- "الشابسوغ" شارع عبّدته الذاكرة بالضجيج وأسلمته الحداثة للنسيان
"الشابسوغ" شارع عبّدته الذاكرة بالضجيج وأسلمته الحداثة للنسيان
"الصورة القديمة لشوارع المملكة لم تعد قائمة إلا في بعض ذكريات كبار السن، وفي بطون الكتب، ومنها شارع "الشابسوغ" في منطقة رغدان، والذي يتوسط منطقة العاصمة القديمة، قبل زحف الإسمنت عليه، فقديما، كان هذا الشارع يتميز بحيوية دائمة"، وفق حسن خير الدين. الحلاق خير الدين (70 عاما)، يؤكد، أيضا، "اليوم عدد زوار الشارع قليل جداً، وهم معدودون مقارنة بالماضي، لم يعد الحال كالسابق، الحركة هادئة ومعظم زوار الشارع قديما كانوا من جنسيات عربية".
وتعود تسمية الشارع بهذا الاسم نسبة إلى إحدى عشائر الشركس، التي كانت من أولى العائلات التي قطنت منطقة الشارع مطلع العشرينيات من القرن الماضي.
ويتميز الشارع بوجود محلات ذات أبنية قديمة، وإن كان أصحابها جددا، وتتوزع بين محلات حلاقة، ومواد بناء، وحدادة، وصولا إلى محلات الذهب، إضافة إلى أكثر من 10 محلات صغيرة متخصصة فقط ببيع الشاي والقهوة، المشروبين اللذين مايزال يعشقهما قاطنو الشارع.
وتتداعى ذاكرة خير الدين الذي يقطن شارع الشابسوغ منذ بداية الأربعينيات، فيقول "أول من سكن الشارع هم الشركس، ولكنهم بدأوا بالرحيل، بعد ان تحول إلى محال تجارية في بداية الستينيات من القرن الماضي".
أيضا، يتذكر تيسير شبارو (60 عاما) بدايات الشارع، بقوله "يعتبر الشابسوغ من أرقى احياء عمان القديمة، وأعمل هنا منذ 40 عاما، ولا أنسى تلك المحلات التي امتدت من مطلع الشارع حتى مدخل البنك، وأتذكر رائحة مخبز بور سعيد وبوفيه أبو صالح ومخيطة تيسير السلطي".
أما الحاج ثامر السلطي، الذي رسمت الحياة على وجهه خطوط التعب والشقاء، فيقول "كان شارع الشابسوغ عبارة عن تراب، ويطلق عليه شارع الحناتر، لأن الدواب هي من كانت تسير عليه".
ويضيف السلطي، وهو صاحب بقالة قديمة في الشارع،" كان يوجد داية اسمها أم سامي، وهي من أقدم الدايات في عمان، والتي ولدت على يديها، وأتذكر البناية التي كانت توجد بها جوازات عمان والأحوال المدنية، وأقدم رئيس بلدية للمنطقة كان اسمه هاشم خير".
ويشير السلطي إلى أن "اسم الشارع جاء نتيجة وجود عائلة الشابسوغ التي قطنت المنطقة منذ بداية العشرينيات، وكانت مدرسة الإمام هي أقدم المدارس في الشارع، ولكنها أغلقت أواخر الثمانينيات، ولا أنسى مسجد الشابسوغ الذي تم تشييده العام 1367ه".
ومن المعلوم أنه حين هاجر الشراكسة المعروفون ب"الشابسوغ"، إلى الأردن، أقطعتهم إمارة شرق الأردن شارعا كاملاً يتفرع من شارع المحطة، ومدخله مقابل مباني أمانة عمان القديمة، ويصعد إلى المنطقة التي تقع تحت قلعة عمان، ويتصل بشارع جبل الحسين الذي ينحدر إلى الجهة اليمنى باتجاه مداخل القصور الملكية، وإلى اليسار باتجاه مدرسة ثانوية عمان، وكان في حارة الشابسوغ أيام زمان منزل رئيس بلدية عمان، وكان من دار خير، وكذلك منزل الشيخ مثقال الفايز، في الشابسوغ، الذي كان يستعمله حين يأتي لزيارة سمو الأمير عبد الله، أو عندما يزور رئيس الوزراء، وكبار رجال الدولة.
ويقف السلطي في مطلع الشارع، فتسرقه الذكريات، وتأخذه إلى أبعد مما تراه عيناه، فيرى جبالا ووديانا، وحتى وقت قريب كان يتذكر السكان والتجار، ويأسى لحال شارع الشابسوغ، الذي كانت تعمه الحركة سابقا، ومن ثم تقلصها إلى حركة سير عادية، نتيجة لتغير بعض المعالم، وغياب الزوار عن هذا الشارع، الذي كان يبدأ من موقف سرفيس العبدلي سابقا حتى البنك.
وفي حارة "الشابسوغ"، كانت تقيم، أيضا، عائلات أخرى على غرار دار الفايز، ودار خير، وكانت تقف فيه عدة باصات نقل إلى الزرقاء، والشام.
واستقر الشركس في وادي السير وناعور وصويلح والزرقاء وجرش، وبنوا أول البيوت الطينية في عمّان، في المنطقة التي ماتزال حتى الآن تعرف ب"المهاجرين"، نسبة إلى المهاجرين الشركس، علما أن تعدادهم يبلغ نحو مائة وعشرين ألف نسمة.
وأعاد الشركس بعث الحياة في الشارع، وكان لبنائهم بيوتهم ودكانينهم ومناجرهم ومحاددهم ومساجدهم ومدارسهم، أثر كبير في جذب المزيد من السكان إلى هذا الشارع من مختلف المناطق، وأصبح الشارع يضج بالحياة، وتوالت على عمان مجموعات أخرى من المهاجرين الشراكسة، القادمين من شمال القوقاز، بعد احتلال بلادهم من قبل الجيوش الروسية القيصرية العام 1864، وسكنوا في أحياء ما تزال تحمل أسماءهم حتى اليوم، مثل حي "المهاجرين"، وحي "الشابسوغ"، وحي "القبرطاي" ومحلّة "الأبزاخ"، كما قدمت جماعات من الأرمن والأكراد والشيشان والشوام والمقدسيين والحجازيين وغيرهم، ما أضفى على المجتمع تنوعا عرقياً شكل جزءا مهما من نسيجه.
عن "الغد" الأردنية
ناطرين