- بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
كانت الساعة تشير الى العاشرة مساء وأنا أستذكر تلك المادة الصعبة مع زميلي في بيتهم والاختبار بعد يوم واحد
عندما قرع هاتفي الجوال وكان المتصل أختي الكبرى ،حينها توقعت طلبا معتادا مثل كيس صامولي أو حليب لطفلتها الرضيعة ،ولكن الطلب كان مختلفا هذه المرة ومفاجئا أيضا .كان عرضا شتت علي مذاكرتي وأدخلني في دوامة من التفكير والحيرة أنا في غنى عنها تلك اللحظات .طلبت إلي أختي أن أرافقها الى حيث يدرس زوجها في كندا وفي هاليفاكس تحديدا محفولا مكفولا ..وكانت الموافقة مباشرة فالفرص الرائعة لا تأتي كثيرا. .شرعت في إجراءات الفيزا وأنا في معمعة الاختبارات وحيث أنه سبق لي السفر الى هذه المدينة لدراسة اللغة قبل ستة أشهر فلم يستغرق استخراج التأشيرة وقتا طويلا (اعتبروني زبونا)ففي ظرف خمسة أيام فقط كانت التأشيرة تتربع على احدى صفحات الجواز .
أكملت أمر حجوزات الطيران على متن الخطوط البريطانية الى تورنتو مرورا بلندن، ومن تورنتو الى هاليفاكس عبر الخطوط الكندية. وتحدد اليوم الثالث عشر من ذي الحجة موعدا للسفر ..وفي يوم الأحد اكتملت الاستعدادات ..كانت الخطة تقضي بأن أسبق أختي للمطار لاصد ار بطاقات الصعود كي تقضي هي أكبر قدر من الوقت مع الوالدة الكريمة ولما لهذه اللحظات من رهبة في النفس وجدتني في الطريق الى المطار برفقة الوالد رعاه الله وعند الوصول الى المطار ودعت الوالد وودعني وذهبت الى الكاونتر المخصص ،ولما لم أجد أحدا سألت أحد الموظفين فأخبرني أنه لا توجد رحلات للخطوط البريطانية هذا اليوم .كان موعد رحلتنا بعد الساعة الثانية عشرة ليلا فتوقعت أن الموظف يقصد بكلمة اليوم أي الى حد الساعة الثانية عشرة ليلا فقلت له لابأس سأنتظر الى أن تفتح الرحلة (كنت قد حظرت مبكرا بعض الشيء) أجاب الموظف بلهجة الاستغراب :تتنتظر الى الغد؟؟
ثم طلب مني أن أناوله التذاكر وحين قرأها قال لي أن الرحلة غدا وليست اليوم .عندها أسقط في يدي وعجبت كيف أنني وأختي لم ننتبه الى هذا الخطأ الفادح واتصلت بأبي اللذي لم يكن قد غادر بعيدا فجاء وطوال الطريق وأنا اضحك على نفسي
من الغد وبعد أن قرأت التذكرة جيدا توجهنا الى المطار وعندها قال لي موظف الخطوط هل معك إذن خطي بالسفر لأختك؟؟ قلت :لاولكن الوالد ولي أمرها موجود معنا قال :ولي أمرها هو زوجها وليس أبوها .
عندها أسقط في أيدينا وقلت في نفسي (وشذا الر حلة اللي ما طاعت تسنع)ثم قال أن الجوازات هم المعنيون بهذا الأمر فجربوا حظكم ،وفعلا رضي أفراد الجوازات بالوالد كولي أمر والحمد لله
تأخرت الرحلة ساعة في مطار الملك خالد بالرياض وبعد أن ركبنا الطيارة المتجهه الى لندن تبين لنا أنها ستتوقف بالكويت لمدة ساعتين وبعد وصولنا الى لندن انتظرنا لمدة ست ساعات للطائرة المتجهة الى تورنتو وتأخرت هذه الرحلة أيضا لما يقارب الساعتين وعندما وصلنا تورنتو كان الارهاق قد نال منا جراء هذه الرحلة الطويلة وكان بانتظارنا رحلة أخرى داخلية الى هاليفاكس ولكن نتيجة للتأخير في لندن فاتت الرحلة واضطررنا الى الانتظار في المطار لمدة ثلاث ساعت أخرى الى حين موعد الرحلة القادمة
كانت درجة الحرارة تقارب العشرين تحت الصفر،والثلوج ترسم لوحة بيضاء على الأرض ومنذ لامست وجهي أول نسمة باردة خارج أرض المطار وأنا أستشعر هذه النسمة الجليدية في كل حين تهب فيه رياح السموم الحارة فتمدني بشعور بالموازنة بين طرفي نقيض .
عندما وصلنا هاليفاكس كان في استقبالنا زوج أختي والثلوج أيضا ،ولكونها المرة الأولى اللتي أشاهد فيها الثلج الأبيض الناصع فكانت فرصة رائعة للتأمل والتفكر. وتشبيه القلوب الخيرة بأنها كالثلج كان مطابقا تماما .
الحقيقة أن الثلوج تعيق الحركة بشكل كبير وبخاصة للأطفال ولكن هذا لم يمنعني من التجول في المدينة
واسترجاع ذكريات الصيف الماضي حينما كنت فيها لمدة شهرين .تحولت تلك البحيرة اللتي سبحت فيها الى أرض صلبة يسير المرء عليها بدون وجل ،وهذه الحديقة الغناء الجميلة بدت شاحبة وساكنة سكون الموتى في هذا البرد القارس ،والأرصفة الواسعة تحولت الى زقاق ضيق يحيط به الثلج .هناك تلزم البلدية أصحاب المنازل بشق الطرق على الرصيف بعد أن غمره الثلج، والكل يقوم بهذا
.احضر لي زوج أختي تذكرة لرحلة للتزلج على الجليد تقوم بها الجامعة التي يدرس فيها وكنت مترددا لأني لست طالبا في هذه الجامعة وخشيت أن تحدث بعض المشاكل .
وفي اليوم المحدد استقليت الباص المخصص وذهبنا في رحلة قاربت الساعة الى الجبال حيث الموقع المخصص
وعند الوصول اصطف الطلاب للدخول الى دكان صغير توجد فيه الأدوات اللازمة للتزلج وعندما حان دوري سألتني الموظفة عن رقمي الجامعي فارتبكت قليلا، وأخبرتها أني لست طالبا. قالت لي: أعطني أية تعريف مثل بطاقة شخصية أو بطاقة فيز.ا ولم يكن معي الا بطاقة معهد اللغة الذي درست فيه قبل ستة أشهر وأبرزتها لها عندها سألتني الموظفة: هل تعرف فيليب؟؟ قلت لها: هو اللذي درسني. قالت: اذا تفضل.
كان التزلج على الجليد تجربة جميلة ولكنها لم تكلل بالنجاح فكثيرا ما كنت أسقط على وجهي وما يهون ذلك أن جميع المبتدئين يسقطون مثلي ..
ولكوني أدرس الطب البشري كانت كندا تمثل لي بعدا آخر أكثر أهمية وهو وجود العديد من المبتعثين في هذا المجال وكانت فرصة رائعة للتحدث معهم وأخذ مشورتهم والاستفادة من خبراتهم وهذا ما حدث حيث دعاني أحد الأطباء الجراحين الى الذهاب معه الى المستشفى والاطلاع عليه وفي الموعد المحدد عرض علي إن كنت أريد أن أحظر العملية معه فكان ردي بالايجاب خاصة وأنها المرة الأولى اللتي أدخل فيها الى غرفة العمليات وأحظر لي الزي الخاص بالجراحة من خزانته وبعدها صعدنا الى غرفة العمليات وكانت العملية لاستئصال الثدي .كان الججو رائعا والأطباء والممرضات يتمتعون بقدر من الفكاهة والمرح مما أزال عني الصورة النمطية عنهم (الجراحين خصوصا) وبعد العملية أخبرني هذا الجراح السعودي أن لديه اجتماعا وقال ان كنت تريد أن تأتي معي حياك الله وام كنت تريد الذهاب فاذهب.شعرت أنني أثقلت على الرجل جزاه الله خيرا فودعته وأعطاني الرقم السري لخزانته لتغيير ملابسي وذهبت ولكني لم أنتبه الى أني لا أعرف مكان الخزان الا بعد أن افترقنا
فأصبحت أدور في جنبات المستشفى بزي الجراحين أبحث عن غرفة تغيير الملابس ،ولم أسأل أحدا خشية أن يقول :جراح بطوله وعرضه ولا يعرف مكان غرفة التغيير .وكنت أرى لافتات تقول ممنوع دخول غير المختصين الى المناطق فما بالك بوسط غرفة العمليات ..
واهتديت الى أن أسأل عن رقم البيجر الخاص الجراح وأسأله وفعلا كانت تجربة رائعة وممتعة
في اخر الأيام بدأت أشعر بالحنين الى الوطن وبدأت أشعر بتأنيب الضمير لفوات أسبوع من الدراسة اللتي قد بدأت وأنا أسرح وأمرح في كندا فكانت هذه الأبيات
عيناي كفي الدموع تصبري...وابكي دما ان دلك مطمعي
عيناي قولي هل ابكي الغضا. ..ام الغضا قاعدٌ يبكي معي
عيناي قوليهادما متحرقا...قولي وأٌصغي بباقي مسمعي
رحلت عن دار الاحبة مكرها...لاشئ الا اختي وبنتها معي
فياليت شعري متى عودةٌ...الى حضن ام وارض قفر بلقعٍ