قابض الريزو
30-10-2022 - 09:09 pm
يجلس عبد السلام على كرسي متهالك داخل وكالته العقارية، التي لا تعتبر وكالة بالمعنى الصحيح للكلمة، أكثر مما هي مجرد محل صغير من ثلاثة أمتار مربعة، مع كُرسيين وطاولة عليها إبريق شاي وثلاث كاسات. ويعطي لون الشاي المتبقي داخل الكاس انطباعا بأن عبد السلام لم يكسب رزق يومه بعد.
عبد السلام، سمسار وخبير في ايجار ورهن وبيع وشراء العقارات، ويتمتع بروح الدعابة والمرح، وهو في منتصف الخمسينات، ولا يفقه في الإنترنت، ولا يتكلم غير المغربية الدارجة (المحلية). وبالكاد يستطيع أن ينطق ببعض المفردات الفرنسية، التي تم تطويعها إلى الدارجة المغربية. وحين تسأله عن حدائق البالموري وعالم النخيل ورياضات المدينة القديمة وبنايات شارع محمد السادس والمشاريع التي يتم التفكير فيها في طريق «أوريكا»، يبدو وكأنك تسأله عن مدينة مختلفة غير مراكش، المدينة التي عاش فيها والتي صار يتجول فيها بعد نصف قرن نصف تائه، بعد أن صارت تتحول أمام ناظريه إلى شيء آخر.
يبدو أن وتيرة السرعة التي تسير بها المدينة على مستوى العقار قد تجاوزت عبد السلام. ويبدو كأنه لاعب كرة تقدم في السن، ووُضع مباشرة في متوسط الدفاع لإيقاف زحف رونالدينهو، أو مثل عداء انقطع عن التدريب لسنوات طويلة، ثم طُلب منه أن يجاري إيقاع وسرعة هشام الكروج.
قبل نحو أربع أو خمس سنوات كانت الأمور عادية، كما يذكر عبد السلام. وحدهم طلبة الجامعة والموظفون، وفي أحسن الأحوال بعضٌ ممن تيسر حالهم ورغبوا في امتلاك السكن، سواء عن طريق اقتناء قطعة أرضة وبنائها أو شراء دار معروضة للبيع، كانوا زبائن عبد السلام.
اليوم تضاعفت الأثمان بالطبع، كما يقول عبد السلام، فالمنزل الذي كنت تستأجره 1500 درهم (150 يورو) أصبح 3000 درهم (300 يورو)، والدار العادية التي كانت تساوي، عند بيعها، 600 ألف درهم (60 ألف يورو) أصبحت 1.2 مليون دهم ( 120 ألف يورو).
في الحقيقة، تبدو مدينة مراكش كما لو أنها تعيش طفرة نفطية، رغم عدم وجود النفط في المدينة، إذ ان النفط وحده من ينقل الأحوال من حال إلى حال. ونفط مراكش هو مزيج من الشمس وجودة المناخ والنخيل المنتصب في كبرياء والأمن المستتب وروح النكتة التي تميز المراكشيين والليل الساحر ومستوى المعيشة والحدائق المنتشرة عبر أحياء المدينة. وتبدو مراكش بحدائقها وعرصاتها مثل واحة كبيرة، تثير الإعجاب لقدرتها على غرس الخضرة والورد والشجر، مع أن الشمس تسكن سطحها معظم العام.
خلال نهاية الأسبوع والعطل تختنق الطرق التي تقود إلى مراكش بالسيارات القادمة من مدن فاس والدار البيضاء والرباط وآسفي وأغادير وغيرها من مدن المغرب. والطلب المغربي على السكن أصبح يتجه صوب الشقق المتوسطة والاقتصادية، وخصوصا بعد ربط مراكش بالدار البيضاء عبر الطريق السيار، على عكس الطلب الأجنبي المتنوع الذي يستهدف الرياضات والشقق الفخمة وأحيانا المتوسطة.
بالنسبة للمغاربة، والأجانب كذلك الأمر، يبقى الأهم أن الوجهة إلى مراكش تتطلب سكنا يقضي فيه الزائر أيامه المراكشية، سواءٌ عبر امتلاك السكن أو النزول في غرف الفنادق، فالوجود في مراكش يبقى هو الأهم، ما دام يخلق الرواج السياحي ويحرك سوق العقار.
ونظرا لأن مراكش صارت تستقطب السياح من الداخل ومن الخارج، سواء للزيارة أو للاستقرار، فقد كان طبيعيا أن تتوسع المدينة على نحو متسارع، وفي كل الاتجاهات. من حي «جليز» إلى سيدي يوسف بن علي والمحاميد، ومن سيدي عباد وإسيل والداوديات، إلى المسيرة وتاركة والنخيل.
تبدو المدينة، اليوم، كما لو أنها تخوض سباقا ضد نفسها، لذلك يتخوف الكثيرون من إمكانية أن تضيع المدينة تاريخها فيما تنشغل بتغيير معالم جغرافيتها.
يرى البعض أن المدينة تتوسع على نحو جيد، وبتخطيط يبدو مراعيا لكثير من الاستراتيجيات. آخرون يتبرمون من العمارات التي صارت تنبت في المساحات الفارغة بين الفيلات والدور العادية معرضة جمالية الأحياء والمدينة للتشويه والحياة الخاصة لسكان الفيلات لنظرات المتطفلين من ساكني العمارات، الذين صاروا يطلّون عليهم من فوق.
شارع محمد السادس، وحدائق البالموري، وبينهما «جليز»، تلخيص لما يهيئ لمراكش على مستوى استقطاب المشاريع السياحية والتخطيط لبناء عمراني باذخ. عمارات باذخة وبنايات أشبه بالقصور، ولغة المال والرفاهية ترتب للمكان. لن يكون للفقر مكان هنا. ومن يدري، فلربما تصلح «تامنصورت» ما أفسده الفقر! تامنصورت هي مدينة تبعد عن مراكش بحوالي 15 كلم، ويتوقع أن تضم 58 ألف مسكن.
يبدو مشروع تامنصورت كما لو أنه جاء ليخفف عن مراكش ضغطا في الطلب على السكن، بعد أن صارت المدينة تدغدغ خيال المغاربة والأجانب للاستقرار فيها.
والحقيقة أن مراكش صارت منذ سنوات قليلة مدينة جذب وإغراء، سواء بالنسبة للمغاربة أو الأجانب. الكل صار يقصدها. المغاربة يقصدونها هربا من ضجيج ورطوبة المدن الساحلية أو رغبة في الترويح عن النفس. الأجانب يقصدونها طمعا في الشمس وسحر المكان.
هذا الإقبال على زيارة المدينة أو الاستقرار النهائي أو المؤقت بها، والذي صار يأخذ لون الطلب العالمي، خلق واقعا جديدا من حيث الأسعار ومدى توفر العرض.
لم تعد وكالة عبد السلام تساير التطورات وطبيعة العرض والطلب، إذ دخل على خط الوساطة كثير من الأجانب أو «النْصارى»، كما يسميهم عبد السلام. «النْصارى يثقون في بعضهم. وهم يستعملون ذلك الشيء الذي يسمونه الإنترنت لعرض خدماتهم».
تنتصب، بجانب مقهي «لاجوكند» بشارع جليز، كما هو الحال في باقي شوارع المدينة، إعلانات عن ايجار وشراء الشقق والفيلات والرياضات.
يمكن لمن أثاره الفضول أو رغب في استئجار أو شراء فيلا أو شقة أو رياض أن يتوقف متفرسا في الأرقام والمعلومات المرفوقة بالصور وعناوين المواقع الإلكترونية، التي تتضمن بدورها مزيدا من المعلومات.
في الإذاعة كما في التلفزة أو المطويات التي يتم توزيعها واللافتات المثبتة في الشوارع الرئيسية، هناك اتفاق على حث المستمع أو المتفرج أو المتجول عبر الشوارع على الاتصال وشراء شقة. وعادة ما تكون هذه الدعوة مرفقة بتحذير يزيد الإعلان تشويقا: «سارعوا إلى الاتصال على الرقم التالي.... عدد الشقق محدود». الإعلانات لا توظف فقط إكراه العرض والطلب، بل تستحضر المكان وفتنته. المدينة بتاريخها وحاضرها.
كان طبيعيا أن يترافق هذا الواقع الجديد مع ظهور وكالات عقارية متخصصة. لكن الجديد أن هذه الوكالات انتقلت من مستوى الوساطة إلى مستوى شراء البيوت والرياضات وترميمها في أفق استغلالها كمشاريع سياحية أو كإقامات، من خلال الاعتماد على شبكة ترويج بالخارج أو عبر المواقع الإلكترونية التي يتم إطلاقها.
ليس عبد السلام وحده من أرهقته سرعة المدينة، فهناك الكثير من سكان المدينة، وخصوصا الموظفين الذين توفرت لهم الإمكانيات، صاروا يهربون من الأسعار الملتهبة وغلاء العقار نحو أحياء ومناطق سكنية تبعد عن مركز المدينة، مثل أحياء المسيرة والمحاميد وتامنصورت ودوار العسكر
تحية طيبة لك
ومشكور حبيبي
نفس الشئ طنجة لو شفتها عام 2000م
وتشوفها الان
ويش تقول