من المناظر التي أصبحت مألوفة أمام مدخل محطة النقل الطرقي في مدينة الصويرة الساحلية المغربية، منظر الوسطاء وهم يعترضون سبيل الزوار الوافدين على المدينة ويعرضون عليهم شققا مفروشة للكراء. ويزدهر هذا النشاط بشكل خاص خلال موسم الصيف، إذ يستقطب الجو العليل لمدينة الصويرة والرمال الذهبية لشواطئها، آلاف السياح المغاربة والأجانب، ويبلغ هذا النشاط ذروته خلال مهرجان موسيقى «كناوة» ذات الأصول الافريقية، التي دأبت المدينة على تنظيمه في بداية كل صيف. ويرتفع إيجار الشقق في مدينة الصويرة 10 مرات خلال مهرجان الصويرة، عن المستوى الذي تكون عليه خلال الأيام العادية، بسبب ارتفاع الطلب. ويتركز عرض الإيجار السياحي في مدينة الصويرة بشكل خاص في حي «الصقالة الجديدة» الحديث.
يقول مبارك لامين، أحد الوسطاء بمدينة الصويرة، إن غالبية سكان حي «الصقالة الجديدة»، انتقلوا إليه من أحياء المدينة العتيقة خلال النصف الثاني من التسعينات، بعد أن باعوا بيوتهم القديمة للأجانب والمستثمرين السياحيين، وقام أغلب هؤلاء ببناء منازل حديثة من طابقين في حي «الصقالة الجديدة»، وخصصوا الطابق الأول لسكناهم، فيما خصصوا الطابق السفلي للكراء لزوار المدينة، وعلى الخصوص للسياح المغاربة.
غير أن هذا النوع من النشاط لا يخص مدينة الصويرة وحدها، بل يوجد في كل المدن السياحية المغربية، ويشكل منافسا قويا للفنادق ومؤسسات الإقامة السياحية المصنفة، كما أن هذا النوع من الإيجار لا يقتصر على نوع معين من السكن، فالعرض يبتدئ من غرفة مفروشة في إطار منزل عائلي ليصل إلى فلل راقية مرورا بكل أنواع الدور والشقق.
ويقول حزومي عبد الله، الذي يشتغل سمسارا بمدينة الجديدة جنوب الدار البيضاء، إن كراء جزء من البيت للسياح المغاربة، كان دائما يشكل موردا مهما بالنسبة للعديد من العائلات في المدينة، التي يكسبها شاطئ الحوزية ومهرجان الفروسية جاذبية خاصة خلال الصيف، لكن مع إنشاء جامعة «شعيب الدكالي»، خلال التسعينات، عرف الإيجار العقاري طفرة بسبب الطلب الطلابي، وتم بناء العديد من الشقق التي تكترى للطلبة خلال الموسم الدراسي، وللسياح وزوار المدينة خلال موسم الصيف. وأضاف حزومي أن وجود الجامعة بمدينة الجديدة، أعطى نوعا من التوازن على مدار السنة لقطاع الإيجار العقاري، وخفف بذلك من تفاوت الأسعار بين موسم الصيف وباقي السنة.
أما في مراكش، العاصمة التاريخية للمغرب، فترتبط طفرة الإيجار العقاري بالطلب السياحي القوي على المدينة على مدار السنة، كذلك بإقدام العديد من العائلات المغربية الميسورة والمتوسطة في مدن الدار البيضاء والرباط على امتلاك إقامة ثانوية في مراكش. ولما كانت هذه العائلات لا تقضي في تلك الإقامات الثانوية إلا أياما قليلة خلال العطل السنوية أو عطل نهاية الأسبوع، فإن بعضها يلجأ إلى خدمات وسيط ليستغل الشقة عن طريق الإيجار لزوار المدينة خلال فترة الغياب الطويل لأصحابها. ويعزى الإقبال الكبير للسياح المغاربة على كراء الشقق والبيوت المفروشة بدل الفنادق، إلى سيادة الطابع العائلي في السياحة الداخلية. فقد أبرزت دراسة حديثة لوزارة السياحة المغربية أن السياحة العائلية تمثل 75 في المائة من السياحة الداخلية في المغرب، وأن الجزء الأكبر من هذه السياحة يتم خارج نطاق المؤسسات السياحية المنظمة، ويعتمد في إقامته إما على الشبكات العائلية والقرابة، أو على الإيجار لدى القطاع غير المنظم. ويطرح هذا السلوك عدة مشاكل خاصة في الجانب الأمني ومراقبة تنقل المواطنين ورصد الرواج السياحي وتوجهاته، فالنزيل في الفنادق ومؤسسات الإقامة السياحية المنظمة، مجبر على التصريح بهويته وتعبئة ورقة بيانات بذلك، في حين أن الإقامة في شقق غير مصرح بها لا تخضع لهذه الإجراءات، إضافة إلى ما يمكن أن تكتنفه من مخاطر بالنسبة للنزيل ذاته، اضافة إلى كون نشاط الإيجار العقاري لأغراض سياحية يتم حاليا في شكل غير منظم وغير مصرح به، وبالتالي فهو لا يخضع لأية مراقبة. كما أن مداخيله وعملياته تبقى خارج النطاق الجبائي. ومع توسع السياحة الداخلية، التي تقدر حاليا بنحو مليون سائح في السنة، بدأت السلطات تفكر في تنظيم هذا القطاع الذي بدأ يتخد أبعادا اقتصادية مهمة.
ولإخراج قطاع الإيجار العقاري لأغراض سياحية من الفوضى التي يتخبط فيها، تعكف الحكومة المغربية على إعداد مشروع قانون سوف يعرض قريبا على البرلمان للمصادقة، ويهدف القانون إلى هيكلة قطاع الإيجار العقاري لأغراض سياحية وادماجه ضمن منظومة العرض السياحي المنظم وتنظيمه كقطاع مؤسساتي خاضع لمعايير ومواصفات جودة الخدمات السياحية، وجعله مجالا مفتوحا أمام الاستثمار السياحي الهادف إلى توفير خدمات ملائمة لطلب السياحة الداخلية وخصوصياته.
Ff0000: نقل هذا الموضوع من جريدة الشرق الأوسط لهذا اليوم ،،،، تحياتي