افريقيا المسافرون العرب

أكتشف العالم بين يديك المسافرون العرب أكبر موقع سياحي في الخليج و الوطن العربي ، يحتوى على أكبر محتوى سياحي 350 ألف استفسار و نصائح عن السفر و السياحة, 50 ألف تقرير سياحي للمسافرون العرب حول العالم و أكثر من 50 ألف من الاماكن السياحية و انشطة وفعاليات سياحية ومراكز تسوق وفنادق، المسافرون العرب هو دليل المسافر العربي قبل السفر و اثناء الرحلة. artravelers.com ..
bualaa
02-11-2022 - 04:35 pm
لا تذهب إلى السفاري.. فجنوب أفريقيا تجلبها إليك
بريتوريا رمز التعايش الودي بين ألوان طيف البلادبالقرب من مدينة جوهانسبيرغ الصاخبة والمزدحمة توجد مدينة صغيرة هادئة مزينة بالحدائق والمتاحف التي تحكي قصة جنوب أفريقيا منذ مئات السنين تلك المدينة هي بريتوريا والتي تحول اسمها حاليا إلى تشواني. تحمل هذه المدينة ماضيا لك يكن يوما مكللا بالزهو مثل شوارعها اليوم فقد كانت ترمز للعنصرية والاضطهاد خلال النصف الثاني من القرن الماضي. إلا ان أهل هذه المدينة يريدون ان يمحوا هذه الصورة السوداء عن مدينتهم واستبدالها بصورة حديثة يسيطر عليها التآخي بين البيض والسود.
الجميع في بريتوريا يتحدثون عن العام 2010 عندما تستضيف بلادهم جنوب أفريقيا نهائيات كأس العالم لتكون أول بلد في القارة السوداء تنال شرف احتضان المهرجان الكروي العالمي.
على الأرجح ان أي فرد منا سيكون فرحا للغاية لو تم اختيار بلاده لاستضافة أكثر البطولات العالمية شعبية، لكن لدى شعب جنوب أفريقيا سبب خاص يعطي هذه المناسبة طعما خاصا لديهم. الجميع هنا متشوقون ليجعلوا العالم يرى حسن وكرم الضيافة التي تتمتع بها بلادهم ولكي يمحو الصورة النموذجية التي تكونت عن بلدهم بعد أن تحول الحكم إلى الغالبية السوداء بعد سنوات من الاضطهاد العنصري.
لقد أصبح اسم جنوب أفريقيا يرتبط بالعنف وعدم الاستقرار وكثرة السرقات، ولكن هذه البلاد لديها الكثير من الفضائل الحسنة التي يغفل عنها العالم وعلى رأسها الكنوز الطبيعية التي بقيت مخبأة عن العالم لمئات السنين. فعل المجتمع الدولي حسنا بعزل جنوب أفريقيا عن العالم عندما كانت بين أيدي العنصريين البيض، ولكن هذه العزلة وعلى الرغم من أثرها المدمر على اقتصاد البلاد إلا أنها حافظت على كنوز جنوب أفريقيا الطبيعية بعيدة عن الأيدي المؤذية للتقدم والتطور. فعلى الرغم من وجود جنوب أفريقيا على الخريطة العالمية منذ أن كان رأس الرجاء الصالح يشكل خاصرة التجارة العالمية والمعصم القوي الذي يربط بين بهارات وتوابل وحرير الهند والصين مع القارة الأوروبية، إلا أن الكثيرين يغفلون عن الجواهر الطبيعية المخبأة بين جبال ووديان وغابات هذه البلاد.
ولو سألت الكثيرين حول جنوب أفريقيا لسارعوا بالتحدث عن نيلسون مانديلا وكيف قاد شعبه للحرية بعد عشرات السنين من الاضطهاد. كيف أن هذه الرجل النحيل خرج من زنزانته في جزيرة روبن المطلة على كيب تاون نحو قصر الرئاسة في بريتوريا، آسرا قلوب ملايين الأحرار في كل مكان، وحتى الأقلية البيضاء التي ترى في هذا الرجل مستقبل أبنائها. ومنذ تلك اللحظة، عندما أصبح السود يحكمون أنفسهم في القارة السوداء بدأ اسم بريتوريا يخفت تدريجيا حتى أن الكثيرين لا يدركون أنها العاصمة الرسمية للبلاد. وعند الحديث عن كأس العالم يقفز سكان بريتوريا بشوق وأمل أن تكون هذه الجمهرة الكروية فاتحة خير على مدينتهم الصغيرة في حجمها الكبير في طموحاتها.
بدأت زيارتي لبريتوريا من وسط المدينة وبالتحديد من أمام مبنى الاتحاد، مفخرة بريتوريا المعمارية. شيد هذا المبنى حسب الطراز المعماري البريطاني القديم وقد كان يوما ما يرمز للعنصرية لكنه تحول بين يوم وليلة ليرمز إلى التعايش الودي بين ألوان طيف البلاد. لاحظت خلال وجودي في مركز بريتوريا هدوءها الجميل مقارنة بجارتها الصاخبة جوهانسبيرغ التي تحولت فيها الحياة إلى ثورة سكانية في محيط ضيق من العمران. الطراز العام للمدينة قديم يعود لمئات السنين عندما قدم المستعمرون البيض وقرروا جعل بريتوريا عاصمة جنوب أفريقيا. الطقس معتدل معظم أوقات العام على عكس كيب تاون التي تصبح في أوقات من العام باردة جدا بفضل التيارات الهوائية القادمة من المحيط الأطلسي.
بعد الانتهاء من نظرة خاطفة على تاريخ البلاد توجهنا إلى أحد المطارات الخاصة واستقللنا طائرة صغيرة طافت بنا فوق بريتوريا وضواحيها. منحنا النظر من السماء فرصة رائعة لمشاهدة الطبيعة الجغرافية الخلابة للبلاد. وعلى الرغم من الصورة الجميلة التي شاهدتها في البداية إلا أنني لم أغفل المساكن الشعبية الفقيرة المترامية على أطراف المدينة التي شكلت لوحة إنسانية تدعو إلى البؤس وتحكي القصة الأبدية للغني والفقير. بعض المناطق تبدو مشرقة حتى من السماء بينما الحاجة والعدم يغطيان مجموعة مقابلة من المساكن الخشبية التي تؤول إلى الانهيار وتنظر بعين الحسد للمباني المطرزة بالحدائق الغناء. لفت انتباهي منظر السهول الشاسعة المغطاة بالأعشاب المدارية التي تفترش المكان، وفي اللحظة التي شاهدت فيها تلك السهول، أطلقت العنان لمخيلتي التي صورت لي تلك السهول على أنها مليئة بقطعان الحيوانات البرية مثل الحمار الوحشي والجواميس والغزلان، كلها تركض ومن خلفها مجموعة من الأسود الجائعة، وقبل أن يتمكن الأسد من القبض على الغزال المسكين، أيقظني الدليل السياحي بصوته العالي الذي كان يحاول أن يخترق ضجيج الطائرة وبدأ بالشرح عن سبب خلو هذه السهول من الحيوانات أو المزارع على الرغم من خصوبة التربة ووفرة المياه. فقد قال لي إن أصحاب هذه المناطق عزفوا عن الاستثمار فيها بعد أن تعرضت مزارعهم للسرقات المتتالية من قبل السكان القريبين من المكان. لكن الخطة القائمة هي تحويل هذه السهول إلى متنزه خاص يتم جمع عدد كبير من الحيوانات البرية التي كانت تعيش في هذه المكان في الماضي على غرار كروغر بارك شمال البلاد. لقد كانت هذه السهول في الماضي مرتعا للحيوانات البرية من جميع أنواعها إلا أن الإنسان يأتي ويجلب معه الدمار للبيئة التي من حوله. وهذا بالتحديد ما جرى في بريتوريا وفي عدد كبير من المناطق المأهولة بالسكان في البلاد. عندها كان الوقت مناسبا لتلمس أقدأمنا الأرض والذهاب لزيارة أحد الحيوانات التي ترمز لسهول أفريقيا الشاسعة. وعند الحديث عن السهول فلا يوجد حيوان يتقدم على الفهد او الشيتا فهو ملك السرعة والرشاقة. تتميز منطقة بريتوريا بوجود عدد كبير من المحميات البيئية الخاصة التي تحتضن بين أشجارها الحيوانات الأصلية التي تعيش في جنوب أفريقيا بعد أن ضاقت بها الحياة في مناطقها الأصلية ولم يبق أمامها سوى تقبل يد العطف والشفقة من قبل الإنسان مقابل بقائها على قيد الحياة. بعد نصف ساعة من القيادة بالسيارة وصلنا عند باب احدى تلك المزارع وتدعى {ذا وايلد شيتا فارم} تعتمد هذه المزرعة في تمويلها على المعونات المالية التي يقدمها المتبرعون من مختلف أرجاء العالم من بيع صغار الفهود لحدائق الحيوانات في العالم. وربما ما يخفف من وطأة وجودها في مثل هذه المزارع أنها تملك مساحة معقولة تعدو فيها مما يضعها في درجة أعلى في سلم الجحيم من بقية أفراد جنسها والتي تواجه إما الأقفاص أو السلخ. يوجد في هذه المزرعة نحو 200 فهد بعد أن كانت المزرعة قد أسست بجروين صغيرين لفهد قتله الصيادون. وعند موعد الغداء تقدم رجل من السكان الأصليين لإطعام الحيوانات المفترسة ويدعى جو. يحمل جو ملامح مميزة، فنظراته حادة تعكس معترك الحياة التي يعيشها فهو شديد البنيان قليل الحديث لكنه دائم الابتسامة. يقوم جو بالتعامل المباشر مع الفهود والكلاب البرية دون الحاجة إلى جدران عازلة. لقد تعودت الفهود على وجوده منذ أن كانت صغيرة إلا أنه دائم الحذر منها فهي ليست مدربة. إن هذه المهمة بالتأكيد ليست بالسهلة نظرا لشراسة وسرعة الفهود الفائقة، ومع هذا تجد جو وحيدا بينما تحوم حوله بانتظار أن يسقط بعضا من اللحم الطازج أمامها لا يهاب من الجلبة التي تحدثها من حوله بل يندفع نحوها مظهرا استعداده لمواجهتها. مهما قام جو بالتحرك حول الفهود إلا انه لم يدر ظهره لها. وهذا هو السر في التعامل مع الحيوانات المفترسة، كما أوضح لي جو قائلا: إن من المهم عدم إدارة الظهر للحيوان المفترس تحت أي ظرف كان، فطريقتها في الصيد تعتمد على هرب الفريسة ومن ثم ملاحقتها والانقضاض عليها من الخلف.
كان الاعتقاد السائد عندي أن الوصول إلى الحياة البرية في جنوب أفريقيا أو أي دولة أفريقية يتطلب السفر لساعات بين البراري والانتظار لساعات أخرى حتى يخرج احد الحيوانات من بين الأشجار إلا أن بريتوريا جلبت الغابات للسياح عند مشارف المدينة ويمكن للشخص التمتع بتجربة سفاري جميلة من دون بذل عناء كبير وهكذا يمكنه ان يتخلص من فكرة شبح ايام الاضطهاد العنصري التي كانت سائدة، ولو للحظات.




خصم يصل إلى 25%