أن تتنزه في أحضان الطبيعة ليس أمرا جديدا، وإن كان نادرا هذه الايام في لبنان، ولكن ان تتنزه في طبيعة تزخر بأكثر من ثلاثة ملايين ارزة لبنانية، يرقى بعضها الى 3 آلاف عام أمر استثنائي. فهذه الاشجار التي تنتصب شموخا وعنفوانا وصلابة، تضفي جوا من الهيبة والاحترام على متأمليها لا بل على المتسمرين امامها. فيخيل للمرء انها تكاد تفشي أسرارا عجزت أبحاث المؤرخين والجيولوجيين عن كشفها، لكنها في الواقع تبقى صامتة وكأنها مؤتمنة على حفظ تاريخ ذاك الجبل. السكون التام تخرقه من وقت الى آخر زقزقات العصافير، لتعود أغصان الارز المستوية بعناية دقيقة وتفرض حضورها من جديد كمن يحافظ على رهبة المكان.
ساعات يمكن تمضيتها في التنزه او ممارسة رياضة المشي داخل "محمية ارز الشوف" التي تمتد على مساحة خمسين ألف هكتار، لتكون أكبر محمية طبيعية في لبنان، كما انها تشكل 5 في المائة من مساحة البلاد الاجمالية. وتضم ثلاث غابات رئيسية هي: غابة عين زحلتا- بمهرين، غابة أرز الباروك، غابة معاصر الشوف، فضلا عن 4 غابات فرعية. تبدأ المحمية من منطقة ضهر البيدر شمالاً وتصل إلى نيحا وجزين جنوباً، ويحدها من الشرق البقاع الغربي بسهوله التي تنبسط كسجادة متقطعة الالوان، ومن الغرب قرى الشوف التي تنبض خضرة لها رونقها الفريد. موقعها المتميز هذا سمح لها بأن تكون آخر امتداد للارز اللبناني جنوبا ما دفع منظمة "اليونيسكو" الى تصنيفها في عام 2005 "محمية المدى الجنوبي"، وجعلها نواة خضراء تشكل نقطة تقاطع بين محافظات ثلاث هي جبل لبنان والجنوب والبقاع، ما يعني ان الوصول اليها متاح من طرق مختلفة. إضافة الى موقعها المتميز واتساع مساحتها فهي الاكبر بين المحميات الثماني في لبنان، تكتسب هذه المحمية اهمية إضافية لانها تشكل منطقة حيوية للطيور المهاجرة والنباتات المعرضة للانقراض وأخرى تحمل اسم لبنان. كل هذه العوامل جعلتها مقصدا لآلاف الزوار الذين يتوافدون من كل أنحاء العالم حتى وصل عددهم في عام 2004 الى 28 الف زائر، لكن هذا العدد تراجع الى 21 الف زائر في عام 2005 مع بدء الاغتيالات السياسية في البلاد وصولا الى 17 الف زائر في عام 2006. وقد توقف قدوم الزوار مع بدء الحرب الاسرائيلية على لبنان. ففي مقارنة سريعة بين شهري أغسطس (آب) 2004 و2006 يتبين ان الفرق كبير. ففي الاول استقبلت المحمية 6600 زائر فيما بدت مقفرة في الثاني، ذلك ان اسرائيل لم تبخل بضرباتها إذ قصفت تخومها الجنوبية مرات عدة بغية تقطيع أوصال البلاد. لكن الحركة عادت تدريجيا اليها هذه السنة رغم ان الاحصاءات غير متوافرة بعد، بحسب ما قال المنسق العلمي فيها نزار هاني ل"الشرق الأوسط".
أربعة مداخل متاحة امام الزوار تفتح أبوابها طوال 9 أشهر هي عين زحلتا بمهرية ومعاصر الشوف وقلعة نيحا، باستثناء مدخل الباروك الذي يظل مفتوحا طوال ايام السنة. من هذه المداخل يستطيع الزائر أخذ كتيب الارشادات وشراء التذكارات والاسطوانات، فضلا عن المنتجات الريفية من مربيات التين والمشمش والجوز والاجاص و70 نوعا من المقطرات، منها ماء الورد وماء الزهر وأكليل الجبل. هذه المنتجات هي من صنع نحو 40 سيدة يعشن في قرى مجاورة للمحمية، ما يسمح لهن بتوفير مدخول اضافي يساعدهن في اعالة عائلاتهن.
وقال هاني إن المحمية تعاني من هم كبير هو هم الحرائق التي تهدد وجودها. فقد شب حريق في المقلب الشرقي للمحمية وقد جهدت فرق الدفاع المدني والجيش لاطفائه، لكن المشكلة هي غياب المعدات المتطورة والمتخصصة في اطفاء الحرائق، كالطائرات. لذلك نسعى جاهدين لتلافي حدوث اي حادث كهذا فمنعنا ادخال الاطعمة أو اي شيء قد يشوه الطبيعة، فكان الشعار الذي وضعناه: "اترك فقط اثر اقدامك". كما نحرص على ان يرافق الزوار مرشد يزودهم بالمعلومات وينتبه لخطاهم. لدينا مرشدان ثابتان ومرشدون موسميون نستعين بخدماتهم لخمسة اشهر أو ستة.
ولضمان سلامة الزوار وعدم تعرضهم لخطر الانزلاق اثناء التنقل في ارجائها، عمل المسؤولون في المحمية على تأهيل طرقها، فأقاموا ممرات تناسب كل الاعمار والقدرات الجسدية، فمنها ما يصلح للصغار والمتقدمين في السن ومنها ما يزداد صعوبة ويتطلب خطوات من يهوون رياضة المشي في الطرق الوعرة. واشار هاني الى وجود "ممرات تثقيفية مخصصة لتلامذة المدارس وطلاب الجامعات، تتوزع فيها لافتات تشرح اهميتها وتعطي معلومات عن الطيور والنباتات، إذ تضم المحمية 250 طيرا من أصل 370 طيرا موجودة في لبنان. وهذا العدد يزداد باستمرار فقبل 3 سنوات كان عدد الطيور في المحمية 163، هذا يدل على انها تشكل ملجأ آمنا للكائنات الحية. وهناك 37 نوعا من الطيور تعشش فيها والعدد الباقي يقيم لخمسة اشهر او ستة قبل ان يهاجر". أما النباتات فلا تنحصر في أشجار الارز وإن كانت تحتل المكانة الابرز والارفع فيها، فهي بحسب هاني "تحتوي على 530 نوعا من النباتات العطرية والطبية والمأكولة. وهناك 30 نبتة تحمل اسم لبنان منها الخبيزة اللبنانية والبربريس اللبناني".
وعن المشاريع الجديدة، قال هاني إن هناك خطة لانشاء سلسلة من البرك الجبلية، في مقدمها انشاء بركة في الباروك لكنها تحتاج الى تمويل يتراوح ما بين 40 و50 الف دولار، وسابقا موّلت السفارة اليابانية مشروعا مماثلا. هذه البركة تساعد على جذب الطيور ومراقبتها.
وتحدث عن برامج النشاطات في المحمية، فإضافة الى برنامج التدريب المخصص للسيدات اللواتي يعملن على تحضير المنتجات هناك برنامج التوعية البيئية المخصص للطلاب فننظم لهم مسابقات ونعرض لهم شريطا يعرفهم على المكان ونقيم في الختام احتفالا لتوزيع الجوائز، هذه النشاطات تسمح لهم بالتآلف مع الطبيعة واحترامها. هناك برامج الابحاث والمراقبة لجمع الارقام والدراسات الموضوعة عن المحمية والتي تتناول التنوع البيولوجي فيها
منقول