- مفتي السلطان سليم
- قال : نعم وإني لأعاقبهم على تقصيرهم
.....
مفتي السلطان سليم
نحن الآن في بلاط الملك العظيم الجبار ، فاتح الشام ومصر وناقل الخلافة إلى الترك الذي هدم دولا صغيرة وأقام مكانها دولة كبيرة ، دولة قامت على السيف وحده فلما صدء السيف والتوى هوت وتصدعت ولكنها أعزت الإسلام دهرا طويلا وفتحت فتوحات عظيمة وكان منها ملوك كبار منهم الملك العظيم الصالح العبقري محمد الفاتح............
أما نحن الآن ففي بلاط الملك الذي لقب بياوز وكان ياوزا حقا ..(صاعقة )منقضة لا يقف في وجهها شيء السلطان سليم ...ياوز سليم تاسع ملوك آل عثمان الملك القاهر البطاش سفاح الدماء وسلاب الأرواح والذي أمن أهل حلب ثم فرض عليهم ضريبة سماها ضريبة الأمان كادت تستغرق أموالهم كلها ................
وكان أهون شيء عنده القتل خنق اخوته لما خشي أن يزاحموه ..وقتل سبعة عشر من آل بيته وسبعة من وزرائه ...رد عليه الصدر الأعظم يونس باشا رئيس الوزراء كلمة كان الحق فيها مع الوزير فأمر بضرب عنقه قبل أن يتم جملته ودفن في موضع مصرعه في خان يونس بالقرب من غزة ........
ولما ترك للشراكسة في مصر أوقافهم قال له رئيس وزرائه بري باشا يا مولانا فنيت أموالنا وعساكرنا في حربهم وتبقي لهم أوقافهم يستعينون بها علينا ...وكانت رجل السلطان في الركاب ...فأشار إلى الجلاد فقطع عنق الوزير ...فصار رأسه على الأرض قبل أن يصير السلطان على ظهر الفرس ...حتى سار المثل من أراد الموت فليصر وزيرا للسلطان سليم...
وكان الرجل إذا سمي للوزارة كتب وصيته وأعد كفنه وودع أهله...فلا يدري كلما ذهب ليقابل السلطان أيعود ماشيا على رجله أم محمولا على قفاه..
نحن الآن أيها السادة في بلاط السلطان سليم وأهل الديوان الملكي في أماكنهم وقوبهم من خوف السلطان في وجل .......
فلم يرع الوزراء وأهل الديوان إلا دخول الشيخ المفتي عليهم وما كان من عادة المفتي أن يدخل الديوان وليس له فيه حاجة فوثبوا إليه يستقبلونه حتى أقعدوه في صدر المجلس وقالوا له أي شيء دعا المولى إلى المجيء إلى الديوان العالي ؟؟قال : أريد أن أدخل على السلطان ....ولي معه كلام فاستأذنوا له على السلطان فأذن له....وحده .فدخل وسلم عليه وجلس . والسلطان ينظر إليه وقد بدت بوادر الغضب على محياه وسكت محنقا يرقب ما يأتي به الشيخ ....حتى قال الشيخ :
وظيفة أرباب الفتوى أن يحافظوا على آخرة السلطان ، وقد أمرت بقتل مئة وخمسين من العمال لا يجوز قتلهم شرعا فعليك بالعفو عنهم ....
فطار الغضب بعقل السلطان من هذه الجرأة ولم يعد يبصر من أمامه وكاد يأمر بضرب عنق الشيخ والأمر بالقتل دائما على طرف لسانه ثم ضبط نفسه وأراد ردعه من غير قتله وقال له : إنك تتعرض لأمر السلطنة وليس ذلك من وظيفتك ..وأعرض عنه وارتقب أن يكف الشيخ وينصرف .....ولكن الشيخ قال : بل أتعرض لأمر آخرتك وإنه من وظيفتي ...ومهما عشت فإنك ميت ومعروض على الله وواقف بين يديه للحساب فإن عفوت فلك النجاة وإلا فأمامك جهنم لا يعصمك منها ملكك ولا ينجيك سلطانك ...
أتدرون ماذا كان ...لقد ذل السلطان العظيم أمام الشيخ الضعيف وهانت القوة أمام الحق وخضع ملك الزمان أمام سطوة الشرع ولم يعد الشيخ هو الذي يتكلم بل أعظم موجود عرفته الدنيا: الإسلام ....
فعفا السلطان عنه جميعا وجالس المفتي ساعة يحدثه ويكرمه فلما قام ليخرج قال الشيخ ....تكلمت في أمر آخرتك ..وبقي لي كلام متعلق بالمروءة قال السلطان ماهو؟
قال : هؤلاء من خدم السلطان فهل يليق بعرض السلطنة أن يتكففوا الناس ؟
قال : لا .
قال فإعدهم إلى مناصبهم .
قال : نعم وإني لأعاقبهم على تقصيرهم
قال هذا جائز لأن التعذير مفوض شرعا إلى رأي السلطان ....ثم سلم وانصرف...
هذا المفتي هو علاء الدين على بن أحمد الجمالي الذي تولى التدريس والفتوى ستا وعشرين سنة على عهد السلطان بايزيد والسلطان سليم وابنه سليمان القانوني ...كان عالما عاملا يمضي وقته في التلاوة والعبادة والدرس والفتوى وكان يحب العزلة فجعل مجلسه في غرفة مطلة على الطريق وأدلى منها زنبيلا (سلة) بحبل فمن كان له سؤال واستفتاء ألقى سؤاله في الزنبيل وحرك الحبل فأخذه وأجاب عليه وأدلى بالجواب ...فعرف بلقب (زنبيلي زاده علي أفندي)
وألقى الله مهابته في قلب السلطان سليم فكان يمتثل أمره ويجيب طلبه وكانت له معه مواقف كثيرة أذكر منها :
لما خرج السلطان سليم إلى أدرنة خرج المفتي لوداعه وتشييعه فرأى في الطريق أربعمائة رجل مشدودين بالحبال يسوقهم الجند فسأل عن حالهم فقالوا إنهم خالفوا أمر السلطان فحكم عليهم بالقتل ..
فذهب المفتي إلى السلطان وقال في ملء من الناس ...
هؤلاء لا يحل قتلهم .
فقال السلطان أيها الشيخ إلى متى تتدخل في أمور السلطنة الزم حدك واشتغل بوظيفتك...
قال الشيخ هذا عملي وهذه وظيفتي فإن سمعت نجوت وإلا لقيت ملكا هو أقدر عليك ، منك عليهم ...
وأدار عنق دابته ومشى بدون تسليم ...فاحمر وجه السلطان وكاد يتفجر منه الدم ووقف على فرسه صامتا مدة طويلة وهو في غضب لم يغضب مثله والناس خائفون سكوت .............
ثم مشى في طريقه وأمر بالعفو عن القوم...
هذا لتعلموا أن العظمة في تاريخنا عظمة هؤلاء الرجال هؤلاء العلماء الذين تعلموا ليعملوا ، وآمنوا فظر إيمانهم في أقوالهم وأفعالهم ...
ولو أن عصرا خلا من أمثال هؤلاء لكان هذا العصر الذي صورته لكم ولكنهم موجودون أبدا ، معجزة حية باقية لخاتم الأنبياء والمرسلين وتصديقا لقوله :لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرها من خالفها حتى تقوم الساعة ...
اللطيف العباره السهل السلس القريب من الناس..الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله عدد ماهلّت الامطار ورحم من دعا له ...وغفر لنا وله ولجميع المسلمين
لوحدثتكم عنه لاحتجت الى صفحات من الدموع تروي سيرته ومن الدعاء من عيون تتمنى ان يرزق الله الأمه بهكذا مربين ..
ذو الاسلوب الساحر ..,سحره كما قال الشيخ عائض القرني في كتابه هكذا حدثنا الزمان ..ان سحر الطنطاوي من السحر الحلال..
من كتابه الماتع الجميل .رجال من التاريخ...الذي جمع به كلمات قليله موجزة عن اكثر من 40 شخصيه خدمت دينها
كل شخصيه لاتتعدى صفحتين الى اربع..
حتى من لايحب القراءة او لايميل اليها بكثرة سيجده ماتعا مختصرا لكل شخصيه موقف او موقفين لكنها معبره..منها قصة الحاكم الذي ملك الدنيا وكان يكتب بخطه المصاحف ويبيعها ليعيش بثمنها وهو حاكم..
ومنها قصة مظفر الدين الملك الصالح الذي ادمعت عيني مواقفه..ومنها ومنها....اذا الموضوع راق لكم خليناها سلسله واذا مستعجلين:097: الكتاب رخيص ويستاهل تجدونه في مكتبات جرير والعبيكان والمأمون وغيرها ب30ريال .
.