rim-leb
14-12-2022 - 08:09 pm
وادي قاديشا من أعمق وديان لبنان، وزيارته تعني التجوال في عالم فريد قائم بذاته. ففي أعماق هذا القفر الموحش المخضوضر، يسيل نهر قاديشا الذي ينبع من مغارة قاديشا التي تقع عند أقدام «أرز الرب» التي تُشرف عليها «القرنة السوداء»، أعلى قمم جبال لبنان.
يبدأ الوادي عند بلدة بشرّي، ويصبّ فيه عدد من الوديان الرافدة التي تجتمع مياهها فيه لتسيل باتجاه البحر، بعد أن يكون النهر قد عبر طرابلس وتحوّل فيها اسمه من نهر قاديشا إلى نهر أبي علي الذي يأتيه من اسم فخر الملك أبي علي بن عمّار، آخر قضاة أسرة حكمت طرابلس في العصر الفاطميّ عشيّة بدء الحملات الفرنجيّة المعروفة بالصليبيّة.
أما كلمة «قاديشا» فمُشتقّة من جذر سامي يعني «القداسة»، بحيث بات «وادي قاديشا» يعني «الوادي المقدّس». وبعكس ما يمكن أن يتبادر إلى الأذهان من خلال وجود الأديار والكنائس والصوامع فيه، من المحتمل أن يكون هذا الاسم قد أطلِق على الوادي قبل دخول المسيحيّة إلى المنطقة. وقد يكون في الأصل صفة أحد البعول التي كانت تُكَرّم في المنطقة، وهو «البعل القدّوس» الذي كان له معبد عظيم في طرابلس في العصر الروماني، حيث كان يُعرَف باسم «زوش هاجيوس» (Zeus Hagios) أي «زوش القدّوس».
على مرّ العصور، منذ الأزمنة القبتاريخيّة حتى العصر الروماني، سكن الإنسان في مغاور الوادي وملاجئه الصخريّة. ومع بدايات دخول المسيحيّة الى الجبل، تحوّلت هذه الكهوف الى كنائس وصوامع وأديار وتعاقبت على سكناها وارتيادها أجيال من الرهبان والنسّاك والمتوحّدين.
بالإضافة إلى المسيحيّين، كان يقيم في الوادي أيضاً بعض المنقطعين من المسلمين، على حدّ ما رواه الرّحّال الأندلسي ابن جُبير الذي تجوّل في المنطقة في غضون القرن الثاني عشر، وشهِد بأنّ مسيحيّي جبل لبنان كانوا يقدّمون الطعام والمؤن إلى المسلمين الذين اختاروا الانقطاع عن الدنيا. وكانت أرجاء الوادي بالتالي تردّد أصوات القائمين فيه، حيث كان كلٌّ يصلّي بلغته الخاصة، اليونانيّة أو السريانيّة أو العربيّة وحتّى الحبشيّة.
عند بلدة «طورزا»، ينفصل الوادي الى شعبتين، تقود أولاها إلى بلدة «إهدن» وتُعرف باسم «وادي قزحيّا» وفيه دير مار قزحيا ،
فيما تقود الثانية إلى الأرز وتُعرف باسم «وادي قنوبين»، نسبة إلى اسمي دَيرَين عظيمين فيهما.
ويمكن بلوغ قلب قاديشا عبر طريق تنطلق من «طورزا» وتوصل إلى موضع يقال له «بين النهرين» حيث يلتقي وادي قنوبين بوادي قاديشا.
ومن هذا الموقع يمكن للزائر أن يسلك الدروب التي تجوب الوادي وتسمح بتعرّف معالمه. كذلك يمكن بلوغ قلب الوادي عبر الدروب المنحدرة من القرى المحيطة بالجرف الصخري.
ملاحظة عمليّة: يتطلّب تعرّف انحاء وادي قاديشا وزيارة أدياره وصوامعه القديمة بسلوك الدروب الوعرة التي تنحدر من قُرى طورزا وبلوزا وحدشيت وحصرون أو الديمان بضعة أيّام، ومن غير الممكن زيارة جميع أنحائه في رحلة تستغرق يوماً واحداً، لا سيّما وأنه لا يمكن بلوغ المواقع المنتشرة فيه عبر طريق أو درب واحد. من هنا اخترنا في هذا المنشور مساراً واحداً يمكّن الزائر، في غضون يوم واحد، من تعرّف بعض أبرز معالم الوادي ومواقعه.
ينطلق الزائر بسيّارته من طورزا وصولاً إلى إهدن فحوقا، ومنها إلى دير مار أنطونيوس قزحيّا (أ)، ومن ثمّ العودة إلى حوقا وإيقاف السيّارة على مقربة من كنيستها الرعائيّة الحديثة. إنطلاقاً من حوقا، يبدأ الزائر بالنزول إلى الوادي، سيراً على الأقدام، حتّى مزار سيّدة حوقا الوُسطَوي (ب) ومنه إلى كنيسة القديسة مارينا (ج)، فدير قنّوبين (د).
اشكرك اختي ريم على هذا التقرير الرائع وبارك الله فيك
تقبلي تحياتي