المغترب
01-07-2022 - 12:49 pm
(مكناس) واحدة من مدن مغربية أربعة تُعرف بالمدن العتيقة لما تحمل على صدرها من نقوش التاريخ هي (الرباط) و(مراكش) و(فاس) سُميت باسمها (مكناس) يوم رحلت إليها قبيلة مكناس الزيناتية في القرن السادس الميلادي وسكنتها، حملت ملامح التاريخ في أحيائها، حصنها المرابطون، توسعت على يد الموحدين، ثم حكم (بنو مارين) فزينوها بمآثر تاريخية منها المدرسة البوعنانية وإليها نسير.. شرع في بنائها السلطان (أبو الحسن الماريني) في القرن الرابع عشر الميلادي وأكملها ولده (أبو عنان فارس) وإليه نُسبت.
الخطوط العربية عنصر في تجميل الجدران وكذلك البلاط الخزفي الملون، في بنائها يتجلى طابع الفن المعماري الماريني ساحة واسعة تحيط بها جدران تُزين واجهاتها أجمل الزخارف الجبسية وأشدها إتقاناً وأكثرها تفصيلاً، تحيط غرف الطلبة المقيمين بالساحة الوسطى وعليها تُطل نوافذها مزينة مزخرفة، بعض الغرف بالطابق الأراضي وبعضها يشغل الطابق الأول.
أبوابها خشبية ولكل باب نافذتان صغيرتان، العليا لضوء النهار والثانية لفاعل الخير يرمي ما يعطيه دون أن يطرق الباب فلا يعرف لمن أعطى ولا يعرف الطالب من أعطاه. على السوق القريب والطرق المؤدية إلى المدرسة يُطل الطلبة من ناحية، ومن ناحية يتأملون .. مئذنة المسجد تتجه إلى السماء حسنة الترتيب والتنسيق، فيها مساجد جميلة ومدارس للطلبة وحمامات في غاية السعة.
هذه صورة مكناس في القرن السادس عشر الميلادي كما ذكرها (حسن الوزان) الشهير (بليون الإفريقي). عرفت مكناس أزهى أيامها في عهد مولاي (إسماعيل) اختارها عاصمة لملكه، وتعلقت همته ببنائها مدينة تظهر مجده. زائر مكناس يقرأ أخبار هذا السلطان في معالمها، والجولة بين آثارها جولة في منجزاته .. ضريح إسماعيل من معالم المدينة التي وهبها حياته وعطاءه وإبداعه، فضمت في أرضها جسده. أقام الضريح والمسجد حوله السلطان (أحمد الذهبي( نجل إسماعيل ويضم رفات ملوك ثلاثة: إسماعيل والذهبي وعبد الرحمن بن هشام.
توفي إسماعيل في 28 من رجب 1159 للهجرة/ 1727 للميلاد بعد حكم دام 55 سنة كانت كافية لإرساء دولته وبناء عاصمة ملكه. تتوسط الساحة الداخلية نافورة ماء، وبلاطها من الخزف الملون .. عن يسار الداخل حرم المسجد مزخرف ملون وسقفه خشب محفور، عن اليمين ضريح إسماعيل يرقد في مدينة أمضى عمره في رسم صورتها.
على الجانب الآخر من ساحة (دل عودة) نزور (قبة الخياطين( أو (قبة السفراء) واكب اهتمام إسماعيل بالبناء والتشييد اهتمام بتأمين حدود المغرب، وتحرير شواطئه من المستعمرين. بعد أن تم له ذلك بدأ بإقامة العلاقات مع الدول شرقاً وغرباً، وترسيخها بمعاهدات سياسية وتجارية وعسكرية، فبنى للقاء السفراء والاجتماع بهم قبة السفراء إحدى معالم المدينة العتيقة. أمام القبة تمتد أرض فسيحة بين العشب نوافذ مغروسة في الأرض، منها يدخل الضوء والهواء إلى (حبس قارة(.
واجه إسماعيل في بداية عهده ثورات عديدة بعدها استقر له الأمر، فاهتم بالأمن الداخلي وفرضه حتى كانت المرأة تسافر وحدها من طرف المدينة إلى طرفها لا تخاف، ولا يسألها أحد من أين وإلى أين تذهب.
تقول بعض المصادر إن عدد الأسرى من الأوروبيين لدى إسماعيل كان 20 ألفاً أو يزيد، كان الأسرى يشتغلون في البناء والتشييد، منهم الرخامون والنقاشون والمهندسون. استفاد إسماعيل من خبرتهم في بناء بوابات المدينة، أسوارها ومبانيها، مجموعة (لهريل لسواني( أضخم الآثار التي بناها إسماعيل، وتتكون من معالم 3، أولها (اللهريل) طوله 180 متراً أو يزيد، عرضه 70 متراً مقسم إلى صفوف بكل صف 14 قوساً يبلغ عددها 23 صفاً، بناه مخزناً للحبوب والغلال .. يُقال كان يسع زرع أهل المغرب، وهو بناء يضمن الصمود أمام أي حصار ولو طال.
اتخذ له مصعداً تدرج الجمال المحملة بالحبوب إلى سطحه وتصب حمولتها من كوة مفتوحة في سقفه، ويسحب القمح من أبوابه الأرضية، وفي داخل اللهريل آبار عميقة، على كل بئر دولاب ينقل الماء ليصبه في مجاري تحمله إلى القصر أو إلى صهريج لسواني خلف اللهريل.
إسطبل قائم على أعمدة وأقواس ضخمة، قيل إنه كان يتسع ل 12 ألف فارس، وفيه أماكن لحفظ السلاح، يتبعه بستان غرست به أشجار الزيتون وأنواع الفواكه، وفيه تمتد طرقات واسعة وقريباً منه الماء.
نصعد إلى السطح حدائق مُعلقة غُرست على أرضها أشجار وأزهار تُطل على المدينة، وبين أشجار الحدائق نوافذ النور إلى داخل اللهريل. غرب اللهريل العظيم يقع صهريج لسواني، بحيرة كبيرة طولها 300 متر وعرضها 140 متراً، أكمل بها إسماعيل لهريل لسواني، يخزن فيها الماء، تُسقَى من فيضه البساتين والرياض أيام السلم، والفرسان والخيول أيام الحرب.
تميز البناء في عهد إسماعيل عن النسيج التقليدي للمدينة العتيقة بضخامة التعمير وتكامل نسيجه المعماري، وهذا يحمل طابع الرجل الذي بناه.
منقول
المغترب
الغالي /// المغترب
موضوع رائع عن تاريخ هذه المدينه العريقه
وتحياتي لك