- هوب هاجه ياعرب كنا
- انظروا شيقول قرآنه
عادات الخليجيين في لندن معروفة ومحفوظة عن ظهر قلب عند كل من زار هذه العاصمة الاوربية، فالخليجي الذي يسافر برفقة أسرته مكتوب عليه أن يتوجه يوميا برفقة زوجته وبعض من أفراد أسرته إلى المحلات والمراكز المختلفة في أكسفورد ستريت وساحة البيكاديلي، وذلك كونه لا يستطيع أن يكسر أوامر ورغبات الزوجة التي ترغب بالتوجه يوميا إلى المراكز والمحلات لأنها الآمرة الناهية خلال فترة السفر، كما انه لا يستطيع أن يصحب جميع أفراد الأسرة في جميع تحركاته لترشيد النفقات، وما يثير لدي الاستغراب أنهم يظلون عاجزين عن كبح جماح رغبات زوجاتهم على الرغم من أن العكس صحيح خلال تواجدهما داخل الدولة ربما رغبة في عدم إفساد العطلة الصيفية.
يعاني رب الأسرة اشد المعاناة خلال تجوله في الأسواق والمراكز التجارية، تصر زوجته على شراء كل ما يصادفها في الأسواق والمراكز التجارية فتصبح مثل الجراد الذي يغزو الأرض الزراعية ليحيلها إلى أرض قاحلة جرداء، هي تريد أن تشتري الهدايا لوالدتها ووالدها، ولأخواتها وأزواجهن، ولإخوانها وزوجاتهم، ولجاراتها ولزميلاتها في العمل، ولصديقات صديقاتها، للخادمة وصديقاتها، للسائق و صديقاته.......الخ، من الطبيعي أن يتذمر الزوج من كثرة المشتريات والمبالغ الكبيرة التي يدفعها من جيبه ولكن الزوجة تكون دوما له بالمرصاد، تقنعه باستعمال بطاقات الاعتماد لتسديد قيمة المشتريات، وعندما يعود إلى ارض الوطن تلاحقه الديون من كل صوب ليصبح واحد منتف، ,تستمر عملية التسوق والشحططة في الاسواق حتى الظهيرة حيث تعود الأسرة إلى مقر السكن لأخذ قسط من الراحة الإجبارية.
يلاحظ خلال الفترة التي تمتد من الصباح إلى الظهيرة اختفاء أي اثر للشباب الخليجيين وان الارض انشقت وبلعتهم في هذه الفترة، و عند معرفة السبب يزول العجب فقد تعودوا أن يستيقظوا وقت الظهيرة بسبب الإرهاق الشديد من جزاء المجهود الكبير المبذول ليلا في المراقص والملاهي المنتشرة في المدينة، حيث أن ساعات نشاط الشباب تمتد من الظهيرة وحتى فجر اليوم التالي، و يلاحظ أن زيادة نشاطهم الليلي مرتبط بعلاقة طردية مع ازدياد عدد الخليجيات الوافدات إلى لندن !.
الشباب الخليجيون حتى في فترة ما قبل هواتف الجي اسم ام تعودوا على تأجير الهواتف المحمولة من المحال المتخصصة، يرتدون البنطلونات والقمصان من الماركات الفاخرة، طبعا إن كنت لا تملك الخبرة الكافية لتمييز الماركات فستظن إنها فعلا أصلية مع العلم أن معظمها من قوم بوعود مشتراة من سوق نايف ومرشد، و من اجل التباهي وعكس مظهر جذاب يقومون بتأجير السيارات الفاخرة للتجول بها في شوارع لندن، لدرجة أن البعض منهم يقوم بتأجير السيارة من البلدان المجاورة ويتحملون عناء الشحن من اجل خاطر عيون الفتيات، والأغرب من ذلك أن البعض منهم يشحنون سياراتهم من الخليج إلى لندن مع العلم أن معظمهم لا يجيدون السواقة في شوارع لندن لأنها ضيقة وباتجاه اليسار، و بما انك في لندن فإنه يحق لك أن تفعل ما لم تكن تفعله في بلادك، ستشاهد قصات الشعر الغريبة، أحدهم رسم خريطة العالم على رأسه، وآخر حلق شعره على شكل دائرة فارغة، وآخر لم يعجبه شعره فقام بقص معظمه وأبقى على شعرتين منتصبتين وهلم جرا.
يزداد نشاط الخليجيين من بعد الساعة السادسة عصرا حيث تبدأ أفواج الخليجيين بالتوجه إلى حديقة الهايد بارك لدرجة انك تلاحظ أن أغلبية المتواجدين هم من الخليجيين، وإليك بعضا من المشاهد:
· يتجمع السيدات على شكل مجموعات، كل مجموعة تتكون غالبا من 3 إلى 10 سيدات، معظمهن قد تجاوزن العقد الثالث من العمر، يجلسن على المسطحات الخضراء ويحرصن على جلب القهوة والشاي وكأنهن جالسات في أحد مجالس الفريج، لا يكاد يمر شخص أمامهن إلا وطالته الألسن، يعلقون علىالشاب الذي يلاحق فتاة من بعيد، و على العجوز التي تتشبب في لندن، يتحدثن عن فلانة وآخر أخبارها، وفلان طلق فلانة لأنها تخرج من البيت كثيرا، وفلانة تشاجرت مع زوجها لأن زوجها رفض أن يسافر في هذا الصيف، ويصبح هذا التجمع أشبه بوكالات الأنباء يبث كل ما هو جديد في عالم الأخبار.
· كبار السن من الرجال وبعض الشباب يشربون القهوة والكابتشينو في مقهى (عائشة)، لا تستغرب من الاسم فليس هو الاسم الحقيقي للمقهى ولكنه معروف في أوساط الخليجيين بمقهى عائشة، يقع هذا المقهى على الشارع المقابل لحديقة الهايد بارك وهو موقع استراتيجي كفيل بمشاهدة الداخل والخارج من مدخل الحديقة، ويكتفي كبار السن بالنظر إلى المارة والتعليق على الجميع بلا استثناء إلى أن يحل الظلام ويوصد المقهى أبوابه، و لا بأس ان زاد الامر عن النظر لدى الاشقياء من كبار السن الذين يجدونها فرصة الاعادة امجاد الماضي الشقي!.
· الفتيات في سن المراهقة وبعض من تجاوزنها بمراحل لا يجلسن في مكان محدد، بل يتنزهن في ممرات الحديقة وهن بكامل زينتهن فلعلهن يعثرن على فارس الأحلام في هذه الحديقة، كما ستلاحظ أن تشكيلة صيف 2003 ( استرج مع شيلة )، ناهيك عن التسريحات الجديدة التي لا تجرؤ الفتاة على الظهور بها إلا في لندن فقط لانها لو خرجت بها في بلادها لاتهموها بالجنون، ويتوقع في هذه السنة أن ترتدي الحديقة حلة جديدة لأن اغلب الفتيات سيقدمن عروض مفاجآت الصيف في لندن، و ان كنت مستغربا مما تراه فلا تستغرب فإنما الذي رأيته شيء يحدث في كل عام!.
· الشباب بدورهم لا يقلون أناقة عن الفتيات، يصبحون مثل النمور في البراري يتحينون الفرصة للانقضاض السريع على الفريسة السهلة من الفتيات، وبما أن الحديقة تكتظ بالفتيات فهذا كفيل بضمان عدة فرائس في اليوم الواحد، تبدأ المطاردة بنظرة من أحد الطرفين، والشاب لا يريد أن تفوته الفرصة كما أن الفتاة لديها مزيدا من الحرية في الخارج فهي تتنزه وتتسوق وحدها، ولا تتمنع الفتاة إلا نادرا وتترك الدلع جانبا لأنها تعلم أن البنات في لندن على قفا من يشيل!، وقد تخسر فارس أحلامها لذلك تستجيب للشاب بكل سهولة ويسر، وغالبا ما يحاول أكثر من شاب اصطياد نفس الفتاة، وبعض الفتيات لا يمانعن في التعرف على أكثر من شاب في آن واحد، ولكن الشاطر وسعيد الحظ يكسب في النهاية.
هذه بعض الأمثلة التي تشاهدها في نهار لندن، وإن اختلفت هذه الأحداث في التفاصيل فإنها لن نخرج عن المضمون والحقيقة، ومع غروب شمس لندن وحلول الظلام تبدأ فصول جديدة من حكاية الخليجيين مع لندن.
مع حلول الظلام يبدأ فصل جديد من حكاية الخليجيين مع لندن، فصل جدير بالاهتمام، يحتاج إلى أبحاث ودراسات طويلة لمعرفة الأسباب التي تدفع الخليجيين إلى لعب ادوار هابطة مبتذلة، فصل يكشف جانبا من الواقع المخزي للخليجيين في عاصمة الضباب، طبعا لا يشمل هذا الفصل جميع الخليجيين فنحن نوجه تحية للعائلات المحترمة التي تثبت معدنها الأصيل سواء كانت في الدولة وخارجها، يتمسكون بعاداتهم و تقاليدهم ينجرون وراء أهواؤهم، هؤلاء هم خير سفراء لنا في الخارج، فمع حلول الظلام تتوجه هذه النوعية من العائلات إلى أماكن سكنها وتنتهي مغامرات أفرادها بحلول الظلام، ليسوا من فصيلة الخفافيش التي تخرج ليلا كما أنهم محافظين ولا تعجبهم حياة الليل التي تعجب الكثير من الخليجيين أثناء فترة وجودهم في لندن.
يبدأ النشاط الليلي بتوجه أغلب الشباب وبعض الفتيات اللواتي لا راعي لهن ولا والي إلى مركز تجاري قريب من حديقة الهايد بارك يقع في شارع الكوينز واي يسمى ( الوايتليز )، تنشط الحركة في هذا المركز أثناء فترة الصيف، حيث يكتظ هذا المركز بالخليجيين والأجانب على حد سواء، يضم سلسلة من المطاعم وعدد من الكافي شوب التي تستهوينا نحن العرب، كما يعتبر المغازل من اكبر عوامل الجذب، الاسترجات والبنطلونات الضيقة وقمصان (ابوسرة) ومن غير سرة كفيلة بجعلك متسمرا في مكانك دون أن تشعر بمرور الوقت، واحدة رابحة واحدة جاية، واحد صايع رايح، صايع آخر جاي، كما أن الموقع الاستراتيجي لجميع المقاهي يكفل مراقبة ورصد جميع التحركات ومن ثم الانطلاق نحو الهدف الذي غالبا ما يكون إحدى الفتيات الخليجيات من فئة هشك بشك!، أو فتاة عربية شغالة في (شركات اللحم الأبيض)!، طبعا كلهم في الهوى سوا و يا قلب لا تحزن.
أغلب المواقف التي سبق سردها من خلال الأحداث التي تحفل بها الهايد بارك تتكرر هنا ولكن مع اختلاف بسيط وهو أن ما يحدث في المركز أكثر إباحية وإثارة للغثيان، ينعم الشاب الخليجي بسعادة وراحة وحرية لا مثيل لها، لا توجد شرطة للآداب ولن تنشر صورهم في الصحف.
مع مرور ساعات الليل يبدأ الخليجيون بالانسحاب من المركز على دفعات، البعض يكتفي بيومه الطويل ويتوجه إلى سكنه، أما البعض الآخر فإن مغامراته تستمر حتى ساعات الفجر وهؤلاء لهم قصة وحكاية أخرى.
عندما تقترب عقارب الساعة من منتصف الليل يتوزع خفافيش الليل من الخليجيين والخليجيات على المراقص المنتشرة في قلب العاصمة، يرتدي سيئو الذكر ملابس أخرى تختلف تماما عن الملابس التي كانوا يلبسونها في ساعات النهار وأول ساعات الليل، الملابس تصبح أضيق واقصر واقل حشمة و أكثر إثارة للهيب الغرائز الجنسية، طبيعي أن تتناسب تماما مع الرقص والطقوس المصاحبة له، في المراقص و الحانات و غيرها تختلف النشاطات من مجرد تحرشات وشقاوة إلى شرب للخمر من قبل الجنسين، وأحيانا أكثر من ذلك بكثير.
في حالات كثيرة تشاهد ما لم تشاهده من قبل خاصة أثناء حفلات الموسيقى والرقص التي يحييها مطربون و مطربات عرب، و طبعا مطربات كثيرات خليجيات يعتبرن من خريجات مراقص و حانات لندن، عندما يبدأ الغناء و تعزف الموسيقى المجنونة ستشاهد فتيات متلثمات يرمين العباءة ليكشفن عن مفاتنهن و أجسادهن، الشباب يقومون بواجب الضيافة على أكمل وجه، حيث من المستحيل التخلي عن الفتيات في هذا الوقت و في الغربة الموحشة، في النهاية يظفر صاحب السيارة الفاخرة و ربطة النقود الكبيرة بواحدة منهن، ليس بالضرورة مشاركة الجميع في هذه الفعاليات الساخنة، فما تشاهده أمامك أشبه بمشاهدة فيديو كليب أليسا وأخواتها على الطبيعة، يعني تجلس وتبحلق، يسيل لعابك وأنت مبسوط آخر انبساط، تطير دون شعور منك، لا أنت داري بالدنيا ولا باللي فيها!.
بعض الشباب وكبار السن لا تروق لهم المراقص والضوضاء المصاحبة لها فيفضلون التوجه إلى الحانات ليشربوا دون أي إزعاج فالمشروب بالنسبة لهم له مزاج خاص، ولا مانع في مشاهدة الفتيات على الشراب أيضا في هذا الزمن الفاضح، تعلمت الفتاة في البداية تدخين السجائر بدون أن يراها أحد، وبعد ذلك أصبحت أكثر جرأة وجربت الشيشة، ومن ثم تعلمت ارتياد المراقص والملاهي الليلية، وبعد أن برعت في الرقص أخذت تحتسي المشروبات الكحولية و تشتغل في أعمال (البطال)، لحقت الشباب في كل شيء، لم تشأ تتركهم وحدهم فشاركتهم في كل شيء، وعلى قولة الشاعر الاماراتي المعروف ربيع بن ياقوت:
علموها الرقص والغنا
خرجوها البنت فنانة
دربوها كيف تتجنا
تلعب الجمباز شيطانه
وفروا لها العود والفنا
وهى مثل الأرض عطشانه
يوم هذا العلم هونّا
اكرها الله العلم واعوانه
الولد قاصر من الحنّا
ايعجن ويخضب أبنائه
إن بدى بالمشي يتثنّا
الشعر طايح على امتانه
هوب هاجه ياعرب كنا
انظروا شيقول قرآنه
تنتهي مغامرات الليل قبل حلول الفجر بقليل، فئة ترجع خائبة جارة معها أذيال الهزيمة المعنوية والمادية، فئة أخرى ترجع متفوقة ماديا لكنها خاسرة لكرامتها و شرفها، وفئة أخيرة لم تخسر ولم تكسب، خرجت كما دخلت، و ينتهي الليل ليبدأ يوم جديد من أيام لندن.
يظل الوضع على ما هو عليه طوال فترة السفر، نفس الروتين ونفس السيناريو والأحداث التي ذكرتها في الحلقات السابقة تتكرر يوميا وبشكل محفوظ يدعو للضجر، يجلسون في نفس المكان، يسلكون نفس الطريق، يركبون نفس المترو، وقبل أن تفتح المدارس أبوابها وبعد أن يقارب مخزون المال من النفاذ، وبعد أن تنتهي فترة العلاج الوهمية لبعض المتمارضين يعد الخليجيون عدتهم للعودة إلى ارض الوطن، ويحزمون أمتعتهم التي شحنوا نصفها عن طريق شركات الشحن، ويتوجهون إلى المطار لركوب الطائرة المتوجهة إلى بلدهم الخليجي، وبهذا تنتهي مغامراتهم في عاصمة الذباب.
ربما قد أدخلت الملل في نفوس البعض منكم على مدى أربع أعداد، ولكنها حقيقة ما يحدث في لندن كل عام، حقيقة لا يمكن لأي خليجي زار لندن إنكارها، لم نذكر كل التفاصيل، تغاضينا عن أشياء كثيرة جد، في النهاية ارجوا أن لا يفهم من الموضوع بأني اقصد جميع الخليجيين في لندن فما زال هناك الكثير من الشرفاء والمحافظين.
تحياتي
لندنيه
تحياتي