- واليكم الحلقه الأولى : قبل السفر
- بداية الرحلة
وعدتكم يسرد ذكرياتي وأنا أدرس في لندن وها أنذا أفي بوعدي ،علماً بأن تفاعلكم سيدفعني للإستمرار
واليكم الحلقه الأولى : قبل السفر
أعيش هذه الأيام أجواء شهر صفر الحارة ، ولكنها لم تخلُ من متعة الشراء والاستعداد للسفر إلى لندن . وهذه الرحلة ليست للسياحة ولكنها رحلة تمثل منعطفاً جديداً في حياتي ( الحصول على شهادة الماجستير). غير أن متعة الاستعداد والتطلع للحياة في مكان جديد لم تدم . يعود ذلك إلى أنني أجريت عملية جراحية فذهب بريق الأحلام
و حل مكانه الألم ؛خاصة أن أيام السفر تقترب سراعاً . لقد أشعرني المرض بحالة من الضعف لأول مرة أعيشها بواقعيتها وحقيقتها.
قال لي الطبيب : سنجري العملية لك صباح الغد . أخذت أرتجف ونبضات قلبي تزداد . لم أدر كم من الوقت مضى ولكن أيقظوني في تمام الساعة الخامسة فجراً. أخذوني محمولاً على سرير متحرك نحو غرفة مليئة بالممرضين والأطباء والأجهزة . بعد ذلك رأيت أنوار سقف غرفة العمليات تتمايل ، وبعد ثوانٍ لم أعد اعرف أين أنا . أفقت على شعور ألم الجرح ودرجة البرودة تزداد . والدم من فمي لا يزال يخرج . مرّ يوم الإثنين كئيباً ومثله يوم الثلاثاء . أطلت علي الشمس في غرفة المستشفى بأشعتها صباح يوم الأربعاء . رأيت الحياة فيها . رحت أتأملها وأتأمل أشياء الغرفة ، فلقد استقبلتها بفرح كبير . شعرت أنها لبردي دفئاً و لوحدتي صديقاً جاء يواسيني من غير موعد . كان مرضي أول من لامس إطلالتها، واستقبلها بقلب ناره تضطرم في الجوف حزناً وكدراً. الدقائق والساعات والأيام أصبحت تمضي ببطء.
بداية الرحلة
في ظهر يوم الإثنين 27 / 3 / 1414ه الموافق 13/ 9 / 1992م ، كانت للخطوط الجوية العربية السعودية رحلة عادية إلى لندن .أما بالنسبة لي فالأمر مختلف تماماً ، فاليوم بداية الرحلة نحو المجهول والاغتراب . اليوم يمثل بداية نقطة تحول في حياتي ، ولم ادر أي أحساس عزيز رافقني منذ الاستعداد للسفر . أهو الإحساس بالمسؤولية والإثارة ؟ أم هو الشعور بالخوف من الغربة و الإخفاق أو كلاهما معاً ؟ هذا المزيج من الشعور ذكرني بما كان يشعر به مارلو ، بطل رواية Heart Of Darkness أو "قلب الظلام " للأديب جوزيف كونراد . لقد كان يشعر قبل سفره إلى المجهول نحو أدغال أفريقيا وتحديداً في الكونغو بشعور يجمع بين الخوف والاشتياق .
في ذلك الصباح نهضت باكراً، ولبست بدلة وربطة عنق . نزلت وقد سبقتني حقائبي إلى السيارة . تَجَّمع بعض الإخوة والأخوات عند الباب وعانقتهم مودعاً . وكم تمنيت لو أنني لم أر أمي في زاوية المنزل وهي تبكي . تريد أن تودعني ولكنها تصارع نفسها وخطاها ، فتتقدم خطوة صغيرة إلى الأمام . تريد أن تأتي وأن تلقي عليَّ نظرة الوداع لكنها تغالب خطاها فترجع .
وصلت إلى المطار وأخذت أدفع حقائبي الثقيلة . أخذت بطاقة صعود الطائرة ، ثم توجهت وكان برفقتي إلى المطار أبي وبعض إخوتي . كانت الرحلة قرابة الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً، وبما أن الوقت لا زال باكراً على موعد الإقلاع جلست مع والدي و إخوتي ممن كانوا يرافقونني إلى المطار في الطابق الثاني. أخذوا يتناولون الشاي والقهوة وبعض الكيك ، أما أنا فلم تكن شهيتي تقبل أي شيء ؛ فنفسي في اضطراب ، وقد كنت متوتراً إلى حد كبير لدرجة أنني كنت اذهب إلى دورة المياه بين فترة وأخرى . ( أخواني كانوا فاطسين علي من الضحك لأنهم شافوا وجهي منقلب وأنا كل شوي أروح وأجي من الحمام أعزكم الله). أعلنت الخطوط السعودية عن رحلتها .... زاد اضطرابي .... قبلت رأس أبي مودعاً ومن ثم ودعت إخوتي . دخلت الطائرة وجلست بالقرب من النافذة وقد انزاح عني في هذه اللحظة شعور التوتر والخوف .
هنا أتوقف عن السرد وفي الحلقة القادمة سأتحدث عن الوصول ولماذا أعطتني موظفة حجز الفنادق بمحطة فكتوريا ذلك الفندق بالذات.
لا تطول علينا ... كم استمتع بسرد الذكريات ...خاصه في هذا العالم المجهول (النت) يعطي السارد حريه تجعل المتلقي يستمتع ...