- منقول - صحيفة الشرق الاوسط-
منقول - صحيفة الشرق الاوسط-
لندن بها ما يميزها من المدن والعواصم الأخرى الكثير، فهناك من يجد في العاصمة البريطانية جمال حدائقها، او كثافة ضبابها، او كثرة ما فيها من متاحف؛ هو ما يجعلها مختلفة عن غيرها من المدن. بها من الصروح الشامخة والمباني ما يذكر سكان تلك العاصمة وزوارها بقرون مضت وتبقى تلك لتسرد التاريخ البريطاني. تعدد الجنسيات في لندن هو ايضا امر ملحوظ ويلفت انتباه كل من يزورها او يتجول في شوارعها، فقد اصبحت من اكثر مدن العالم في تعدد جنسيات سكانها؛ ان لم تكن الأكثر. ولكن على كبر هذه الاختلافات وتعدد تلك الفروقات فهناك شيء لا يختلف عليه اثنان من المقيمين او الزوار، ولا تستطيع ان تقول إنك تعرف لندن إلا اذا تعرفت عليه، فهو مقصد لكل مشتر، ومعلم لكل سائح، ووجهه لكل متذوق، وبه راحة لكل متعب. متجر «هارودز» قد يكون اكثر متاجر العالم شهرة واكثرها ارتباطا بالجودة والنوعية، فمنذ ان افتتح المتجر في عام 1849 على يد مؤسسه شارلز هارود كانت تلك الصفتان هما الأساس الذي بنيت عليه قواعد المتجر. في ذلك الوقت كان «هارودز» عبارة عن محل صغير لبيع انواع مختلفة من الأطعمة ومستلزمات الشاي الذي يعد مشروبا رئيسيا لدى البريطانيين، وكان وقتها يعمل به شخصان فقط. وبعد عدة اعوام تم شراء المبنى المجاور ليضم كمية اكبر من المنتجات اضافة الى بعض المستلزمات اليومية والعطور، وارتفع مع ذلك عدد العاملين بالمتجر ليصل الى 100 عامل واستمرت تلك الزيادة ليصل عدد العاملين به اليوم الى اكثر من 5000 موظف. شهد «هارودز» عصره الذهبي عندما قررت العائلة التي كانت تملكه لتحويله الى شركة مساهمة عامة، وبعد ذلك بدأ تشيد المبنى الذي يقف عليه «هارودز» اليوم ليصبح احد روائع التصميم والعمارة. فقد اعتنى القائمون ببناء المبنى الحالي بأدق التفاصيل الخارجية والداخلية على حد سواء، ولا تزال بعض القطع التي استخدمت في تشييد المبنى في ذلك الوقت موجودة الى هذا اليوم ومن غير تغيير. المبنى ايضا به من المواصفات ما قد لا تكون متوفرة في أي متجر آخر مشابه له في العالم، فهو يولد اكثر من 70% من كمية الكهرباء التي تستخدم لتشغيله يوميا، وله ايضا بئر خاص يزوده باحتياجه من الماء، فاذا انقطعت الكهرباء في العاصمة البريطانية في يوم من الأيام سوف ترى الواجهة الخارجية للمبنى لا تزال مضاءة لكي لتنير الشوارع المحيطة! المتجر المكون حاليا من سبعة طوابق كان يشغل الدور الأرضي والأول عند افتتاحه وكانت الأدوار العلوية تشغلها شقق سكنية، وكان لدى سكان تلك الشقق مخازن لوضع حقائبهم الكبيرة المستخدمة في التنقل في الدور السفلي من هارودز.
لا يزال هناك باب مغلق كان هو مدخل الشقق الرئيسي يذكر المارة حول «هارودز» بسهولة التسوق التي كانوا يتمتعون بها سكان تلك الشقق. فقد تسبب «هارودز» في احداث مفهوم جديد للتسوق، واستطاع ان يوفر رغبات العديد من زواره مهما كانت صعوبة تلك الرغبات او غرابتها. مجوهرات، ساعات، مأكولات، حيوانات، عطور، ملبوسات، او أي شيء قد يخطر ببالك، استطاع «هارودز» توفيره لزبائنه. فأصبح «هارودز» ليس فقط وجهة لمن يريد التسوق، بل اصبح هو قلب لندن النابض.
وعندما بدأ المتجر يمتلئ بزواره تم تحويل بعض الشقق السكنية الى مراكز متخصصة بالخياطة الرجالية الرفيعة وقسم اخر لملابس السيدات الراقية لكي تتيح هذه المراكز خدمة مميزة لطبقة معينة من سكان العاصمة وزوارها. وخلال الحرب العالمية الأولى اصبح العاملون بالمتجر يحيكون ملابس للجيش، وتحول جزء من المبنى الرئيسي الى مقر للقوات للبحرية الملكية. الحلم الذي كان ينعم به «هارودز» لم يستمر والضغوط الاقتصادية التي كانت تمر بها المملكة البريطانية وسكانها كانت اقوى من تلك التي كان من الممكن ان يتحملها. فبعد مرور سنوات تباطأ الماضي الذهبي الذي كان يعيشه «هارودز» فقامت شركة بريطانية بانقاذه من الإفلاس بعد ان لم تستطع قدراته المالية مواكبة طريقة العيش التي كان يريدها لزواره. فكان من ضمن أعمال التطوير التي اتبعتها الشركة الجديدة افتتاح الغرفة السوداء وبعدها بأربعة اعوام ولدت الغرفة البيضاء لتكونا منبعا لكل من يبحث عن الجمال. كانت ولا تزال على ارفف ودواليب تلك الغرفتين اكبر واحسن تشكيلة من مستحضرات التجميل والعطورات من جميع انحاء العالم. لم تكن تلك الخطوات كافية لإسعاد «هارودز» واعادة البسمة والهيبة اليه فاستمر في معاناته الى ان اشترت عائلة الفايد المصرية المتجر بأكمله في عام 1985 وعاد وقتها ليصبح شركة عائلية.
قام المالك من بعد ذلك الوقت بالتجديد المستمر لكافة الأقسام والأدوار والخدمات رغبة منه لتحويلة الى احد معالم العالم. المخازن السفلية تحولت الى قسم كبير للملابس الرجالية ليضم عددا كبيرا من اشهر المصممين العالميين وكانت تلك الخطوة هي مجرد البداية. وأراد محمد الفايد تقديم الحضارة الفرعونية للشعب البريطاني ولكل زوار المتجر بأجمل صورة ممكنة فاستدعى خبراء من المتحف البريطاني لتصميم الغرفة المصرية والتي تعد حاليا هي قلب المبنى. ففي كل عام يتم استحداث اجزاء مختلفة من المتجر لكي يقدم كل ما هو جديد لزواره وليواكب التطور السريع في عالم التسوق. من غرفة الشاي التي قد توحي لك بانك في حديقة احد القصور الملكية، ومرورا بمملكة الألعاب التي يعشقها ويحلم بزيارتها كل طفل، وعند النزول الى غرفة المجوهرات التي ترى اضواءها تنير من بعد لكثرة ما فيها من مجوهرات سوف ترى ذلك التطوير. الممرات المصنوعة من الرخام الأسود والتي تدخلك الى فرن البيتزا الذي يذهب بك الى منطقة توسكاني الأيطالية او مقهى موريلوز للجيلاتي الذي يصنع ألذ نكهات الايس كريم من ابسطها الشوكولاتة، الى ما قد لم تتذوقه من قبل كالفستق الحلبي، سوف تستطيع ان ترى كل تلك الإضافات وانت تستمتع بسماع اجمل اغاني الأوبرا. كل مرة اقوم فيها بزيارة «هارودز» احس بأن لا مجال هناك للتجديد ولا توجد وسيلة ليصبح المتجر احسن مما هو عليه، ولكن بعد فترة قليلة وكأن هناك من يستمع الى ما يدور داخل رأسي يعود «هارودز» ويتحفني بشيء رائع وغير متوقع. الملوك والرؤساء والأمراء يحبون التسوق فيه لما يقدمه لهم من خدمات خاصة، فقد كانت الأميرة الراحلة ديانا تتسوق مع ابنيها وليام وهاري، بعد اغلاقه في المساء، لكي يصبح «هارودز» بأكمله عالمهم الخاص للتبضع، رجال الأعمال يستخدمون الطائرات الخاصة التي يملكها «هارودز» في رحلاتهم القصيرة، لاعبو كرة القدم يفضلون استخدام خدمة التسوق الشخصي التي يوفرها «هارودز» لزواره حيث يقوم احد الموظفين بالتسوق نيابته عنهم، وفي اخر زيارة لي رأيت ابن الرئيس المصري جمال مبارك يستمتع مع زوجته بالتسوق محاولا ان يبعد كل ما يدور في ذهنه من امور سياسية.
«هارودز» اليوم ليس مجرد متجر تجاري يحتوي بداخله على كل ما لذ وطاب، وانما هو عبارة عن شكل من اشكال الحياة التي لا يمكن الحصول عليه في أي متجر تجاري اخر حول العالم، فمن يسكن في العاصمة البريطانية لندن لا بد سيكون «هارودز» في استقباله، ولا بد من زيارته في فترة الاعياد (حاليا) حيث تزينه اجمل الاضواء وتصدح في ارجائه اعذب نغمات الموسيقى الخاصة بالعيد، ولمحبي التسوق يجب التوجه الى «هارودز» مباشرة في مطلع السنة الجدية للاستفادة من اسعار لا تضاهى وحسومات تصل الى 50 بالمائة على اجود واغلى انواع الملابس والحلي والمفروشات وغيرها من ما يتحفنا به هذا المتجر العملاق.
تابع
تحياتي لك اختك s.a,m