RRIYADH
22-01-2022 - 06:01 pm
الزمان: الساعة الثالثة عصراً ,2 يناير 1492 ، الموافق 1 ربيع الأول عام 897 لهجرة الرسول
المكان: حصن القصبة في غرناطة
الحدث: عندما عُلق الصليب على حصن القصبة في غرناطة وكان ذلك الإعلان الرسمي لسقوط الأندلس
نعم سَقَطت جنة الأرض الأندلس، بكل عظمتها ، و حُسنِها ، و نعيمها ، و بهجتها.
ذهب نعيمٌ يكذّبه أهل الأقطار البعيدة ، تلاشى و اندثر ، و لم يبقَ منه إلا "الأثار" لتحكي المأساة لعقودٍ تَلَت.
لم يصبر الشاعر أبو البقاء الرندي من "رندة" جنوب الأندلس وهو يراقب بنو الصليب القادمين من الشمال ، و هم يجولون بخيولهم داخل مدينته بألمٍ لو قُسِّم على أهل الأرض لقتلهم غماً وحسرةٍ ، تصرخ دموعه, فيسطّر في سماء التاريخ إحدى أعظم المراثي التي عرفها المسلمون، فيقول باكياً:
لكل شيء إذا ما تم نقصان = فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دولٌ = من سرَّهُ زمنٌ ساءته أزمانُ
وهذه الدار لا تبقي على أحد = ولا يدوم على حال لها شانُ
يمزق الدهر حتمًا كل سابغةٍ= إذا نبت مشرفيات وخرصان
وينتضي كل سيف للفناء ولو = كان ابن ذي يزن والغمد غمدان
أين الملوك ذوو التيجان من يمنٍ = وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ
وأين ما شاده شدَّادُ في إرمٍ = وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ
وأين ما حازه قارون من ذهب = وأين عادٌ وشدادٌ وقحطانُ
أتى على الكل أمر لا مرد له= حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا
وصار ما كان من مُلك ومن مَلك = كما حكى عن خيال الطيفِ وسنانُ
دار الزمان على دارا وقاتله = وأمَّ كسرى فما آواه إيوانُ
كأنما الصعب لم يسهل له سببُ = يومًا ولا مَلك الدنيا سليمان
فجائع الدهر أنواع منوعة = وللزمان مسرات وأحزانُ
وللحوادث سلوان يسهلها = وما لما حل بالإسلام سلوانُ
دهى الجزيرة أمرٌ لا عزاء له = هوى له أحدٌ وانهد نهلانُ
أصابها العينُ في الإسلام فارتزأتْ = حتى خلت منه أقطارٌ وبلدانُ
فاسأل بلنسيةَ ما شأنُ مرسيةٍ = وأين شاطبةٌ أمْ أين جيَّانُ
وأين قرطبةٌ دارُ العلوم فكم = من عالمٍ قد سما فيها له شانُ
وأين حمصُ وما تحويه من نزهٍ = ونهرها العذب فياض وملآنُ
قواعدٌ كنَّ أركانَ البلاد فما = عسى البقاء إذا لم تبقى أركان
تبكي الحنيفيةَ البيضاءَ من أسفٍ = كما بكى لفراق الإلف هيمانُ
حيث المساجدُ قد أضحتْ كنائسَ ما = فيهنَّ إلا نواقيسٌ وصلبانُ
حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ = حتى المنابرُ ترثي وهي عيدانُ
يا غافلاً وله في الدهرِ موعظةٌ = إن كنت في سِنَةٍ فالدهر يقظانُ
وماشيًا مرحًا يلهيه موطنهُ = أبعد حمصٍ تَغرُّ المرءَ أوطانُ
تلك المصيبةُ أنْسَتْ ما تقدَّمها = وما لها مع طولَ الدهرِ نسيانُ
يا راكبين عتاقَ الخيلِ ضامرةً = كأنها في مجال السبقِ عقبانُ
وحاملين سيوفَ الهندِ مرهقةُ = كأنها في ظلام النقع نيرانُ
وراتعين وراء البحر في دعةٍ = لهم بأوطانهم عزٌّ وسلطانُ
أعندكم نبأ من أهل أندلسٍ = فقد سرى بحديثِ القومِ ركبانُ
كم يستغيث بنا المستضعفون وهم = قتلى وأسرى فما يهتز إنسان
لماذا التقاطع في الإسلام بينكمُ = وأنتمْ يا عباد الله إخوانُ
ألا نفوسٌ أبيَّاتٌ لها هممٌ = أما على الخيرِ أنصارٌ وأعوانُ
يا من لذلةِ قومٍ بعدَ عزِّهُمُ = أحال حالهمْ جورُ وطغيانُ
بالأمس كانوا ملوكًا في منازلهم = واليومَ هم في بلاد الضدِّ عبدانُ
فلو تراهم حيارى لا دليل لهمْ = عليهمُ من ثيابِ الذلِ ألوانُ
ولو رأيتَ بكاهُم عندَ بيعهمُ = لهالكَ الأمرُ واستهوتكَ أحزانُ
يا ربَّ أمٍّ وطفلٍ حيلَ بينهما = كما تفرقَ أرواحٌ وأبدانُ
وطفلةٍ مثل حسنِ الشمسِ = إذ طلعت كأنما ياقوتٌ ومرجانُ
يقودُها العلجُ للمكروه مكرهةً = والعينُ باكيةُ والقلبُ حيرانُ
لمثل هذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ = إن كان في القلب إسلامٌ وإيمانُ
اخوكم رياض
تسلم الله يحفظك على الموضوع