بإدارة حكم ميناء عَدَن إلى ولاة من بني معن ، وتختلف الرواة والمصادر التاريخية حول نسبهم ، فمنهم من ينسبهم إلى الأبناء ( بقايا الفرس في اليمن ) ، ومنهم من ينسبهم إلى الأمير معن بن زائدة الشيباني الذي عاصر أواخر الدولة الأموية ، وبداية الدولة العباسية ، وتوفي (151ه / 768م ) ، وفي عهد الوزير الحسين بن سلامة بلغت الدولة الزيادية شأناً كيراً ، وتعيد المصادر إليه تجديد جامع المنارة وإدخال إضافات إليه في الجهة الغربية ، هذا الجامع ينسب بناؤه إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي (61ه / 681م ) (101ه - 720م ) ، وقد كان بنو معن يؤدون خراج عَدَن إلى أمراء الدولة الزيادية .
- دولة بني نجاح (412ه / 1021م ) (554ه / 1159م ) استمر بنو معن في أداء وظيفتهم كولاة على عَدَن يؤدون الخراج كما كانوا خلال فترة دولة بني زياد .
- الصليحيون ( 439ه / 1047م) (532ه / 1137م ) : استمر بنو معن كولاة للصليحيين في بداية الأمر حتى انتزعها منهم المكرم الصليحي .
- بنو زريع (470ه / 1077م ) (569ه / 1173م ) : ينتهي نسب بنى زريع إلى المكرم اليامي الهمداني أحد حلفاء الصليحيين ، وقد قاموا بتنصيب ولدي المكرم العباس والمسعود على حصني جبل التعكر وجبل الخضراء على التوالي لكل منهم على أن يؤدوا خراج عَدَن( مائة ألف دينار) للحرة السيدة أروى بنت أحمد الصليحي حيث إن الملك علي بن محمد الصليحي جعل الخراج مهراً لها بزواجها من ابنه المكرم أحمد بن علي الصليحي ، وقد انتعشت عَدَن في عهد بنى زريع الذي يعد من أزهى عصور ازدهارها حيث نشطت حركة التجارة ، شيد بنو زريع الحصون والدورَ وهم أول من أحاط عَدَن بسور ، وقد اشتغل بنو زريع بحكم عَدَن وما جاورها ؛ في أواخر عهد الدولة الصليحية في السنوات الأخيرة لحكم الحرة السيدة أروى بنت أحمد الصليحي دار صراع بين صاحبي الحصنين آنذاك سبأ بن أبي السعود وابن عمه علي بن أبي الغارات انتهى بانتصار الأول ، وتمكن بعدها بنو زريع من حكم المناطق المجاورة لعَدَن ، وتطور العمران خلال فترة حكم الداعي عمران بن محمد بن سبأ بن أبي السعود الذي بنى دار المنظر ، وكان الازدهار شاملاً في عهده بكافة جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والأدبية حيث ضم بلاطه نخبة من العلماء والفقهاء والأدباء مثل الشاعر الأديب أبوبكر العدني ، والشاعر الأديب المعروف عمارة اليمني ، كما قام الداعي عمران ببناء منبر جامع المنارة ، وتواصل بنو زريع مع الدولة الفاطمية في مصر بعد زوال الدولة الصليحية ، وكانوا يؤدون الخراج لها واستمر التواصل معها إلى أن تم القضاء على الدولة الفاطمية من قبل الأيوبيين .
- الدولة الأيوبية في اليمن ( 569ه / 1173م ) ( 625ه / 1228م ) : بعد القضاء على الدولة الفاطمية في مصر اتجهت أنظار الأيوبيين إلى جنوب الجزيرة العربية بهدف التوسع والقضاء على الدولة المهدية ، وكان لهم ذلك إذ تمكن توران شاه الأيوبي " شقيق صلاح الدين " من السيطرة على أجزاء من اليمن منها عَدَن.
ونشط ولاة الأيوبيين وخاصة أبا عمرو وعثمان بن علي الزنجبيلي التكريتي حيث تم إعادة بناء وتجديد سور عَدَن ، كما شيدوا أسوار جبل المنصوري وجبل حقات وسور الميناء ، كما بنى الزنجبيلي الفرضة ( الميناء ) ، وبنى الأسواق وتكاثر الناس في عهد بني أيوب في عَدَن بسبب اتساع نشاط الحياة فيها كما تم حفر الآبار وشيدت المساجد ، كما ساهم الزنجبيلي - أيضاً - في إعادة وتجديد قلعة صيرة وسورها .
بعد ذلك جاء سيف الإسلام طغتكين بن أيوب " شقيق آخر لصلاح الدين الأيوبي " وشيد بها دار السعادة مقابل ( الفرضة ) باتجاه منطقة حقات
- عَدَن في العصر الحديث : استمرت تحت سيطرة الأتراك من عام 1538م ، وقد نازعتهم أطرافاً محلية لفترات قصيرة السيطرة على عَدَن لكن الأتراك استعادوا السيطرة عليها بعد قضائهم على الأمير عبد القادر اليافعي الخنفري حاكم خنفر وأبين عام ( 1036ه /1627م ) ، ثم سيطر عليها الأئمة عام ( 1055ه / 1645م ) ثم خضعت لسيطرة السلطنة العبدلية اللحجية ابتداء من ( 1144ه /1732م ) حتى خضوعها للاحتلال الإنجليزي عام ( 1255ه /1839م ) ، وقد نمت خلال فترة الاحتلال الإنجليزي بسبب موقعها الاستراتيجي الهام الواقع كنقطة اتصال بين المستعمرات البريطانية ومركز تموين وانطلاق للسفن التي تفد من قارة آسيا خاصة الهند والصين إلى إنجلترا وأوروبا .
وفي مطلع الخمسينات من القرن العشرين مع بدايات تأسيس شركة مصافي عَدَن كانت ترسو في ميناء عَدَن للتزود بالوقود سنوياً قرابة خمسة آلاف سفينة ، وبعد حوالي عشر سنوات من الاحتلال تم الانتقال من الميناء القديم في صيرة إلى ميناء التواهي في حوالي 1850م ، وفي نفس العام تم إعلان عَدَن كمنطقة حرة ، كما تم بناء ميناء آخر حديث في المعلا ( معلا دكة ) في عام 1855م ، حيث يمتلك هذا الميناء مزايا منها ما يتعلق بحجمه الكبير وقدرته الاستيعابية وقدرته على استقبال السفن في مختلف مواسم السنة وتجهيز أرصفته الواسعة بالآلات والمعدات الحديثة مثل الروافع والأحواض العائمة لصيانة السفن ، وبذلك باتت موانئ عَدَن من أهم الموانئ في المنطقة العربية آنذاك
مع تحيات
القمة
للوصول الى الصور
اضغط هنا
https://artravelers.com
واتمني من الجميع المرور هنا لمعرفة بلدي الجميل حيث انها بلد بحق جميلة جدا
مع تحيات اخوك
القمة