- «سويسرا السكسونية».. متاهة ساحرة في حوض نهر الألبه الجبلي
«سويسرا السكسونية».. متاهة ساحرة في حوض نهر الألبه الجبلي
يعود الفضل في إطلاق اسم «سويسرا السكسونية» على منطقة شرق ألمانيا الواقعة بين دريسدن والحدود التشيكية إلى الرسام السويسري انتون غراف وزميله النحات ادريان زنغ . عمل الفنانان الباحثان في جامعة دريسدن الفنية عام 1766 وجالا في حوض ووادي نهر الألبه ووجدا أوجه الشبه المناخية والتضاريسية بين هذه المنطقة والمناطق السويسرية. وخلد الرسام كاسبر دافيد فريدريش رحلة الفنانين في «سويسرا السكسونية» من خلال لوحته الشهيرة «جوالان عبر بحر الضباب» المعروضة في متحف مدينة بيرنا.
وتسبب نشر مشاهدات الفنانين غراف وزنغ ولوحة فريجدريش في اجتذاب طلائع السياح السويسريين والفرنسيين إلى المنطقة بواسطة السفن ومن ثم بواسطة القطار. وتقول مصادر مدينة بيرنا، الواقعة على نهر الألبه، ان عدد المصحات والفنادق صار يزيد اليوم عن عدد الصخور العالية المنتشرة في المنطقة والتي تعتبر من أكثر معالم جذب السياح في ألمانيا.
تمتد «سويسرا السكسونية» من جنوب شرق دريسدن إلى الحدود التشيكية بمساحة 360 كم مربعا. ويخترق نهر الألبه تضاريسها الصخرية بشكل ملتو ليشكل متاهة طبيعية ساحرة وفريدة بصخورها وتلالها ومناطقها الخضراء. انه هذا التجانس الرائع بين عناصر البشر والصخر والماء والأشجار والحيوانات، الذي يجعل هذه المنطقة من أجمل مناطق أوروبا. قطنها الشاعر الألماني العظيم فلوفغانغ فون غوته ليكتب قصائده على الورق، وتفرغ فيها الموسيقار الكبير ريشارد فاغنر لينقش موسيقاه على الحجر. وعلى قلعتها القديمة الحصينة حبس الملك البوهيمي اغسطس الكبير العالم والفنان يوهان فريدريش بونجر كي يحول له النحاس إلى ذهب. والقصة تقول إن بونجر اكتشف هنا «السيراميك الأوروبي» بدلا من الذهب وعفا عنه الملك لأنه توصل إلى شيء. وفي هذه البيئة، الشبيهة بتضاريس جبال الروكي في الولايات المتحدة، تم تصوير الأفلام المأخوذة عن رويات الكاتب الكبير كارل ماي حول البطل «وينيتو» وصديقه «شورهاند» ودورهما في صنع السلام بين سكان اميركا الأصليين والمستوطنين الجدد.
وعلى ضفاف نهر الألبه تنتشر الجبال الصغيرة بشكل صخور شاهقة تتخذ أشكالا مثيرة بين الغابات وتوفر مراكز جذب للناس الراغبين بالقاء نظرة على الطبيعة المحيطة بالمنطقة. من بين هذه الصخور هي ليليانشتاين (415 مترا) وبفايفرشتاين (429) و كونغشتاين (461) وتشيرنتشاين (561) والبارتايشتاين (305). وتم تحويل «سويسرا السكسونية» إلى منطقة بيئية محمية في العام الأخير الذي سبق سقوط جمهورية ألمانيا الديمقراطية (1990).
تتكون «سويسرا السكسونية» من منطقتين، تمتد الأولى غربا بين مدينتي فيلبين وبروسن، وتمتد الثانية شرقا بين شراماشتاين والحدود التشيكية. وربما أن الجولات بالسفن بين بيرنا ( على الضفة اليسرى من الألبه) عبر صخرة كونغشتاين ومدينة بادشانداو (الضفة اليمنى) وعبر الصخور العالية ومن ثم العودة إلى بيرنا، هي من أكثر الرحلات شاعرية وجمالا في المنطقة. كما يمكن الانطلاق من مدينة دريسدن بالقطار عبر بيرنا (بوابة سويسرا السكسونية) مرورا بمدن حوض الألبه والصخور والعودة إلى دريسدن. وتعني بيرنا الصخور القاسية، واشتهر أهل المنطقة منذ قرون بنحت الصخور الرملية للبناء. بنيت عام 1233 وتطورت كثيرا بعد افتتاح خط السفن إليها عام 1838 والقطار عام 1848. وما زالت المدينة تحتفظ بطابع بنائها الباروكي رغم كل القرون التي مضت، خصوصا في مبنى السوق القديم ودار البلدية (بنيت 1485) وصيدلية «فرومه لوفن» (1578) وكنيسة سانت مارين (1546) ودير الدومينيكان (1300). ويمكن للسائح أيضا زيارة دار سونتشاين، التي بنيت عام 1811، لمعالجة الناس الذين يعانون من الأمراض العقلية. وتحول اليوم إلى أثر تاريخي هام ومتحف بعد أن أغلقه النازيون عام 1939 وقتلوا المرضى العقليين فيه بدعوى انهم «عالة على المجتمع النقي». ومعروف أن الحكومة النازية أبادت 13720 مريضا عقليا في ألمانيا بسبب العقلية النازية المريضة بالعنصرية.
وبعد كيلومترات قليلة إلى الشمال من بيرنا تقع مدينة غراوبا التي استقر فيها وعمل ريتشارد فاغنر عام 1846. وهناك متحف للموسيقار في المدينة مبني بطراز عصر النهضة. وشمال بيرنا أيضا يجد السائح حدائق غروس زيدلستر التي بنيت عام 1719 وتحتوي على 360 منحوتا يصور الملوك والعظماء. حطم البروسيون معظم هذه التماثيل، لكن 52 منها ما زالت بحالة جيدة وتمكن مشاهدتها. وعلى صخرة هوهنشتاين، بالقرب من المدينة، تم بناء قصر هوهنشتاين على ارتفاع 14 مترا، وتحول اليوم إلى منزل للشباب.
يصل المرء بعدها إلى مدينة راتن المبنية عند قدم صخرة الباستاي. وهي مركز سياحي يمكن الانطلاق منه بمختلف وسائل النقل إلى بقية المنطقة، وفيها جسر الباستاي الذي بني عام 1881 وقصر نويراتن (1882). وتقع مدينة كونغشتاين عند الصخرة التي تحمل نفس الأسم على الشاطىء الأيسر من الألبه. وعليها شيدت القلعة الحصينة التي استخدمها ملوك بوهيميا كمنفى، بسبب مناعتها وصدها الجيوش. بنيت القلعة عام 1589 ولم يسبق لأحد أن استطاع غزوها بسب ارتفاعها ووعورة مسالكها الصخرية.
ويمكن للسائح أن يختتم يومه بزيارة مدينة باد شانداو بالقرب من صخرة تشيرنشتاين التي تعتبر أعلى صخرة في «سويسرا السكسونية» (561م). ويمكن بلوغ القمة على الاقدام حينما يبدأ المرء رحلته من نقطة تبعد نحو 5 كم عن قمة الصخرة. وطبيعي فان هذه المدن تضم العديد من المتاحف التي توثق تاريخ المنطقة وملوكها وتقاليدها، منها المتحف العسكري ومتحف التاريخ وبيت الينابيع الذي يتوسطه ينبوع ماء عمقه 140 مترا.
جريدة الشرق الاوسط