يتوسط مقهى «غلاسيي» المدينة القديمة في الصويرة. سياح ومغاربة وفضوليون يأتون إلى هذا المقهى في منتصف النهار. حين ينهمر ضوء الشمس، وتدب حركة الناس في أزقتها. يأتون إلى هنا لتناول وجبة إفطار. يقع المقهى في زاوية تتقاطع فيها أربعة أزقة. ليس مكانا رحبا، لكنه يتسع لزبنائه. معظمهم من السياح. طاولات رصت في ساحة ضيقة أمام المقهى. في الداخل توجد طاولتان، حول كل طاولة ثلاثة كراسي صغيرة. كثيرون يفضلون الجلوس في هذا المقهى بحيث يمكن أن يتأملوا المارة. يتابعون بداية زحام في مدينة تتثاءب في الفجر وتستيقظ بعد منتصف النهار. السياح أكثرية والمغاربة أقلية. سياح من جنسيات مختلفة. لكن أكثر ما يلفت الانتباه وجود سياح أميركيين. معظمهم من الشباب. يحمل السياح كتبا كثيرون يفضلون «الرياض» لأن أسعارها معقولة، بين 100 و200 درهم (ما بين 12 و25 دولارا) في الليلة. غرفة مريحة. صالونات استقبال تزينها لوحات تشكيلية، ونباتات الظل المتسلقة. النزلاء يمكنهم طهي وجباتهم بأنفسهم إذا رغبوا. بعض هذه الإقامات سكن بها في الستينات وحتى منتصف السبعينات، مجموعات من الهيبيين خلال سنوات ازدهار تلك الموجة. ورواج «فلسفتهم»، قبل أن تذبل أفكارهم كما تذبل الزهور وتنحني وتسقط. في العصر تزدحم أزقة الصويرة بناسها وسياحها. بعض من يسيرون في الزحام من السياح، يأملون تناول وجبة في واحد من تلك المطاعم الصغيرة بطاولاتها الخشبية الوطيئة، ووجباتها التي تعتمد السمك مادة أساسية. بعضهم يريد أن يشتري مصنوعات خشبية صنعت من خشب العرعار، أو ثيابا صوفية وقطنية مزركشة. الحوانيت الصغيرة تحولت مع هذه الثياب إلى زفة ألوان. بعضهم يبحث عن شرائط «موسيقى كناوة». يطلق في الصويرة على فناني هذا النوع من الغناء «المعلمون». «موسيقى كناوة» هي في الأصل موسيقى إفريقية. هي موسيقى «العبيد» الذين نقلوا قسرا في زمن مضى إلى أصقاع شتى منها المغرب، ربما من هنا اهتمام بعض الأميركيين السود بهذه الموسيقى، وهو ما يفسر مجيء بعضهم إلى الصويرة. إنهم يجدون رابطا بينها وبين موسيقى الجاز، التي كانت هي أيضا موسيقى «العبيد» في مزارع القطن في البراري الأميركية. موسيقى كناوة» حلوة ومريرة، فرحة وحزينة، متفائلة ويائسة. من أبرز مطربي هذه الموسيقى «المعلم محمود غينيا». صوته يأتي دائما شجيا مؤثرا وكأنه يرسل رسالة مودة تضمد جراح أولئك «العبيد» الذين يرقدون تحت التراب. صوت ينبعث من كل زوايا المدينة القديمة. السياح يشترون تسجيلاته، على الرغم من أنهم لا يفهمون كلماته. بعض السياح لا يبحثون عن أكل أو صناعة تقليدية أو تسجيلات موسيقية، بل يكتفون بالتفرج على الزحام. مدينة تستيقظ في منتصف النهار، وتنام في الصباحات، وعندما تتهاطل عليها قطرات الندى الصباحية تبتل أزقتها، ويصبح لها رائحة خاصة. هي خليط من روائح القهوة والثوم، والخبز والهلاليات (كرواسن) الساخنة التي خرجت لتوها من الفرن. الصويرة هي البحر، والنورس، والسمك، والتاريخ، والموسيقى.. والصمت.
ولكن الصور أبلغ بالتعبير والوصف
كم تمنيت ان تدعم الموضوع بالصور > حتى نأخذ فكرة عن المدينة الجميلة