قبل عقود انتشرت اغنية يقول مطلعها "ما هي المدينة: لاس فيغاس... ما هي الفتاة: جينا لولو بريجيدا".
كانت الأغنية تتحدث عن لاس فيغاس قبلة الراغبين في السهر والكازينوهات، وعن الفاتنة الايطالية الممثلة لولو برجيدا ظاهرة الشاشة في الخمسينات والستينات، التي لعبت بطولة شريط " أجمل نساء العالم " واصبح هو لقبها.
لكن لاس فيغاس لم تعد كما كانت. الكازينوهات موجودة ومنتشرة، وبين كل كازينو وكازينو هناك عشرة كازينوهات. لكن هذه المدينة التي شيدت قبل قرن في صحراء نيفادا، اتجهت الآن الى نوع آخر من السياحة. سياحة المؤتمرات. مدينة تعج بالفنادق لذلك مطمئنة للغاية بانها يمكن ان تستوعب وبيسر أي مؤتمر حتى لو كان مؤتمر سعاة البريد في الصين.
عدد الغرف الجاهزة الآن لاستقبال الزوار في لاس فيغاس 133 الف غرفة. سعر أفضل الغرف لا يتجاوز مائة دولار، ووجبة متنوعة وغنية ولذيذة وفي أفخم فندق او مطعم في حدود 15 دولاراً.
في الفندق الذي انعقد فيه مؤتمر مجموعة سيمانيتك التي تعمل في مجال الكومبيوتر، توجد تسعة آلاف غرفة. نعم تسعة آلاف غرفة، لا يوجد اي خطأ. كل جناح يضم 1500 غرفة ، لذلك يبدو هذا " الصرح" السياحي مثل متاهة، لا تتجول فيه بسهولة، تحتاج الى دليل وهو بالفعل موجود، وقطعا لا تخرج منه بسهولة.
نظمت مجموعة "سيمانيتك" دعوة عشاء مرتين للمشاركين والصحافيين، ولم يصل أحد في الموعد المحدد، لان المطاعم بلا حصر. المدعوون تاهوا في الممرات وبين المقاهي والمطاعم.
القاعة التي تم فيها المؤتمر بدت مثل ملعب لكرة القدم. تعج بمشاركين يناقشون آخر ما وصلت اليه منتوجات هذه الشركة التي تتراوح ما بين برامج حماية الحواسيب من الفيروسات الى ابتكار انظمة تعامل سري للمجموعات البنكية والشركات المالية، مروراً بكشف المتورطين في غسيل الأموال.
في الفندق فرقة كاملة من رجال الأمن للتدقيق في هوية الصاعدين الى الغرف والأجنحة، بسبب ضخامة الفندق وكثرة البشر. ولم يكن مؤتمر سيمانيتك وحده الذي انعقد هناك، بل كذلك تزامنت معه أربعة مؤتمرات أخرى شارك فيها مئات في كل مؤتمر.
وفي هذا الفندق ويسمى "فينيسيا" يوجد نهر صناعي ربما لينسجم اسم الفندق مع خصائص المدينة الايطالية العائمة فوق الماء. النهر ليس على غرار "النهر الصناعي العظيم". هو فقط نهر صغير بدون عظمة، يأتي السياح الى أحد ضفافه ثم يركبون القوارب مع بحارة يرتدون زياً ايطالياً قديماً، ويمرون بهم عبر النهر ويغنون لهم أهازيج أيطالية قديمة، مشابهة لتلك الترانيم التي تردد في بعض الكنائس.
إضافة الى سياحة المؤتمرات التي انتظمت لاس فيغاس، هناك أيضاً المسرح والموسيقى. كثيرون يأتون الى هذه المدينة التي اعتمدت البذخ في المعمار والديكور، لمشاهدة العروض المسرحية في المسرح الذي غنى فيه الفيس برسلي والذي يعرف باسمه كذلك، وردد فيه اغنيته ذائعة الصيت "فيفا لاس فيغاس" كما انتج فيلم بالعنوان نفسه. وعلى ذكر المسرح فإن انعقاد المؤتمر تزامن مع مسرحية بعنوان "الشبح"، كنت قررت أن اشاهدها لكن ذلك لم يكن متاحاً لسببين: بطاقة الدخول للمسرحية تبلغ 400 دولار زائد الضرائب، واذا كان المبلغ متوفراً فإن الامر يتطلب الحجز قبل اسبوعين. هكذا تعذر عليَّ مشاهدة " الفانتوم"، واكتفيت بمشاهدة ملصقات المسرحية. اربعمائة دولار ليس مبلغاً هيناً في كل الاحوال. مسألة الحجز قبل اسبوعين تؤشر على ان الاقبال على المسارح وكما يقال "منقطع النظير". ثمة أمر آخر يجذب الاميركيين بوجه خاص لزيارة "فيغاس" كما يطلقون عليها اختصاراً، ويتمثل في سهولة ويسر إجراءات الزواج والطلاق. من يبحث عن زواج سريع او طلاق سريع عليه المجيء الى هنا . ذلك ان اجراءات الزواج في ولاية نيفادا ميسرة للغاية ولا تستغرق سوى دقائق ويكفي ان يتقدم العريسان برخصتي قيادة بدلاً من بطاقة التعريف، ليتم تسجيل الزواج قانونياً، كما ان الطلاق الذي قد تستغرق اجراءاته شهوراً بل سنوات في بعض الولايات يتم هنا بسهولة شديدة وفي اليوم نفسه في فيغاس. غرائب هذه المدينة لا تقف عند حد. فإذا كان مجرد التحرش اللفظي وليس الجنسي في واشنطن يمكن أن يقود الى السجن، فإن البغاء العلني مسموح به في لاس فيغاس.
المشكلة الوحيدة التي تعانيها المدينة هي شح المياه، اذ انها تعتمد على نهر "كلورادو" الذي تتشارك في مياهه خمس ولايات ومنسوبه في تناقص، لذلك تحاول المدينة ترشيد استعمال المياه الى حد انها لا تسمح بغسيل السيارة أكثر من مرة في الاسبوع، ومخالفة ذلك تعني عقوبة بالغرامة والسجن.
شوارع لاس فيغاس التي يتسكع فيها السياح ليل نهار (لا فرق في الواقع بينهما هنا) فيها الكثير من مظاهر الفرجة. باعة يفترشون الارض او يعرضون سلعهم في اكشاك أنيقة ويتفنون في بيع بعض الغرائب والعجائب. موسيقيون يعزفون بغيتاراتهم عند تقاطعات الطرق. كثيرون من هؤلاء يقلدون أشهر النجوم الذين مروا من هنا، وفي مقدمتهم الفيس برسلي. ثمة ظواهر اخرى تدخل في سياق العجب العجاب.
فتاتان جميلتان في سنوات الحرج، تعرضان على المارة تصويرهم وهم يحملون مجموعة من الببغاوات. تنادي احداهما على السياح. وتتولى الثانية وضع الببغاوات على أكتاف السياح الراغبين وفوق رؤوسهم وعلى أذرعهم وتلتقط لهم عدة لقطات حسب الرغبة. السعر ليس محدداً، يمكنك ان تنفحهما كما تريد.
السياح يتفرجون ويرددون "واو"، وهي لفظة اميركية تعبر عن الدهشة، او الدهشة البالغة طبقاً لكيفية نطقها. الاميركيون يحبون التمشي في الشمس، وشموس لاس فيغاس لا يغطيها غمام، ومن أين يأتيها الغمام وهي في قلب الصحراء (شيدت عام 1905).
يطلق عليها "مدينة المتعة في العالم". وهي بالفعل تبيع زوارها متعة لكنها لا تترك في جيوبهم شيئاً.
تحياتي
المصدر/ جريدة الشرق الأوسط
العدد 10452 تاريخ 11/7/2007