كل شيء ما يزال على حالته الاولى، فالسرير العثماني المصنوع من الخشب الفاخر الذي كان يرقد عليه ما يزال مرتبا والاغطية نظيفة. والى جانب السرير هناك المنضدة الصغيرة وعليها مروحة كهربائية عتيقة وبعض الكتب القديمة ومنفضة سجائر. وفي زاوية الحجرة تفتح الخزانة لترى ان بدلاته الكاكي العسكرية ما تزال معلقة وعليها النياشين والاوسمة، والى جانبها منضدة التسريحة والمرآة المحاطة بإطار معدني مزخرف ومعتق فيما تواجهها خزنة زجاجية ترى فيها جواز سفره وعلبة سجائره واغراضه الشخصية المختلفة.
هذه هي حجرة الزعيم التركي مصطفى كمال اتاتورك (1881 1938) على متن افخم يخوت العالم واقدمها «سفارونا» الذي قرر مالكه التركي المليونير كهرمان صادق اوغلو نقله من مرساه في اسطنبول بتركيا الى ميناء جبل علي بدبي لينقل بذلك صفحة مهمة من تاريخ تركيا وزعيمها المؤسس اتاتورك الذي كان له جناحه الخاص على متن هذا اليخت حتى مماته منذ ما ينوف عن 65 عاما. ووفقا لمالك اليخت «سفارونا» فإن انتقاله الى دبي جاء لاسباب تجارية بحتة للاستفادة من انبعاث هذه الامارة كمركز اقليمي للسياحة البحرية واحتمال تحول منطقة الخليج الى «كاريبي» آسيوية خاصة في ظل انحسار الطلب العالمي على الرحلات البحرية في المناطق الكلاسيكية في حوض البحر المتوسط والمحيط الاطلسي.
وقال صادق اوغلو ل«الشرق الأوسط»: «رأيت بعد زيارتي لدبي لأول مرة العام الماضي وجود فرص كبيرة للسياحة البحرية الفاخرة فمنها يمكننا الانطلاق الى سواحل عمان وجزر المالديف وموريشيوس وسيشل وغيرها».
بدأت قصة اليخت «سفارونا» عام 1931 على يد الاميركية ايملي كادوالادر حفيدة جون روبلنغ المهندس الذي قام ببناء جسر بروكلين الشهير في نيويورك. وقد تم بناء هذا اليخت بتكلفة 4 ملايين دولار آنئذ في حوض بلوم وفوس لبناء السفن في هامبورغ بألمانيا. وقامت هذه السفينة برحلات عديدة في البحر المتوسط وافريقيا الجنوبية الا ان مالكتها لم تستطع الابحار بها الى الولايات المتحدة حيث كانت تخشى ان تصادر السلطات الاميركية يختها لتراكم الضرائب عليها فعرضتها للبيع واشترت الحكومة التركية اليخت عام 1938. وتعتبر قصة شراء الحكومة التركية لليخت غريبة من نوعها ففي عام 1936 قام جورج السابع ملك بريطانيا بزيارة لاسطنبول ونزل ضيفا على كمال اتاتورك على متن يخت الحكومة ارطغرل. واثناء تواجده على متن اليخت تعرض زيه الملكي الابيض للاتساخ بالسخام الهابط من مداخن اليخت مما احرج وازعج اتاتورك السريع الغضب فأمر بتحويل «ارطغرل» الى خردة والاسراع بالبحث عن يخت جديد. وارتفعت الراية التركية على متن اليخت «سفارونا» في ميناء ساوثمبتون البريطاني في مارس (آذار) 1938 ووصل الى اسطنبول بعد شهرين حينما كان اتاتورك مريضا.
وخلال الاسابيع الستة التي امضاها اتاتورك على متن «سفارونا» كانت اجتماعات مجلس وزرائه تعقد على متنه، وهنا تم ايضا توقيع اتفاقية البحر الاسود، وعلى متنه استقبل اتاتورك كثيراً من الزوار بمن فيهم كارول ملك رومانيا وغيره من زعماء الدول. بعد وفاة اتاتورك توقفت سفارونا عن الابحار الى ان انتهت الحرب العالمية الثانية فبدأ سلاح البحرية التركي يستخدمها كسفينة تدريب. وفي عام 1989 قررت الحكومة التركية تحويلها الى خردة الا ان مالكها الحالي حصل على اذن في اللحظة الاخيرة باستئجارها لمدة 49 عاما وبدأ عملا مضنيا في اصلاحها وتأهيلها من جديد لترجع الى ايام مجدها الاول. ولإنجاز هذه المهمة التي استغرقت ثلاث سنوات، عمل ما يزيد عن 400 شخص على اصلاحها.
وقال صادق اوغلو ان العملية التي نفذها في اسطنبول كلفته اكثر من 35 مليون دولار اي اقل بكثير من العروض التي اتته لاصلاحها في احواض اوروبية وكان اقلها 150 مليون دولار. ومنذ عام 1991 استضاف اليخت كثيراً من الشخصيات الشهيرة ومنهم الليدي ديانا وفالانتينو ومارغريت تاتشر ورينيه امير موناكو وجاك شيراك وسلطان بروناي وغيرهم. ويعد اليخت «سفارونا» وفقا لمالكه اضخم وافخم يخت خاص في العالم حيث يبلغ طوله 136 مترا وتبلغ سرعته القصوى 18 عقدة في الساعة وسرعة الابحار 16 عقدة. ويضم اليخت 17 جناحا رحبا تتجاوز مساحة الواحد 45 مترا مربعا فيما يبلغ اجمالي المساحات المفتوحة والمغطاة نحو 8000 متر مربع تحتوي على قاعات للحفلات والترفيه والاجتماعات بجو من الترف والفخامة تصل الى اوجها في ذلك الحمام التركي الهائل الذي استخدم فيه نحو 260 طنا من الرخام الفاخر.
يقول صادق اوغلو ان زبائنه في المنطقة كثيرون وغالبا ما يقومون باستئجار اليخت لعدة ايام والابحار مع ضيوفهم الى سواحل المتوسط او جزر المحيط الهادي ويمكن ان تتجاوز فاتورة الليلة الواحدة بالمتوسط 50 الف دولار